14-أبريل-2017

تصميم لـ DAALI/ سوريا (فيسبوك)

من البديهي أنه عندما تقوم أي ثورة، أو حركة احتجاجية، أن يرافقها تغيير جذري في المؤسسات المنبثقة عنها، لأنها تكون قد تأسست لتنسف جميع المفاهيم التي ثارت عليها، ولا تشمل هذه المؤسساتُ المنصاتِ السياسة فقط، إنما تشمل باقي المجالات الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية.. إلخ، فهي حين انخرطت في الاحتجاج كانت تشعر بالاضطهاد نتيجة الممارسات البيروقراطية التي عانت منها.

ألا يوجد بين أعضاء الرابطة السورية البالغ عددها الـ374 عضوًا منافسٌ للشاعر نوري الجراح في الانتخابات؟

تعتبر المنظمات الثقافية من أبرز هذه المؤسسات التي يجب أن ينالها التغيير، لأنها تحمل في داخلها الإرث الذي كان دافعًا للرفض، من أجل تقديم استراتيجية ثقافية مختلفة تعكس طبيعة الحركة الاحتجاجية، وتتلاءم مع حجم التغيير المنشود.

اقرأ/ي أيضًا: هل أنتج الانفجار السوري ثقافًة بديلة؟

ما يدفعنا إلى هذا الحديث هو البيان المنشور في الموقع الرسمي لرابطة "الكتاب السوريين الأحرار"، تحت عنوان: "الزميل نوري الجراح المرشّح الوحيد لمنصب رئيس رابطة الكتاب السوريين"، ونقتبس مما جاء في مضمونه ".. وبذا تعلنه (الرابطة) مرشحًا وحيدًا لرئاسة رابطة الكتاب السوريين في انتخاباتها للعام 2017". ويرفق البيان معه وثيقتين مرتبطتين بوثيقة الترشح، علمًا أن الانتخابات ستتم عبر الاقتراع الإلكتروني لأعضاء الرابطة، وتنتهي يوم الأحد القادم، 16نيسان/إبريل الجاري، في تمام الساعة العاشرة مساءً.

لا بد لمن يتابع نشاطات الرابطة، المجهولة عند الغالبية العظمى، ويتوخى الدقة في قراءته أن يطرح على نفسه سؤالًا حساسًا، قد لا يروق للبعض لكنه يتلخص في الآتي: ألا يوجد في الرابطة البالغ عدد أعضائها 374 عضوًا منافسًا للشاعر نوري الجراح في الانتخابات؟

قبل الغوص في تفاصيل القضية، يجدر التنويه أن نوري الجرّاح بعث برسالة إلكترونية لأعضاء الرابطة يرفض فيها انتخابه عن طريق التزكية من حيث إنه المرشح الوحيد، مطالبًا بإجراء عملية الانتخاب، وهذه بادرة تجب الإشادة بها. 

وقال نوري الجراح صاحب "قارب إلى ليسبوس" في رسالته: "كان عدم وجود مرشحين آخرين بمثابة إشارة هامة لي عكست عزوف الزملاء الأعضاء عن التفاعل في هذا العمل التنافسي المشترك". سنعود لمناقشتها لاحقًا لأنه حدد سببًا جوهريًا في الدور الذي يتوجب على الرابطة ممارسته ثقافيًا.

أضاف نوري الجراح في رسالته: "آليتُ على نفسي أن لا أقبل بمبدأ الفوز بالتزكية المعمول به عادة في حال وجود مرشح وحيد في أي انتخابات. وآثرت أن أواصل حملة التفاعل معكم لنيل أصواتكم، وذلك من خلال طرح برنامج انتخابي يحمل رؤى تليق بكم وبالرابطة السورية التي تأسست في انتخابات ديمقراطية"، مضمنًا في نهايتها بنود برنامجه الانتخابي الذي يسعى لتطوير عمل الرابطة مستقبلًا.

عزوف أعضاء "رابطة الكتاب السوريين" عن الانتخابات يثير السؤال عن مدى إيمان الأعضاء أنفسهم بالرابطة

نحن أمام مشكلة تواجهها "رابطة الكتاب السوريين" التي قالت في بيانها التأسيسي – للتذكير – إنها ستعمل "على أن تستعيد الثقافة دورها التغييري والنقدي الريادي والمحرر، ويستعيد المثقفون استقلالهم وقدرتهم على المبادرة والتجديد الفكري والجمالي والأخلاقي"، وتضيف في نهايته أن "التركيز خلال المرحلة الراهنة للرابطة وأعضائها سيكون على النشاطات التي تدعم التحول الكبير الذي تشهده بلادنا العزيزة سوريا من الوضع الدكتاتوري إلى الوضع الديمقراطي المنشود"، لكنها في كلا الأمرين لم تنجح في تقديم المتوقع منذ تأسيسها.

اقرأ/ي أيضًا: طيب تيزيني.. ناقد الثقافة والاستبداد

إذن نحن أمام إشكالية وهي أنه من أصل 374 عضوًا عزف 373 عضوًا عن الترشح لانتخابات رئاسة الهيئة، ما يثير السؤال عن مدى إيمان الأعضاء أنفسهم بالدور الذي تلعبه الرابطة، التي من المفترض أن تكون السباقة للحديث عن أي منتج ثقافي جديد، وأن تلاحق أعمال السوريين الإبداعية، وأن تكون واجهة للثقافة السورية بوصفها حصن الهوية، والتعبير الحضاري عن الذات الجماعية. وفي نظرة على الموقع الإلكتروني الذي يجب أن يكون منصة الرابطة لمخاطبة القراء، والمعنيين بالمنتوج الثقافي السوري الحالي، ودرو الثقافة في مواجهة الاستبداد، لا نلمس أي تفاعل مع الجمهور، وعند مراجعة الموقع نكتشف أن المواد المنشورة ضمنه منذ عام 2012 لم تتجاوز 225 مادة. وعلى سبيل المثال إذا ذهبنا لتصفح بوابة "الرواية" نجد 15 منشورًا فقط، مع الإشارة أن البوابة عينها كانت متوقفة منذ الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2013 حتى الثاني من كانون الثاني/يناير 2017، مع العلم أن العديد من الروايات السورية قد صدرت خلال هذه الفترة. وإذا تغاضينا عن كون الموقع محصورًا بتداول أسماء معينة، وهذه مشكلة سورية يبدو أنه من الصعب الشفاء منها، فإن المشكلة الأكبر أن عدد البيانات الذي يقارب الـ68 بيانًا، يفوق عدد ما نشر في بوابتي "السرد" و"الشعر".

لا شك أن إصدار البيانات مهم على صعيد تحديد المواقف، لكن لم أسمع يومًا أنها أصبحت حقًلا ثقافيًا لديه كتّابه ومنصاته!

لم يكن غريبًا على أحد آلية انتخاب رؤساء المؤسسات الثقافية في سوريا قبل عام 2011، حتى أن الغالبية كان يتم تعيينهم بشكل مباشر من قبل أجهزة المخابرات بعد الموافقة على سلوكهم الأمني، وهذه حقيقة يعرفها الجميع. إلا أن المفارقة هي أن تفشل الرابطة في اختيار مرشح ثانٍ، رغم معرفة كافة الأعضاء بالشبهة التي يثيرها هذا النمط من التعيينات الذي ينتمي إلى عقلية الإدارة البعثية.

ثمة مؤسسات جاءت لتكون بديلًا عن مؤسسات النظام، لكنها تعيد إنتاج أساليبه بأشكال مختلفة

من اللافت أن مجلة "أوراق" التي تصدرها "الرابطة" غير معروفة لدى الجمهور المعني بحركة المجلات الثقافية التي أُسست بعد 2011. فخلال دردشة بسيطة على موقع "فيسبوك"، أربعة أصدقاء من أصل خمسة مهتمين بالمشهد الثقافي السوري لم يسمعوا باسم المجلة، وثلاثة منهم لم يسمعوا بالرابطة من أساسها! أليس هذا سؤالًا جديدًا يقودنا للسبب الذي يجعل من "أوراق" غير معروفة محليًا؟ أم صار اهتمامنا منصبًا على الجمهور الغربيّ، وتنظيم الفعاليات الثقافية التي باتت فلكلورية في عواصم الشتات؟ أليس مؤسفًا أن المجلة التي كان يمكن أن تكون منبرًا للمثقفين المناوئين للنظام السوري غير فعّالة؟ وألا يثير الأسى في النفوس أن الثورة السورية فشلت في إنتاج مجلة كما فعلت الثورة الفلسطينية في إنتاج مجلات ثقافية؟

اقرأ/ي أيضًا: الثقافة العربية.. طيران فوق الواقع

نحن أمام مؤسسة تأسست كرابطة للكتاب السوريين لتكون بديلًا عن مؤسسات النظام، لكنها وجدت نفسها تعيد إنتاج أساليبه بأشكال مختلفة، فهم عندما حاولوا أن يؤسسوا لتجمع في منفاهم لم يخرجوا من عباءة المؤسسات الثقافية التي تربوا عليها، كما أن المسابقات التي قامت الرابطة برعايتها كانت نادرة جدًا، وجاء الإعلان عنها على نطاق ضيّق، بحيث بدت أنها قامت بها من باب رفع العتب ليس إلا.

إذا أرادت رباطة الكتاب السوريين فعلًا أن تقوم بدورها الذي أعلنته في بيانها، فعليها إعادة قراءة برنامجها الذي طرحته، وأن تكون فعلًا صوت الثقافة السورية في مختلف جغرافياتها، لا مجرد تكيّة لأشخاص محددين، وعلى أعضاء الرابطة أنفسهم أن يتوجهوا بالنقد لآلية العمل المتبعة حاليًا، لأن المسألة لا تقتصر على عضوية لدى جهة ثقافية، أو منصبًا فخريًا يستغل للبرستيج وتعظيم الذات، بل تمتد لتكون حالة توائم بين ما هو ثقافي ووطنيّ جامع، يؤكد على الجانب الحضاري للعمل والإنتاج الثقافيين، ويقدم نموذجًا مدنيًا، يمثل إدانة لنهج النظام من خلال احتفائه بالحرية وعدم وجود محسوبيات، وأيضًا بالانفتاح على مختلف الاتجاهات الثقافية في سوريا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الثقافة المعقّمة والتطهّريّة

إطلاق جائزة باسم صادق جلال العظم