25-أكتوبر-2016

رامي العاشق

يقدم الشاعر رامي العاشق في كتابه "مُذ لم أمتْ" (بيت المواطن للنشر والتوزيع، بيروت 2016) سبعة عشر نصًا، تراوحت موضوعاتها بين القضية السورية، واللجوء، والحرب، ومخيم اليرموك، والزنزانة، والمنفى. في مقدمة الكتاب، يصف العاشق نصوصه النثرية التي كتبت في السنتين الأخيرتين في ألمانيا، ونشرت في مواقع سورية وعربية: "جمعتُ هذه النصوص كمن يجمع أشلاءه، ها هي ذي أشلائي مجمّعةٌ في كيس ورقيّ، غير مرتّبة، عشوائيّتها هذه، حقيقيّةٌ بخرابها، دمويّة تارةً، عنيفةٌ، صادقةٌ، خياليّةٌ، ذاتيّة، تشبهني بكلّ جنوني وأمراضي وما أنضجتْه الثورةُ فيّ وما كسرتْهُ الحرب وما أكلتْه الغربةُ منّي".

في كتابه "مُذ لم أمتْ" يتناول رامي العاشق القضية السورية، والحرب، ومخيم اليرموك، والمنفى

اقرأ/ي أيضًا: هاربٌ من الجنّة

جدير بالذكر أن رامي العاشق شاعر فلسطيني سوري من مخيم اليرموك، يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة "أبواب"، أول صحيفة عربية في ألمانيا، صدرت له مجموعتان شعريتان، بالفصحى والعامية: "سيرًا على الأحلام"، و"لابس تياب السفر".


مقاطع من الكتاب:

قبل القيامةِ بدقائق، عبَرَ الأحياء الموتى صراطَهم الأعوجَ نحوَ موتٍ أقلّ، العسكرُ يبطحونهم ويسوقونهم ويسرقونهم ويسألون كلّ واحدٍ منهم: "من ربّك؟ ما دينك؟ ما كتابُك؟" ثمّ يُضربُ بأخمصِ البندقيّة فيصيح صيحةً يسمعها كلّ الكونِ إلّا ثلاثة: اللهَ، والمجتمعَ الدوليَ، وشركاءَه في الوطن.

ثمّ يموجُ المكلومونَ موجًا، ثمَّ يسّاقطون، ثم يقومون فيُبعثونَ ليلقَوا في جحيمِ الخيمةِ سبعينَ حولًا، ولا حولَ لهم ولا حولهم إلّا التصحّر والعراء، ثمّ يُنادى في الأرجاءِ عن سُوقٍ لأنصافِ الموتى، الذين كانوا أنصافَ آلهةٍ، صُلبَ نصفهم وظلّ نصفهمْ رايةَ عطشٍ، ومتحفَ جوعٍ، ومشاعَ قبح، وتُعرَضُ على الجميلاتِ الجنّةُ ابتغاءَ وجهِ الموت، ويُبَعنَ بضاعةً كاسدةً خائفةً، ربحَ البيعُ وما ربح إلّا من باع!
*

يقول أحدهم: "أنا اللاجئ الذي وُلد هنا، وابن اللاجئ الذي وُلد هنا ولم نعرف غير (هنا) مكانًا لنا، وأنا الذي لم تنفع سنوات عمر أبي الخمسون التي قضاها (هنا) في تغيير اسمه، ولم تنفع جنسيّة أمّي لكيّ أغيّر اسمي. لذلك أكره الأطفال -أطفالي لا أطفال الآخرين- لأنني باختصار لا أريد لهم أن يكونوا لاجئين". هو لا يريدهم أن يكونوا مثله مختلفين، فكلّ مختلف هو مثل ما لا يختلفُ عنه وكل (مثل) مختلفٌ عن الآخرِ. والمثليّون متماثلون في ما بينهم، مختلفون عمّا سواهم، حتّى في الثورة ينتصر الآخر عندما يحوّل من همّ مثل بعضهم لآخرين على بعضهم. 
*

أعرفُ نفسي، لا لغة لي إلّا ما أكتب، النطقُ ترفٌ لا أريده، كنتُ أقول ما أريد للجدارِ الذي قلّمَ أظافري، وكنتُ أصرخُ في البردِ فأتدفّأ بغضبي، وأغنّي للخيالِ فأنتشي، أعدائي الآن ما ألفتُ سابقًا، إياكِ أن تذكري الزيتون والبطاطا المسلوقة أمامي، سأعودُ وحشًا. الأنثى سجني، ومهما كانَ السجنُ جميلًا سيظلّ سجنًا، السجونُ الأوروبيّة المزوّدة بتلفازٍ وإنترنت و(بيدِيه) ستظلّ سجونًا لمسجونينَ مرفّهين ولن تغيّر من طبيعتها السجون، وأنا؛ هربتُ من السجنِ مرّة، وتفارقنا بسلامٍ في أخرى، ولفظَني مرتاحًا منّي مرّات، وسأظلّ هكذا إلى أن أجد ما أريد.. الأنثى الحريّة.
*

تحمل "روجيندا" بندقيّتها، وتهجمُ حارثةً الموت، تطلق بسرعة عندما تشهق بكاءها، وتبكي وتطلق، تطلق وتبكي، وتصرخ باسمه الحي اشتياقًا، كانت تحاولُ أن تحرق الأرض لا لشيء بل لتحارب الظلام ورجاله، وتحقّقَ أسطورة "الشمس واهبة الحياة"، تهجم وهالة من نورٍ ونار تحيط بها، نور الشمس ونار النيزك لن يبتلع الظلام أحدهما هذه المرة، "روجيندا" تحسن مرافعتها أمامَ الموت، وتقشر الليل على جسدها، وتراقص الحياة بخطواتها، و"بروسك" يراقب أسطورته تشهق وتبكي وتقاتل، ورائحة القرفة تملأ قبره من أثر الضفيرتين، وأنا لا أعرف عن هذه الإيزيدية سوى صورة ضفيرتيها على حجر في "شنكال"، ستصحح اسمها واسمه يومًا، ويعود النص إلى خياله المقاتل.

اقرأ/ي أيضًا:

إعادة ترميم أقدم مكتبة في العالم

لماذا تعرضت هذه الجولة من التحول الديمقراطي للفشل؟