17-نوفمبر-2021

لاجئون على الحدود البيلاروسية-البولندية (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

نشرت وكالة رويترز تقريرًا عن أزمة المهاجرين على الحدود البيلاروسية البولندية، ورافقت مسار رحلتهم إلى هناك بعد أن تحولت العاصمة بيلاروسية مينسك قبلة لهم تحت ستار السياحة.

كرمان محمد مواطن عراقي سافر مع زوجته وأبنائه الثلاثة إلى مينسك الشهر الماضي من مدينتهم في شمال العراق على أساس زيارة سياحة، وبعد عدة أيام على وصول الأسرة إلى مينسك حتى شقت طريقها إلى الحدود الفاصلة بين بيلاروسيا وبولندا لتنضم إلى مجموعات كبيرة من العراقيين والسوريين والأفغان وغيرهم ممن يحاولون العبور إلى الاتحاد الأوروبي، بالرغم من الظروف الصعبة والطريق المحفوف بالمخاطر والقاتل في بعض الأحيان.

تقول رويترز أنها اطلعت على وثائق نشرتها بولندا وليتوانيا تثبت أن شركة سفر واحدة على الأقل مملوكة للدولة في بيلاروسيا، سهلت للراغبين في الهجرة زيارتها

استطاع محمد وأسرته الوصول إلى بولندا لكنهم لم يمكثوا فيها سوى بضعة أيام، فقد تم ترحيلهم إلى العراق نهاية الشهر الماضي، لتصبح الأسرة مثالًا واضحًا على أن إنفاق آلاف الدولارات والمخاطرة بالأرواح لا يضمن الوصول والاستقرار في دول الاتحاد الأوروبي.

تنقل رويترز عن محمد الذي التقته في بيته بمدينة السليمانية في شمال العراق قوله أن "الطائرات تنقل السياح المتوجهين للسياحة"، لكنه أشار إلى أن "حكومة بيلاروسيا تعلم جيدًا أن هؤلاء الناس ليسوا سياحًا هم ذاهبون إلى الحدود البولندية".

يتقاطع كلام محمد مع روايات شهود والوثائق المتوفرة بحوزة رويترز تبين أنه وأسرته كانوا ضمن آلاف الذين حصلوا على تأشيرات سياحية في الشهور الأخيرة، بمساعدة وكالات سفر في الشرق الأوسط تعمل من خلال شراكة مع شركات سياحية في بيلاروسيا، لكن وجهتهم لم تكن سياحية.

تقول رويترز أنها اطلعت على وثائق نشرتها بولندا وليتوانيا تثبت أن شركة سفر واحدة على الأقل مملوكة للدولة في بيلاروسيا، سهلت للراغبين في الهجرة زيارتها بدءًا من شهر أيار/ مايو الماضي، في حين رفعت شركة النقل الحكومية رحلاتها إلى أكثر من الضعف على الخط المشهور لطالبي اللجوء.

حاورت رويترز أكثر من 30 شخصًا ما بين مهاجر أو راغب في الهجرة من الشرق الأوسط أثناء إعداد  التقرير في مدنهم الأصلية وعلى الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وفي مراكز المهاجرين في وارسو، وقد حدد نحو 20 فردًا طبيعة التأشيرات التي سافروا بها، وقالوا جميعًا إنها تأشيرات سياحية، وهو ما أظهرته الوثائق التي نشرتها بولندا من أن قرابة 200 عراقي حصلوا على دعم في إصدار التأشيرات من شركة سفريات تديرها الدولة في بيلاروسيا، للسفر من أجل الصيد البري وأغراض أخرى، وتحدّث مهاجرون ووكلاء سفريات في العراق وتركيا عن السهولة النسبية التي حصلوا بها على وثائق للسفر إلى بيلاروسيا في الشهور الأخيرة.

 وقال مهاجرون عراقيون لرويترز انه على الرغم من أن سعر الرحلة للوصول إلى مينسك يتراوح ما بين 1250 و4000 دولارًا، فإن الآلاف أكملوا الرحلة بعد الحصول على التأشيرات بمساعدة شركات من مينسك، واستقلال رحلات جوية تجارية التي تزايدت وتيرتها منذ فصل الربيع، وبحسب مهاجرون وصلوا إلى الحدود البولندية أو هم في الطريق إليها، فقد ساعد في تحقق هذه الزيادة في أعداد المهاجرين وكالات سفريات وشركات صغيرة، ومهربون وسائقون هدفهم الاستفادة المالية.

اقرأ/ي أيضًا: هل تسقط معارضة بيلاروسيا "آخر ديكتاتور" في أوروبا؟

وعن طرق وصولهم إلى بولندا قال عدد من المهاجرين قرب الحدود لوكالة رويترز، إن "حرس الحدود البيلاروسي ساعدوهم في العبور إلى بولندا أو غضوا الطرف عنهم وهم يحاولون العبور"، وقال اثنان من المهاجرين في لقاءين منفصلين إن "حرس الحدود البيلاروسي سلمهما أدوات لقطع الأسلاك".

معظم المهاجرين الذين التقتهم "رويترز" تحدثوا عن قيامهم بالرحلة لأنهم "لا يرون لأنفسهم أو لأولادهم مستقبلًا سواء في سوريا أو في العراق"، وذكر عدد قليل منهم أنهم يحاولون "دخول الاتحاد الأوروبي للحاق بأصدقاء أو أقارب سبقوهم إليه"، ويعتقد المهاجرون أن فرصة للوصول إلى أوروبا برًا أكثر أمنًا من الرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر، لاسيما عند مع اصطحاب أطفال صغار.

توفي ثمانية أشخاص على الأقل من المهاجرين، خلال محاولات العبور على الحدود البيلاروسية البولندية، وتتزايد المخاوف على سلامة الآخرين مع اقتراب الظروف الجوية الشتوية القاسية

أشار التقرير إلى أن وكالات السفر عن طريق وسطاء عرضوا خدماتهم على الراغبين في السفر بعد أن قرأ هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن التأشيرات أصبحت متاحة بسهولة، ومن بين الوكلاء الذين يأتي على ذكرهم التقرير حسين الأصيل العراقي المُقيم في أنقرة، والذي يوفر خدمات السفر للراغبين من السياح والمهاجرين، يقول الأصيل لرويترز إنه "رتب دعوات لعملائه من 3 شركاء في بيلاروسيا، وتولى استخراج تأشيرات على جوازات سفر مرسلة من العراق، وبمجرد عودة الجوازات أصبح بإمكان أصحابها السفر إلى مينسك عن طريق تركيا".

أشار الأصيل إلى أن "حصول العراقيين على تأشيرات سفر إلى بيلاروسيا قبل العام الحالي كان أصعب بكثير"، وذكر أنه "تقاضى 1250 دولارًا عن الفرد الواحد" زاعمًا أن ذلك "يجعل منه واحدًا من أرخص وكلاء السفر"، وأضاف أن "سفارة بيلاروسيا بالطبع تعلم أن هذا الشخص ليس ذاهبًا للسياحة"، كاشفًا الأمر بالقول "أي نوع من السياحة هذا الذي يحجز فيه المرء تذكرة طائرة مقابل 800 دولار ويحصل على تأشيرة مقابل 1250 دولار؟"، هم يعلمون أن "هؤلاء الناس قادمون للذهاب إلى أوروبا".

اقرأ/ي أيضًا:  بيلاروسيا تستخدم المهاجرين كسلاح ضغط في مواجهة ليتوانيا والاتحاد الأوروبي

وازدادت وتيرة الرحلات الجوية إلى مينسك خلال فصل الربيع، ووفق بيانات موقع فلايت رادار 24 الإلكتروني لرصد الرحلات الجوية، فقد سيّر طيران بيلافيا على سبيل المثال 28 رحلة من اسطنبول إلى مينسك خلال شباط/فبراير الماضي و31 رحلة خلال شهر آذار/مارس وبحلول تموز/ يوليو تجاوز عدد الرحلات 65 رحلة، ما دفع الاتحاد الأوروبي للتحرك والتصدي لهذه الموجة، وبعد ضغوط من بروكسل أوقفت العراق الرحلات الجوية من بغداد إلى مينسك نهائيًا، كما أكدت شركتا بيلافيا والخطوط الجوية التركية أنهما ستتوقفان عن نقل المسافرين من اليمن والعراق وسوريا إلى مينسك باستثناء الدبلوماسيين، بينما قالت شركة أجنحة الشام للطيران وهي شركة سورية خاصة  إنها ستتوقف عن تسيير رحلات إلى مينسك.

وعن الوجهة التي يتجه إليها المهاجرون بعد وصولهم إلى مينسك، تتحدث رويترز بأن أغلبهم يسارع بالانتقال إلى المنطقة الحدودية، حيث قال عدد من سكان المدن إنهم رصدوا زيادة كبيرة في أعداد المسافرين ذوي الملامح الشرق أوسطية ينتظرون في مراكز تجارية أو ينامون على مقاعد، أو يشترون مؤنًا لمواصلة رحلتهم.

وينقل التقرير عدد من الشهادات عن ما يحدث عند الحدود البولندية، بعض المهاجرين الذين وصلوا إلى بولندا تحدثوا عن تعرضهم  للضرب على أيدي حرس الحدود البيلاروسي، والذين طاردوهم عبر المنطقة الحدودية، وواجه هؤلاء الإرهاق والجوع والعطش والخوف، وتقول سيدة عراقية تبلغ من العمر 26 عامًا اسمها أم ملك وستلد بعد 13 أسبوعًا لرويترز، إنها وأسرتها "حولوا مسارهم بين بيلاروسيا وبولندا ست مرات قبل الوصول إلى مركز للمهاجرين في مدينة بياليستوك البولندية"، قبل أن تضيف إنها وزوجها وبناتهما الثلاث "خاضوا في مياه يصل ارتفاعها إلى الصدر واختبأوا في غابات وسط البرد"، وربما تعتبر أم ملك نفسها محظوظة، لأن عدد كبير من المهاجرين لا يتمكنون من الوصول إلى الدول الأوربية ويجبرون على العودة إلى مينسك، ويضطرون في بعض الأحيان لدفع رشوة في سبيل العودة إلى أوطانهم.

وقد توفي ثمانية أشخاص على الأقل من المهاجرين، خلال محاولات العبور على الحدود البيلاروسية البولندية، وتتزايد المخاوف على سلامة الآخرين مع اقتراب الظروف الجوية الشتوية القاسية، وفي حين لم ترد السلطات البيلاروسية على الفور على طلب رويترز للتعليق على هذه الاتهامات بالاعتداء على المهاجرين، قال متحدث باسم الشرطة البولندية إن "الشرطة لم تنفذ أي عمليات مثل إعادة المهاجرين إلى الحدود".

ورغم تضييق الخناق على الرحلات الجوية من الشرق الأوسط إلى مينسك، فقد قال فابريس ليجيري مدير وكالة الحدود بالاتحاد الأوروبي فرونتكس الجمعة الماضية إن على "الاتحاد الاستعداد لزيادة في أعداد المهاجرين الذين يحاولون دخوله"، وبالفعل فقد زادت الأعداد، وقال حرس الحدود البولندي إن "أكثر من 17 ألف محاولة لعبور الحدود خلسة وقعت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بمعدل أكبر من المحاولات التي حدثت في آيلول/سبتمبر"، وأن "آلاف المهاجرين ينتظرون بالقرب من حدود بيلاروسيا مع بولندا".

اقرأ/ي أيضًا: تفاقم الأزمة على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا وسط اعتقالات في صفوف اللاجئين

ويتهم الاتحاد الأوروبي رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بتدبير موجات المهاجرين إلى الحدود البولندية للضغط على الاتحاد بقصد التراجع عن العقوبات المفروضة على حكومة بلاده، بعد انتخابات أجريت العام الماضي اتهم بتزويرها وقاد بعدها حملة لقمع  المحتجين الرافضين لنتائجها، بالمقابل ينفي لوكاشينكو تسهيل عبور اللاجئين رغم قوله بأنه لن يمنع المهاجرين بعد الأن بسبب تلك العقوبات، وعمقت  أزمة المهاجرين من التوترات بين الغرب وروسيا الحليف الرئيسي لبيلاروسيا، فقد أرسلت موسكو قاذفات ذات قدرات نووية لكي تراقب سماء بيلاروسيا، ما دفع بالدول المتاخمة لحدود بيلاروسيا لإبداء انزعاجها من احتمال تصاعد الأزمة إلى مواجهة عسكرية.

 تعود رويترز لشمال العراق وتحديدا إلى مدينة سيد صادق وتقابل ورزار إبراهيم الذي يعمل كحلاق، وتنقل عنه قوله إن "العشرات من مدينته رحلوا عن إقليم كردستان قاصدين بيلاروسيا في الأسابيع الأخيرة"، مضيفًا إنه "قرر الانضمام إلى المسافرين"، ويتابع إبراهيم وهو أب لطفلين "لدي طفلة في الثامنة ولا يمكنها الكتابة، لماذا؟ لأن المدرسة ليست جيدة، وبوسعي أن أرى أن حياة أطفالي هنا لا تبدو مقبولة"، ليضيف "أرى الصور كل يوم لأشخاص في الغابة لكني لست خائفًا، المصاعب في بيلاروسيا مؤقتة، أسبوع أو أسبوعان، لكنها هنا موجودة كل يوم"، وأشار إبراهيم إلى أنه "دفع 1600 دولار عن كل فرد في أسرته المكونة من 4 أفراد للذهاب إلى مينسك"، وأردف قائلًا "كل يوم تجد صديقًا مقربًا يرحل، يعرف كل منكما الآخر منذ 20 عامًا، ثم يرحل إلى بيلاروسيا، ولا تعرف ماذا سيحدث له وهذا صعب، لكني أقول مع ذلك سأذهب وأنا راحل لأن الوضع هناك أفضل من هنا".

وتقول حكومة إقليم كردستان العراق لوكالة "رويترز" إنها تحقق مع وكلاء السفر المحليين المتورطين في هذا النزوح، وحملت الساسة والمهربين مسؤولية تفاقم الأزمة، فيما قال بعض الراغبين في الهجرة إنهم باعوا أرضًا أو بيوتًا لسداد تكاليف السفر والفنادق وعمولات المهربين والرشوة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دير شبيغل: "جيش ظل" مسؤول عن التنكيل باللاجئين على الحدود الأوروبية

بولندا.. العثور على جثّة لاجئ سوري وتحذير من كارثة إنسانية على الحدود