15-فبراير-2021

الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي (1944 – 2021)

ألترا صوت - فريق التحرير

توفي مساء يوم أمس، الأحد 14 شباط/ فبراير الجاري، الشاعر والروائي الفلسطيني مريد البرغوثي (1944 – 2021)، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا مميزًا، وزعه على الشعر والسرد، حيث أصدر، وعلى امتداد نحو 50 عامًا، 12 مجموعة شعرية، بالإضافة إلى عملين سرديين، هما: "رأيت رام الله"، و"ولدت هناك، ولدت هنا".

اتجه مريد البرغوثي نحو كتابة الشعر بعد نكسة 1967، وتحت تأثير تداعياتها عليه أيضًا باعتبارها حادثة خلخلت عالمه وقسمت عائلته وبلاده

ولد البرغوثي في قرية دير غسّانة قرب مدينة رام الله بالضفة الغربية عام 1944، وتلقى تعليمه في مدرسة المدينة الثانوية، حيث بدأت تنمو اهتماماته المبكرة بالأدب عمومًا، والقصة القصيرة خصوصًا. وفي عام 1963، انتقل إلى العاصمة المصرية القاهرة لمتابعة دراسته، وتخرج بعد أربع سنوات من قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعتها. ولكنه، وبدلًا من العودة إلى بلاده حينها، وجد نفسه منفيًا بعد احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية خلال حرب 1967، ومنعه أبنائها الذين تواجدوا خارجها آنذاك من العودة إليها.

اقرأ/ي أيضًا: مريد البرغوثي: القريةُ سكتت في العام الأول

اتجه الراحل نحو كتابة الشعر بعد النكسة، بل وتحت تأثير تداعياتها عليه أيضًا، باعتبارها، وبحسب تعبيره، حادثة: "خلخلت عالمي الشخصي، وقسمت عائلتي وبلادي أنصافًا لا تتلاقى ولا تلتئم". ويعيد الشاعر الفلسطيني سبب اختياره للشعر دون غيره من الأجناس الأدبية، رغم اهتماماته المبكرة بالقصة القصيرة، إلى كونه الوسيلة الوحيدة التي بدت آنذاك متاحة للتعبير عن الذات بالنسبة إليه، في ضوء تحولاتٍ هائلة ومخيفة، تتطلب شكلًا جديدًا للتعبير عنها والتفاعل معها.

تعامل مريد البرغوثي مع الشعر حينها، وفقًا لما ذكره في أحد حواراته، باعتباره مسألة تخص كاتبه في طريقة استقبال العالم وإعادة إرساله. وأنجز خلال الفترة الممتدة بين عامي 1967 و1971، مخطوط مجموعته الشعرية الأولى التي حملت عنوان "الطوفان وإعادة التكوين"، وصدرت عن "دار العودة" في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1972.

وإلى جانب هواجسه ومشاعره، حملت قصائد المجموعة في جوهرها نزعة نقدية، تشير إلى شكٍ متأصل داخله تجاه ما يبدو يقينًا راسخًا، وهي نزعة يقول إنها رافقته منذ الصبا، وحضرت في جميع أعماله الشعرية، إذ إن الشعر بالنسبة إليه لا يلتقي مع الأشياء والمواضيع والمفاهيم الراسخة والمكرسة، وإنما يقف على النقيض منها تمامًا.

يقول في إحدى قصائد المجموعة: "أعناق خيلك تستدير إلى وراء/ نفرت من المرئي/ ويبلل العرق المضاء/ أعرافها الغبراء والغمد المدلى دون سيف/ لا تروِ عن أسفارك المتوحشة/ مترقبوك مضوا وهيمن في المكان/ ظل الغيوم كمضربٍ لخيام قوم هاجروا غربًا وما حملوا الخيام/ العطش مُلقىً في طريقنا/ كجثث النياق المنتفخة/ مررنا عن قبور كثيرة/ وكانت الشواهد/ تمجّد كل المقبورين/ وكان الأفق مرآة مصدّعة، وبعض الشمس مخيفًا/ وفي وجه الخيول/ بعض البكاء".

أصدر الشاعر الراحل بعد "الطوفان وإعادة التكوين" بنحو عامين، مجموعته الشعرية الثانية "فلسطيني في الشمس" (1974)، وتتالت بعدها إصدارته، ومنها: "نشيد للفقر المسلح" (1976)، و"الأرض تنشر أسرارها" (1978)، و"قصائد الرصيف" (1980)، و"طال الشتات" (1987)، بالإضافة إلى "رنة الإبرة" (1993)، و"منطق الكائنات" (1996)، "والناس في ليلهم" (1999)، و"زهر الرمان" (2000)، و"استيقظ كي تحلم" (2018).

واعتبر البرغوثي، في أكثر من مناسبة، أن "قصائد الرصيف" هي مجموعته الشعرية الأولى، باعتبارها المتن الذي بنى فيه أسلوبه الخاص، بعد محاولاتٍ مختلفة توزعت على المجموعات التي سبقتها، منذ "الطوفان وإعادة التكوين" وحتى "الأرض تنشر أسرارها". ويرى أيضًا أن التجربة التي تعكسها المجموعة تخصه تمامًا، إذ اقترح فيها كتابة لم تكن مألوفة من قبل، وقدّم ضمنها قصائد تخاطب حاسة البصر، دون التخلي عن الدقة والاقتصاد في اللغة، وهي دقة يصفها بأنها أقرب إلى دقة الجراحين.

ويضاف إلى الأسباب التي منحت "قصائد الرصيف" هذه الأهمية والمكانة المميزة عنده، أنه وثّق فيها، بشكلٍ أو بآخر، تجربته المريرة مع نظام أنور السادات عام 1977، عندما تعرض بسبب مواقفه الرافضة لتطبيع مصر لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني، إلى تضييقاتٍ مختلفة، انتهت بترحيله من مصر بعد سجنه، ليتجول حينها ولمدة 17 عامًا في منافي مختلفة حول العالم، متنقلًا بين الكويت وعمّان وبيروت وبودابست وغيرها.

تصف الكاتبة والناقدة المصرية الراحلة رضوى عاشور، زوجة البرغوثي، تجربته الشعرية بقولها: "يُقدّم مريد مفهوم الشعر/ النبوءة كمفهوم ضمني لوظيفة القصيدة ذاتها. فالقصيدة أساسًا رؤية تعمل على إعادة خلق الصورة المركبة للحظة الراهنة بتفاصيلها وتداخلاتها لكي ترفضها وتستشرف دمارها وتنبئ بتكوينها الجديد. ولعل عنوان مجموعة مريد الأولى دال في هذا الاتجاه: الطوفان وإعادة التكوين".

اختبر الشاعر الراحل منافي متعددة، بدأت بمنعه من العودة إلى رام الله لأكثر من 30 عامًا، وإبعاده عن مصر نحو 17 سنة

وإلى جانب الشعر، قدّم مريد البرغوثي عملًا سرديًا تحت عنوان "رأيت رام الله" (1997)، وثّق فيه تفاصيل عودته إلى بلاده بعد 30 عامًا قضاها مترحلًا بين المنافي، وأتبعه بعد أكثر من عشر سنواتٍ بعملٍ آخر عنونه بـ "ولدت هناك، ولدت هنا" (2009)، واعتُبر بمثابة الجزء الثاني لعمله الأول.

اقرأ/ي أيضًا: رفعت سلّام.. حدود الشعر القصوى

يقول المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في تقديمه لكتاب "رأيت رام الله": "هذا النص المحكم، المشحون بغنائية مكثفة، الذي يروي قصة العودة بعد سنوات النفي الطويلة إلى رام الله في الضفة الغربية (...) هو واحد من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني التي نمتلكها الآن".

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل جورج زيناتي.. تلميذ ريكور وقارئ أثر ابن باجة

رحيل الفنان كمال بُلاطة.. ذاكرة القدس الملوّنة