21-أبريل-2020

الكاتب الأمريكي دين كونتز

وقعت بالصدفة بين يدي رواية "عيون الظلام" للكاتب دين كونتز، ولم أكن أعرف أي شيء عنها، ولا عن كل ذلك الجدل الذي يدور حولها. وجدتها على تطبيق "Storytel" ضمن الإصدارات الحديثة وانتابني الفضول لسماعها، فوجدتها رواية مشوقة وسريعة ومفعمة بالأحداث والمطاردات والمؤامرات والمنظمات السرية، والأهم أنّ فيها فايروسًا قاتلًا.

البداية الغامضة

تبدأ الرواية مع الشخصية الرئيسة كريستينا إيفانز، أو تينا كما يسميها أصدقاؤها، وهي تنظر إلى طفل في الثانية عشرة من عمره في السيارة الواقفة إلى جانبها، تظن لوهلة أنه ابنها داني، نفس السن ونفس الشعر الداكن الكثيف، وملامح رقيقة متشابهة، لا تلبث أن تقنع نفسها أنه ليس ابنها لأن ابنها داني توفي منذ سنة، ظنت لفترة أنها قد تغلبت على حزنها وفقدان طفلها لكن جرحها كان لا يزال ينزف بشدة ويؤلمها.

"عيون الظلام" رواية مشوقة ومفعمة بالأحداث والمنظمات السرية، والأهم أنّ فيها فايروسًا قاتلًا!

تينا امرأة جذابة جدًا، مصممة عروض راقصة في واحد من أكبر فنادق لاس فيغاس، جميلة ورشيقة، وسمراء بعينين زرقاوين وشعر بني كثيف وجميل، تمتد الفصول الأولى في وصف حياة تينا وشخصيتها وبيتها وعالمها وطليقها مايكل الذي انتهت علاقتهما قبل وفاة ابنها بوقت قصير.

اقرأ/ي أيضًا: تطبيق "Storytel" يشاركنا كتبه الصوتية لهذا الأسبوع

تبدأ الظواهر الغريبة، وتنتابها الكوابيس المرعبة عن ابنها داني، فتراه في حفرة يهيل أحدهم التراب على رأسه وهو يستغيث وشخص ما برأس جمجمة يدفنه ويهاجمها، وكوابيس أخرى مرعبة، تشعر أن أحدًا ما في بيتها فتنهض فزعة وتدور في المنزل تبحث عن الدخيل، ثم تذهب إلى غرفة ابنها فتجد جملة مكتوبة على اللوح في غرفته تقول: ليس ميتًا!

يصيبها الاضطراب الشديد فتمسحها وتعيد كل شيء إلى مكانه لكنها تجد الجملة مكتوبة في المكان ذاته ثلاث مرات، تسيطر الظواهر الغريبة على غرفة داني، مرة يعمل الراديو وحده، ومرة تتجمد الغرفة ويكسوها الجليد، تدور نماذج الطائرات المعلقة على السقف وحدها، تفتح الخزانة وتغلق مرارًا بقوة وعنف وتطير الملابس منها، ومرة تتحرك الأشياء وتطير وتتحطم، فمن الذي يفعل ذلك؟ ولماذا؟

في تلك الاثناء تتعرف تينا إلى إليوت سترايكر وهو محام ثري وصاحب شخصية جذابة وتبدأ معه علاقة غرامية، ويجري كل ذلك في الفصول الأولى، ثم تتوالى الظواهر الغريبة في غرفة داني فتتسبب بالرعب للسيدة التي تنظف المنزل، ثم تبدأ الظواهر بالتوسع وتظهر لتينا عدة مرات على شكل جمل مطبوعة من شاشة كمبيوتر أو كلمات تتكرر من الأغاني، وتتكرر رؤيتها لذلك المخلوق المخيف ذي رأس الجمجمة المتحللة التي تخرج منها الديدان، وفي كل مرة يحدث ذلك تنخفض درجة حرارة الغرفة حتى تقترب من درجة التجمد، يشعر الجميع بذلك وليس تينا وحدها.

تقرر تينا أن تخبر حبيبها إليوت بما يحدث معها، فيتفقا على أن تطلب فتح تابوت داني لكي تتأكد أن ابنها قد توفي فعلًا، تتساءل تينا: هل مات داني فعلًا أم هو على قيد الحياة؟ وإذا كان لا يزال حيًّا فأين هو وما الذي تعرض له؟ وهنا تتغير الأحداث ومسار الرواية تمامًا.

في اليوم التالي، يفاجأ إليوت سترايكر بظهور رجلين غريبين في بيته، يحملان الأسلحة والحقن المميتة، وبحوزتهما أوراقًا فيها أسئلة غريبة تتعلق بتابوت داني ومشروع اسمه مشروع باندورا، يرفض إليوت التعاون وتبدأ المواجهة القاتلة بينه وبين الرجلين.

ظواهر فوق الطبيعة ومطاردات وقتل واستخبارات

تبدو الرواية في فصولها اللاحقة خليطًا من مغامرات جيمس بوند مع القليل من دان براون مع رشة من ستيفن كينج! تتحول الأحداث إلى بحث تينا وسترايكر عن الظواهر الغريبة وحقيقة ما حدث مع داني وهروبهما من رجال منظمة السرية ومواجهة المنظمة في أحيان أخرى، سيارات وطائرات وإطلاق نار وتفجيرات وتجسس وتنويم مغناطيسي وكل تلك الخلطة العجيبة.

رواية "عيون الظلام" خليط من مغامرات جيمس بوند مع القليل من دان براون مع رشة من ستيفن كينج!

الرواية فعليًا ممتعة جدًا، سريعة ومشوقة، الشخصيات جذابة ولطيفة ومفعمة بالحياة وتأتي في وصف فريد وواضح، تتميز بالحركة وتوالي الأحداث دون أي ملل أو إسهاب، التفاصيل كافية وتعطي صورة شاملة للموقف والحدث، مشحونة بالأدرينالين والحركة والترقب، تعطي ذلك الشعور بأن القارئ يشاهد فيلمًا مشوّقًا.

الفايروس القاتل والسلاح البيولوجي الأخطر

 تستمر الأحداث وتتضح الأسرار، لكن الأهم والمثير للريبة فعلًا هي وجود فايروس قاتل خطير. تقول الرواية إن هناك منشأة سرية في جبال سييرا نيفادا وإنها مختبر للأبحاث البيولوجية، وإن الأمريكيين قد اكتشفوا أن الصينيين توغلوا في الأبحاث عن الأسلحة البيولوجية، وإن لديهم مشروعًا قذرًا، يساعدهم في ذلك الروس مقابل المال، وإنه إذا كانت هناك حكومة قادرة على فعل ذلك وصناعة سلاح بيولوجي فهي الصين أو كوريا الشمالية أو العراق! وإنه لا يوجد نقص في الأنظمة المجنونة، وإن على الأمريكيين الحفاظ على دفاع قوي.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة آدم فتحي

تقول الرواية أيضًا إن هناك من ثلاثين إلى أربعين مشروعًا لتجارب تهجين الحمض النووي قيد التنفيذ في الولايات المتحدة الأمريكية، وإن الصين لديها مختبرات أيضًا، والروس يوصلون تطوير الأسلحة البكتيريولوجية، في سلالات أكثر ضراوة من الفايروسات، وإنها سلاح أرخص من أنظمة التسليح الأخرى، وإن للعراق مشروعًا بيولوجيًا كبيرًا، وليبيا أيضًا، ويعلم الله من غيرهم!

أما الفايروس الذي تسرب من المختبر فقد جاء عن طريق عالم صيني وصل إلى الولايات المتحدة ومعه قرص مضغوط يحمل سر تصنيع أخطر وأهم فايروس في الصين التي جرّبته على عدد كبير من المعتقلين السياسيين، وأنه عبارة عن فايروس سلاح بيولوجي جديد اسمه "ووهان-400"، وقد تم تطويره في مختبرات خارج مدينة ووهان الصينية بتكنولوجيا RDNA ، وهذا الفايروس سلاح مثالي وهو يصيب البشر فقط، ولا يمكنه البقاء خارج جسم الإنسان الحي لأكثر من دقيقة واحدة، مما يعني أنه لا يمكنه تلويث الكائنات الأخرى أو الأماكن بأكملها بشكل دائم، وعندما تنتهي صلاحية المضيف أو المصاب فأن الفايروس يهلك بداخله، وهذا الفايروس لا يمكن تشكيل مناعة دائمة ضده، والإصابة به تحدث مرارًا وتكرارًا. ومن صفاته أنه يصيب الإنسان فيصبح حاملًا له بعد أربع ساعات فقط، وهي فترة حضانة قصيرة بشكل لا يصدق، وأنه لا يمكن للمصاب أن يعيش أكثر من أربعة وعشرين ساعة، والأغلب يموتون بعد اثنتي عشرة ساعة فقط، وهو أسوأ من فايروس الإيبولا في أفريقيا، ومعدل وفيات "ووهان-400" هو مائة بالمائة. لم يتمكن العلماء من اكتشاف أي أجسام مضادة أو مضاد حيوي فعال ضده، وهو يهاجر إلى جذع الدماغ ويبدأ في إفراز السم الذي يأكل حرفيًّا أنسجة المخ مثل حمض البطارية الذي يذيب القماش القطني، كما يدمر جزء الدماغ الذي يتحكم في وظائف الجسم، فيتوقف جسم الضحية عن النبض والتنفس وتتوقف جميع الوظائف الحيوية.

هل هو تنبؤ؟ أم معلومات سرية؟ أم صدفة؟

بالنظر إلى أوجه التشابه بين الفايروس في الرواية وفايروس "كوفيد-19"، المنتشر حاليًا حول العالم، هناك مسألة المصدر وهو الصين، والاسم "ووهان-400" وهو الأمر الأكثر إثارة للجدل، في الحقيقة أنشأت مراكز البحث العلمي الكبرى ومختبرات للعلوم البيولوجية في ووهان منذ الخمسينيات من القرن العشرين، غير أنها مدينة هائلة وقديمة وبها الكثير من الأسواق الموبوءة بالحيوانات البرية المحرم بيعها وتناولها، غير المنشآت العسكرية، ثم إن اسم الفايروس في النسخة الأصلية الأولى في عام 1981 هو "غوركي-400" وهي أيضًا مدينة روسية شهيرة وكبيرة، اسمها على اسم الكاتب الكبير مكسيم غوركي، ثم تم تغيير الاسم بعد ذلك إلى "ووهان-400" عام 1989 لكي يُنسب الفايروس إلى الصين وليس إلى روسيا.

من أوجه التشابه بين الفايروس في رواية "عيون الظلام" وفايروس "كوفيد-19" المنتشر حاليًا حول العالم، هناك مسألة المصدر وهو الصين

من أوجه التشابه بين الرواية و"كوفيد – 19" أيضًا مسألة أنه لا يوجد لقاح أو دواء محدد، وربما سيتغير هذا بالنسبة إلى فايروس "كوفيد – 19" في المستقبل، وسيقوم العلماء بالتوصل إلى لقاح أو دواء فعال وناجع له بإذن الله. لكن السؤال يبقى قائم وسيكون لكل قارئ وجهة نظره الخاصة!

هل تنبأ الكاتب بفايروس كورونا كوفيد-19؟

فايروس "ووهان-400" في الرواية يصيب الدماغ ويطلق السم في الدماغ فتتوقف الوظائف الحيوية، بينما "كوفيد-19" يصيب الجهاز التنفسي والرئتين، فايروس "ووهان-400" نسبة الوفاة فيه مائة بالمائة بينما في كوفيد- 19 نسبة الوفاة قليلة، فايروس "ووهان-400" فترة حضانة قصيرة جدًا وهي أربع ساعات ويسبب العدوى خلالها، أما "كوفيد-19" فله فترة حضانة طويلة تصل إلى أسبوعين ويسبب العدوى خلالها، في الحقيقة هناك تشابه بين "ووهان-400" الذي جاء في الرواية مع فايروس إيبولا أيضًا من حيث سرعة الإصابة والتسبب بالنزيف الداخلي واحتمالية الوفاة، كلها في الحقيقة فايروسات مميتة، ويظل السؤال هل هي فايروسات طبيعيّة أم أنها مصنعة؟

اقرأ/ي أيضًا: الكتابة الشجرية والكتابة العشبية

الرواية في الحقيقة هي مغامرة ومطاردة تقوم بها تينا وإليوت حتى يصلا إلى المنشأة السرية، فتتكشف هناك الأحداث الحقيقية وما الذي حصل لداني الصغير، فهل هو على قيد الحياة أم ميت في غرفة تحت الأرض؟ ما هو الفايروس؟ ومن صنعه ومن أين جاء؟ ما علاقة داني بكل ذلك؟ وكيف قادتهم العلامات لتلك المنشأة السرية؟ وهل ستجد الطفل فيها؟

عليك أن تستمع للرواية بنفسك لكي تعرف.

يمكن للخيال أن يصل إلى ما هو أبعد من الواقع، والكتاب والمؤلفون قد خاضوا عددًا لا يحصى من العوالم والأكوان عند كتابة رواياتهم، من عوالم الخيال والجن والعفاريت حتى الأقزام والحروب والأراضي الغريبة والمخلوقات العجيبة، وقد تكتب قصة عن انتشار فايروس وأسلحة بيولوجية في فترة كانت الحرب الباردة فيها على أشدها، ومن المعروف أن الدول الكبرى تعرف خطورة الأسلحة البيولوجية وقدرتها على إفناء البشر، وفعلًا هناك الكثير من مختبرات الدراسات البيولوجية والفايروسية حول العالم، هل كان دين كونتز يتنبأ بفايروس ما؟ أم أنه كان على علم بوجود تجارب سرية حقيقية؟

هل أنصحكم بقراءة الرواية؟

نعم بكل تأكيد، فهي في النهاية رواية ممتعة ومشوقة ومكتوبة بعناية، أشبه بفيلم من أفلام الحركة والمطاردات، يمكن قراءتها أو سماعها صوتيًا خلال وقت قصير، والاستمتاع بحبكتها وشخصياتها المميزة.

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "مقبرة الفراشات" لسامي المقدم.. أعطه قناعًا وسيصدح بالحقيقة

عبد الفتاح كيليطو في "الأدب والغرابة".. سندباد أدبي