02-نوفمبر-2021

فتاة في ستوكهولم (Getty)

تشهد المجتمعات العربية اليوم تراجعًا في الوعي النسوي أمام انتصار الجسد "الفاشينيستي". وهو انتصار على كل النسويات ونظرياتهن وكفاحهن الطويل لأجل النساء. وبات هذا الأمر ملموسًا بشكل يومي في المجتمعات العربية المعاصرة، وقد ساعد على ظهوره وانتشاره التقدم التكنولوجي بكل تقنياته، مما اختصر الوقت في عملية التغيير والتحول لينتصر الجسد والمظهر على الذات والوعي.

تحولُ الـ "فاشينيسياز" إلى نجمات فاقم من محاولات إعلاء الجسد الأنثوي على كل ما عداه من قيم نسوية

مع تسيد التكنولوجيا على الإنسان صرنا أقرب إلى بدائيتنا بشكل ملموس. فقد انتصر الجنس على خطاب الوعي النسوي الرافض لاعتبار المرأة أداة للجنس، وتعزز هذا الانتصار بشيوع ثقافة استهلاك الجسم ومتمماته الاستهلاكية التي مثلها وصول "فاشينيستاز" شابات إلى مرتبة النجوم.

اقرأ/ي أيضًا: من تفاحة المعرفة إلى بستان تفاح الجمال

تحولُ الـ "فاشينيسياز" إلى نجمات فاقم من محاولات إعلاء الجسد الأنثوي على كل ما عداه من قيم نسوية. وراحت هاته النجمات تروج لما يمكننا اعتباره أدوات لتزيين الجسد، من ثياب وعطور وإكسسوارات بشكل يفوق قدرة الفكر النسوي على ترويج معتقداته بأضعاف مضاعفة.  

ما بين بلوفر "الفاشينيستا" والنسوية مسافة حياة وفكر ومبدأ. ففي الوقت الذي تنشط فيه النسوية في تثبيت الأفكار واعتمادها كأسلوب حياة، سعت ناشطات "الفاشينستاز" الأكثر حضورًا ومتابعة وتأثيرًا، إلى بث رسالة تفيد بأن الجسد الأنثوي هو جسد منتظر وغير فاعل، وكل ما يمكنه أن يوحي به لا يتعدى مجرد انتظار الحدث الذي يأتي من خارجه ليصبح جسدًا مكتملًا، أكان هذا الحدث ثوبًا من تصميم فرساتشي، أو قبعة من تصميم شانيل، أو عريسًا مقتدرًا. وبسبب من مرونتهن وانتفاء التعقيد في خطابهن، استطعن بسرعة قياسية فرض هذا الخطاب المسطح على الوعي العام. فعاد الجسد الأنثوي المنتظر والكامن ليشكل صورة المرأة مجددًا، وتعززت من جديد الثقافة المادية والحسية المسطحة.

في المقابل فإن الخطاب الذي تتبناه الحركة النسوية هو خطاب فكري معرفي، معني بتعريف الذات وتمكينها، وينادي باستقلالية المرأة وحريتها وقدرتها على اختيار مصيرها بنفسها دون العودة إلى الأفكار والمعتقدات والموروثات النابعة من السلطة الذكورية. ورغم أنني أستطيع الادعاء أن "الفاشينيستاز" هن وليدات الحركات النسوية، إذ إن أوجه الشبه بين الطرفين متعددة على المستوى الفكري، لكن المفارقة تكمن بالنظرية نفسها. فالحركة النسائية المتمثلة في "الفاشينيستا" تعتمد، وبشكل أساسي، على تسليع الجسد والجنس والبيولوجيا والمحسوس، وتعلي من شأن كل متعلقات الجسد عند المرأة. والحال، هناك فارق كبير ومتسع بين قلق الهوية عند النسوية وبين الانحباس في الجسد عند "الفاشينيستاز".

في مواجهة هذا الأمر لم تبدر أي معارضة فاعلة من الناشطات النسويات والأكاديميات المعارضات حاملات لواء الفكر النسوي. ولم يظهر أي صوت مندد بهذه "الوثنية النسائية" المستجدة.

ليست الأنوثة عيبًا ولا يشكل استحضارها انتقاصًا للمرأة. إلا أن إعلائها على حساب كيان المرأة، ذات العقل الواعي، هو النقص بحد ذاته

ليست الأنوثة عيبًا ولا يشكل استحضارها انتقاصًا للمرأة. إلا أن إعلائها على حساب كيان المرأة، ذات العقل الواعي، هو النقص بحد ذاته. وحالنا اليوم تؤكد بلا شك أن إعادة المرأة إلى قفص الأنوثة هو مطلب الجميع، بمن فيهم ناشطات "الفاشينيستاز". ويستوي في هذا التطلب معارضات النسوية، وقوانين السوق الاستهلاكية، وأهل السلطة، ومؤيدو السلطة الذكورية على حد سواء، وهؤلاء جميعًا يرون في المرأة جسدًا أكثر مما يرون فيها ذاتًا.

اقرأ/ي أيضًا: نساء ومرايا

صمت النسويات والنسويين عن تفشي ثقافة "الفاشينيستاز" يعوق بشكل فعلي أي محاولة لتعديل البنى الثقافية والاجتماعية السائدة المتسببة في قهر المرأة. بويساهم على نحو فاعل في تمرير وقبول أي فكر يعزز من سطحيتها وجعلها كائنا ملونا تعيش في جلدها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صناعة العلاقات العامة من المنظور الجندري

الخطاب الذكوري العربي.. من الثقافة إلى بنية اللغة