21-يوليو-2019

من السلسلة (IMDB)

شكّلت الثقوب السوداء على الدوام لغزًا محيرًا للفيزيائيين والفلكيين والمهتمين بدراسة الكون. وقد أثارت هذه الثقوب فضول الباحثين فعكفوا على دراستها والعمل على تحديد ماهيتها، فأنشئت مراكز الأبحاث لهذه الغاية، حيث كانت هناك قناعة بأن أي فهم إضافي لكينونة هذه الثقوب سيساهم أكثر في فهم الكون لناحية نشأته وتركيبته.

الثقب الأسود هو عبارة عن بؤرة مظلمة لديها قدرة جذب هائلة، كما بإمكانها امتصاص الضوء

سلسلة "Nova" الأمريكية المتخصصة بالوثائقيات العلمية، والتي تعرض على نيتفليكس، خصصت إحدى حلقاتها للحديث عن الثقوب السوداء Black Holes Apocalypse، وآخر ما توصل إليه العلم في هذا المجال، ويمتد الوثاقي لأكثر من 100 دقيقة، ويتضمن الكثير من التعريفات والمصطلحات العلمية الاساسية، ويتنقل بين الماضي والحاضر كأننا في آلة للزمن نشاهد من خلالها كل ما توصلت له الفيزياء في مجال الثقوب السوداء، ويستخدم الوثائقي تقنيات عالية لمحاكاة حركة الأفلاك والنجوم، مما يجعلها سهلة وواضحة للمشاهد غير المتخصص في هذه العلوم.

اقرأ/ي أيضًا: 7 حقائق مذهلة عن ستيفن هوكينغ

الثقب الأسود هو عبارة عن بؤرة مظلمة لديها قدرة جذب هائلة، كما بإمكانها امتصاص الضوء، وتنشأ هذه الثقوب نتيجة الانفجارات الهائلة التي تحدثها النجوم بعدما تتلاشى الطاقة من داخلها. يؤدي هذا الانفجار إلى سقوط مواد في نقاط غير متناهية، أطلق عليها العلماء الثقب الأسود، ويفوق حجمها حجم الشمس بمرات كثيرة. كأننا رمينا كرة على قطعة قماش كبيرة معلقة في الهواء، فتأخذ الفكرة بالسقوط نحو الأسفل مشكلة ما يشبه قمعًا، أو دوامة. الثقب الأسود إذًا هو ثقب في نسيج الكون.

وكان عالم الفلك البريطاني هايزل هو أول من تكلم عن احتمالية وجوب الثقوب في رسالة نشرها في العام 1784، والملاحظ أن كبار علماء الفيزياء الذين برزوا في النصف الأول من القرن الماضي، وفي مقدمتهم ألبرت أينشتاين، لم يتحمسوا لفكرة هذه الثقوب، ورجحوا عدم وجودها. والمفارقة أن التثبت من وجودها لاحقًا، أعطى الكثير من القيمة المضافة لنظريات أينشتاين في ما يخص النسبية، كما أن فكرة اينشتاين حول أن الجسم ذا الكتلة يسبب التواء الفضاء من حوله كان مدخلًا أساسيًا للبحث عن الثقوب السوداء.

ابتداءًا من 1961، بدأ عالم الفيزياء جوم ويلير، من جامعة برينستون، تغيير وجهة نظره بالنسبة للثقوب بعدما كان مشككًا بها، وأطلق على الواحد منها اسم "الثقب الأسود"، نسبة لسجن في كالكوتا في الهند يسمى بالثقب الأسود، في إشارة  إلى استحالة الخروج منه.

في العام 1970 لاحظ عالم الفلك البريطاني الشاب بول موردين، خلال مراقبته لحركة النجوم في المرصد الملكي البريطاني، أن النجوم تتحرك بشكل ثنائي، الأول يشع بالنور، والثاني يعطي الأشعة السينية، ولما لاحظ لفترة طويلة أن أحد النجوم يتحرك منفردًا، وبالتالي فإن "شريكه" موجود بحكم حتمية ثنائية حركة النجوم لكنه غير مرئي، وضع فرضية بأن النجم الآخر هو ثقب أسود، حيث كانت كتلته تساوي 15 مرات كتلة الشمس، ومع ذلك لا يمكننا رؤيته، ولكن لم يستطع موردين إثبات فرضيته. وقد سمي النجم الخفي وقتها "كينغس اكس 1".

في 1974 تراهن عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ، مع المنظر الأمريكي كيب ثورن بأن "كينغس اكس 1" ليس ثقبًا أسودًا، وفي العام 1990 اعترف هوبكنغ بأنه خسر الرهان، وبأن كينغ اكس 1 هو بالفعل ثقب أسود! الدليل كان بالكتلة الهائلة التي يمتلكها هذا النجم، ولكن قد يسأل البعض كيف يمكنن احتساب كتلة نجم سماوي بعيد جدًا عن الأرض؟ الإجابة هي باستخدام قوانين طورها عالم الفلك الألماني الشهير يوهانس كيبلر في القرن السادس عشر، من خلال ربط كتلة النجم بالمسافة التي يبعدها عن الأرض. أما تحديد بعد مسافة النجم عن الأرض فتتم من خلال طريقة بارالكس الشهيرة، عبر مشاهدة النجم من أمكنة مختلفة من الأرض، ومن ثم استخدام قوانين الرياضيات لاحتساب المسافة.

هل تندمج في أحد الأيام كل الثقوب السوداء في ثقب واحد مهول يبتلع كل مظاهر الحياة والحركة في الكون؟

في أيلول/سيبتمبر 2015، رصدت محطة ليغو في واشنطن، رسالة صوتية بعد أكثر من خمسين سنة من الانتظار، ترجح المعلومات أنها تعود لاصطدام ثقبين ببعضهما البعض قبل مليارات السنوات، وقد أحدث الانفجار دويًا هائلًا، وقد سافر هذا الدوي عبر الزمن وفقد دويه حتى وصل في العام 2015 إلى مرصد ليغو على شكل تغريدة خفيفة. كان هذا أول دليل حسي على وجود الثقوب السوداء. وفي آب/أغسطس 2017 رصد ليغو أيضًا صوت اصطدام نجمين نيترونيين ببعضهما البعض، وهي نجوم كثيفة ميتة، وتضيء السماء لدى اصطدامها كانها مفرقعات نارية. ويعتقد العلماء أن هذا الانفجار سيولد ثقبًا أسود جديدًا.

اقرأ/ي أيضًا: 3 كتب علمية للجميع

نجح العلم الحديث في كشف الكثير من الأسرار حول الثقوب السوداء، ولكنهم كلما كانوا يتوغلون أكثر في هذا العالم، اكتشفوا أن الأشياء التي لا يعرفونها كانت تزداد. عندما يصطدم ثقبان أسودان أحدهما بالآخر، فإنهما يندمجان ويتحولان إلى ثقب أكبر وأثقل ولديه قوة جاذبية أكبر،  فهل تندمج في أحد الأيام كل الثقوب السوداء في ثقب واحد مهول يبتلع كل مظاهر الحياة والحركة في الكون؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

10 أفلام وثائقية عن كرة القدم يجب عليك مشاهدتها

"لغز الرحلة 990".. تفنيد الرواية الرسمية حول سقوط الطائرة المصرية في 1999