26-سبتمبر-2023
النظام السوري والصين

رغم حديث نظام الأسد عن "فك عزلته" من هذه الزيارة، إلّا أنّها جاءت بالتزامن مع تعثر التطبيع العربي معه (Getty)

على هامش دورة الألعاب الآسيوية المقامة حاليًا في الصين، وصل رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الصين، في أول زيارة للبلد الآسيوي منذ عام 2004، وفي ظل محاولات حثيثة للنظام للعمل على "كسر عزلته الدولية" التي يعاني منها في ظل "جمود محاولات تطبيعه عربيًا".

وكانت الصين حليفة للنظام السوري طوال السنوات، الماضية إذ استخدمت حق النقض ثماني مرات على الأقل على قرارات الأمم المتحدة التي تدين نظام الأسد، رغم عدم انخراطها المباشر في قمع الثورة السورية، إلّا أنّها عملت على توفير حماية على المستوى الدولي له، وتقديم بعض التدريبات لقوات نظام الأسد.

جاءت زيارة رئيس النظام السوري للصين، على هامش دورة الألعاب الآسيوية، في ظل تعثر خطوات التطبيع العربية معه

وتأتي الزيارة بعد عام من انضمام النظام السوري إلى مبادرة الحزام والطريق الصيني، وفي ظل انشغال روسيا بالقتال في أوكرانيا. ورغم العلاقة الدافئة بين بكين وموسكو، إلّا أنّ تنافسًا محتملًا كان سيشتعل بينهم على عقود إعادة الإعمار في سوريا، تبدو الآن بعيدةً عن روسيا في ظل الوضع الراهن، فيما تضع الصين موقعًا لها، من أجل الاستفادة من أي إمكانية قريبة لإعادة الإعمار، في حال حصول أي تحول في هذا الملف، إذ عرضت الصين على الأسد "المساعدة" في عملية إعادة الإعمار، في خطاب قدمه شي للأسد، يحمل نبرة مواجهة دولية أكثر من اكتراثه في نظام الأسد، إذ جاء الحديث في سياق "محاضرة" شي عن النظام الدولي.

وحول استقبال الأسد، رئيس النظام المنبوذ عالميًا في الصين، قال الأستاذ في كلية السياسة العامة في كلية لي كوان بسنغافورة ألفريد وو: "في ولايته الثالثة، يسعى شي جين بينغ إلى تحدي الولايات المتحدة علنًا، لذلك لا أعتقد أنه من المفاجئ أن يكون مستعدًا لمخالفة الأعراف الدولية واستضافة الأسد".

وأضاف ألفريد وو أن "زيارة الأسد للصين تتماشى مع التحديات المتكررة التي يواجهها شي للولايات المتحدة"، موضحًا: "هذه الزيارة لا تتعلق بمبادرة طريق الحرير الجديد، لأن الصين لم تعد قادرة ماليًا على توسيع المشروع. يتعلق الأمر أكثر بإظهار شي أنه زعيم الجنوب العالمي". 

وقال وو إن هذا هو السبب الذي دفع شي للسفر إلى جنوب أفريقيا لحضور قمة البريكس ولكن ليس إلى الهند لحضور قمة مجموعة العشرين.

أمّا أهمية الموقع الجغرافي لسوريا، المنتج الصغير للنفط فلموقعها بين العراق وتركيا، إذ إن الأول مورد رئيسي للنفط باتجاه بكين، والأخيرة تشكل نهاية الممرات الاقتصادية الممتدة عبر آسيا إلى أوروبا، كما سيمكن الحضور الصيني في سوريا من الوصول إلى موانئ البحر المتوسط (وهي محاولة فشلت في ميناء حيفا). فيما تبقى الأهمية الاقتصادية محدود لنظام الأسد، في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي قد تثبط أي مستثمر محتمل من العمل في شراكة مع نظام، تساهم في تورطه بالعقوبات الدولية الواسعة.

نفوذ متصاعد في المنطقة

وفي ظل التوقعات، بمحاولة الصين إقحام نفسها بشكلٍ أكبر في المنطقة، والسعي للحصول على عقود إعادة الإعمار في سوريا، فإن استقبال الأسد، يأتي ضمن جهود متزايدة للصين للانخراط بالمنطقة، فقد دعت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بكين واقترحت عقد مؤتمر للسلام.

كما شاركت بشكل مكثف في المفاوضات بين إيران والسعودية، وساهمت في إعادة العلاقات التي انقطعت منذ عام 2016. إذ تحاول الصين، استغلال تراجع حضور الولايات المتحدة في المنطقة، مع الحفاظ على علاقة اقتصادية أيضًا بالمنطقة الهامة نفطيًا لها.

وبحسب أليساندرو أردوينو، المحاضر في معهد لاو الصين بكلية كينجز في لندن، إن إعادة الإعمار كانت على الطاولة في اجتماع الأسد مع شي، لكنه قال إن هذا أقل جاذبية بالنسبة للصين مما يعتقده الكثيرون، خاصة مع تأثر الشركات الصينية بالتباطؤ الاقتصادي في سوقها المحلية.

وأضاف أردوينو لـ"فايننشال تايمز" أنه بدلًا من ذلك، كانت زيارة الأسد فرصة لبكين لزيادة مكانتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تعتمد عليها في الكثير من وارداتها من النفط والغاز.

وتابع، قائلًا: "إن الصين تحاول تجسيد مقولة أساسية، تدور حول أنها ليست قوة اقتصادية كبيرة فقط، بل قوة دبلوماسية أيضًا".

تعثر التطبيع

جاءت زيارة الأسد، بالتزامن مع كشف وكالة "نوفوستي" الروسية للأنباء، عن تجميد الاتصالات بين اللجنة الخاصة التابعة لجامعة الدول العربية المعنية بالملف السوري، مع حكومة النظام السوري، وهي لجنة كانت تهدف إلى محاولة معالجة ملفات عدة مع النظام، من أجل إتمام عملية التطبيع معه.

ومنذ عدة أسابيع، تشير معطيات عدة إلى عدم تعاطي النظام مع المبادرة العربية للتطبيع معه بشكلٍ "إيجابي أو جدي"، وهو ما ظهر منذ خطاب الأسد أمام جامعة الدول العربية في أيار/ مايو الماضي.

وكانت عملية التطبيع العربية، قائمةً على مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، وهو بحسب تقديرات عدة لم يتحقق بشكلٍ فعلي. وألمح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تصريحات له قبل أيام، إلى فشل المبادرة العربية تجاه النظام السوري. 

وقال الصفدي إن الأردن والدول العربية تنتظر ردًا من دمشق بعدما قدّمت أوراقًا ومقترحات للتقدم باتجاه حل الأزمة السورية، مشيرًا في مقابلة مع تلفزيون "المملكة" إلى أن بلاده تريد حلًا يلبي طموحات الشعب السوري في وطن آمن مستقر، وتتحرك لحل الأزمة السورية بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وعلى الرغم من أن هذا القرار صدر قبل ثماني سنوات، لا يزال النظام يرفض هذا القرار ويرى أن تطبيق مضامينه مقدمة لتقويض سلطته.

وظهر التململ الأردني من نظام الأسد، في مقال نشره رئيس تحرير صحيفة الغد الأردنية بعنوان "دمشق.. عندما تتذاكى على الأردن"، الذي تحدث عن إصرار نظام الأسد على "بث رسائل غير إيجابية، عبر بوابة التظاهر بالتعاون بخصوص الوضع الأمني على الحدود المشتركة بين البلدين، وتحديدًا في ملف المخدرات"، مشيرًا إلى فشل الاجتماعات الأمنية مع النظام الأسد، وبالأخص في قضية تجارة الكبتاغون.

الصين لا تكترث بـ"الأسد"

جاء احتفاء نظام الأسد بالزيارة نتيجة تقديرات عدة، من بينها "فك العزلة" المفروضة على النظام الذي ارتكاب مئات الجرائم في سوريا على مدار الأعوام الماضية، ومحاولة تحقيق إنجاز اقتصادي، في ظل استمرار احتجاجات السويداء، التي انطلقت من خلفية اقتصادية، ووصلت إلى مطالب سياسية جذرية. والأزمة الاقتصادية تصل إلى مناطق الساحل السوري ودمشق.

أمّا الوقائع التي جاءت بعد نهاية الزيارة، فهي لم تكشف عن الكثير مما توقعه نظام الأسد، إذ لم يتم تجاوز الوعود والرغبات الصينية المعلنة منذ عام 2017 على الأقل، ومن بينها الحديث عن رغبة بكين في الحصول على عقود إعادة الإعمار. فيما تكشف الزيارة أكثر، عن أنها تنطوي ضمن مشروع صيني، يهدف إلى تثبيت دبلوماسية مضادة للدول الغربية بالأساس، وتقديم بكين كقوة صاعدة في هذا المجال، تشكل وفق تصورها من هو "المقبول" سياسيًا ودبلوماسيًا، بما في ذلك استقبال "مجرم حرب" و"مناهض للديمقراطية"، ومتوافق مع التصور الصيني حول الكثير من القضايا.