19-أكتوبر-2016

جانب من مكتبة القرويين

هنا ترجمة لمقال نشر في "CCN" لـ ديزي كارنغتون.


ظلت مكتبة "القرويين" مصدر سحر وجاذبية لقاطني مدينة "فاس" المغربية، الذين مروا بأبوابها لردحٍ طويلٍ من الزمان. تأسست المكتبة عام 859، ويُعتقد أنها أقدم مكتبة في العالم، ولكن تم إغلاق أبواب المكتبة أمام العامة، ولم يُفتح سوى لعدد قليل من طلبة وأساتذة الجامعات.

ظلت مكتبة "القرويين" مصدر سحر وجاذبية لقاطني مدينة "فاس" المغربية

"لقد عرفنا الكثير من الأماكن التي لم نجرؤ على دخولها، ولكن ذلك المكان كان كبيرًا وغامضًا"، كانت هذه كلمات المهندسة المعمارية "عزيزة شاوني"؛ إحدى أبناء مدينة فاس، والمهندسة المكلَفة بترميم مكتبة القرويين، والتي أردفت قائلةً: "ليس لديَّ أدنى فكرة عما يكمن خلف هذا الباب العملاق".

طلبت إحدى نساء وزارة الثقافة المغربية عام 2012 من شاوني عمل تقييم لمكتبة القرويين، ولم تُخفِ شاوني القادمة من مدينة "تورنتو" الكندية دهشتها عندما خطت أولى خطواتها داخل المكتبة ووجدتها تتعفن. وعلقت شاوني على ذلك قائلةً: "لقد كانت المكتبة فاتنة، ولكن في حالة يُرثى لها"، ثم أكملت: "عندما تجتمع الكتب والمياه، إنها الكارثة"، فقد وجدت شاوني بعد الكشف الذي أجرته على المكتبة أن مياه الأمطار ظلت تنهمر على سطح المسجد المجاور للمكتبة، حتى وجدت طريقها داخل أروقة المكتبة وأنشأت مجرى مائيًا تحت أرضيتها، ولم يكن أمام شاوني من سبيل لإنقاذ المكتبة من هذا الضرر المُحقق، سوى حفر مجرى مائي لتصريف مياه الأمطار حتى تصل إلى الصرف الصحي.

على الرغم من التغيرات التي أصابت هيكل مكتبة القرويين، والتي اعترفت بها شاوني، كان بانتظارها مهمة كُبرى للإنجاز؛ فقد أصاب الشحوب جدران المكتبة، وكان على شاوني إعادتها سيرتها الأولى في القرن التاسع الميلادي، مواكبةً مواصفات حداثة القرن الحادي والعشرين في الوقت عينه.

كانت شاوني تملك تصورًا خاصًا بها بالنسبة لحجر أساس المكتبة؛ وهو أن تعيد بناءها على الطراز الحديث، وأن تفتح المكتبة أبوابها أمام العامة، وليس الباحثين فقط. أنشأت شاوني مختبر لمعالجة المخطوطات القديمة، وإضافة ماسحات ضوئية رقمية للحفاظ عليها.

يعود تاريخ بعض هذه المخطوطات إلى القرن التاسع الميلادي، ومن بينها مخطوطات مصنوعة من جلود الجمال كُتب عليها القرآن الكريم بالخط الكوفي، كما جلبت شاوني ماكينات لرتق ثقوب بعض اللفائف الورقية القديمة، ومعالجة الشقوق التي تعاني منها بعض المخطوطات.

يعود تاريخ بعض مخطوطات مكتبة القرويين إلى القرن التاسع الميلادي

اقرأ/ي أيضًا: صورة للعراق بعد قرن من الاحتلال الأمريكي

"آمُل أن نتمكن من رقمنة المخطوطات القديمة، ورفعها على شبكة الإنترنت، لنشر المعرفة خارج فاس وخارج المغرب بأكملها"، هكذا عبرت شاوني قائلةً، فعلى الرغم من عدم فتح المكتبة لأبوابها أمام الزوار، إلا أنه من المتوقع حدوث ذلك عام 2017. 

الغرف السرية 

شكَل البناء الداخلي لمكتبة القرويين جاذبية خاصة لشاوني؛ وذلك حسب القصص العائلية التي طالما استمعت إليها عن جدها الذي أتى من قريته إلى مدينة فاس على بغلٍ؛ للدراسة في إحدى جامعات المدينة الشهيرة، وأمضى الساعات الطِوال في الدراسة داخل حجرة القراءة الخاصة بالمكتبة. وجدت شاوني العديد من الأركان والزوايا السرية خلف جدران وأبواب المكتبة، وذلك ما لم تتوقع حدوثه على الإطلاق، وعلقت قائلةً: "لقد كنا نكتشف العديد من الأشياء السرية طوال فترة اقتلاع وترميم الجدران"، وكان من ضمن الأشياء المُكتشفة أثناء أعمال الترميم، والتي أخذت مركز الصدارة لأهميتها، غرفة ذات قبة ذات نسيج خشبي مُعقد تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي.

"كان ذلك نوع راقٍ وغير اعتيادي من الأسقف المُخبئة"، ثم أردفت قائلةً: "يعد ذلك أحد عناصر المفاجأة التي تتميز بها مدينة فاس، فمن الممكن إيجاد مدخل متوارٍ في أحد الأزقة الصغيرة يقودك إلى فناء رائع التصميم".

عمل المرأة 

تعد شاوني آخر امرأة أعادت تشكيل تاريخ مكتبة القرويين؛ التي أسستها "فاطمة الفهري" إحدى بنات أحد التجار التونسيين ذوي الثروة والجاه، والتي لم تكتفِ بإنشاء مكتبة القرويين فحسب، بل يعود إليها الفضل في تأسيس مسجد وجامعة القرويين كذلك.

عزيزة شاوني: يجب أن يحيا تراثنا، فنحن بحاجة إلى الحفاظ على هذه الأمة

اقرأ/ي أيضًا: مادغيس ؤمادي.. مشاغل اللغة الأمازيغية

آمنت شاوني أن دورها في إعادة ترميم مكتبة القرويين لم يكن ليحدث، إلا بسبب تواصل إحدى نساء وزارة الثقافة معها، كونها امرأة وليست رجلًا، وعبرت شاوني عن ذلك قائلةً: "لقد حالفني الحظ أن تسمع عني إحدى نساء وزارة الثقافة، فلو كان رجلًا، كان من المحتمل أن يُعين رجلًا آخر، أحد أصدقائه على الأرجح". وقد أشارت إلى أنه على الرغم من مواجهة جنسها العديد من التحديات، إلا أنها لم تكن النموذج الفريد الوحيد في المغرب. 

"كامرأة عاشت في "تورنتو"، كان عليّ العمل بمجهود مضاعف في المجال التقني، حتى أُثبت نفسي ويذيع صيتي، فالتمييز بين الرجل والمرأة ما زال قائمًا بالمغرب، ولكن اختلف الوضع كثيرًا عن الماضي عندما كنت طفلة، وفي الوقت الذي عاشت فيه أمي".

في النهاية، كانت إعادة شاوني لترميم مكتبة القرويين، وإعادتها لمجدها السابق، وفتحها لأبوابها أمام العامة للمرة الأولى أمر يستحق مواجهة المشاق التي واجهتها، وقالت شاوني: "ربما كان ذلك العمل الأكثر فخرًا الذي قمت به على الإطلاق". وتقول: "يجب أن يحيا تراثنا، فنحن بحاجة إلى الحفاظ على هذه الأمة".

اقرأ/ي أيضًا:

 "ضفة ثالثة".. منصة ثقافية في زمن الاستقطابات

أنطوني هوروفيتز: شرلوك هولمز مات