01-ديسمبر-2017

شهدت الثمانينات محادثات مكثفة بين مبارك وتاتشر لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي (رويترز)

نشرت صحيفة نيوزويك الأمريكية تقريرًا يجمع صورةً شبه كاملة عما ورد في وثائق سرية نشرتها "بي بي سي" عن محادثات مُكثّفة جرت بين مصر في عهد مبارك وبريطانيا والولايات المتحدة، لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، كان يتمثل في إعادة توطين الفلسطينيين. السطور التالية ترجمة للتقرير.


خططت الولايات المتحدة مجددًا لإعادة توطين الفلسطينيين، من لبنان التي مزقتها الحرب، إلى مصر في الثمانينات من القرن العشرين، إلا أن الزعيم السابق لمصر، الرئيس المخلوع حسني مُبارك، طالب الغرب أولًا بالتوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي، حسبما ورد في وثائق بريطانية سرية نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي - BBC".

كشف وثائق سرية عن أن محادثات جرت بين مصر في عهد مبارك وبين بريطانيا والولايات المتحدة، تهدف إلى إعادة توطين الفلسطينيين

وأفادت تقارير بأنه جرى الحصول على الوثائق عن طريق قانون حرية الحصول على المعلومات ببريطانيا، كما جرى الكشف عنها في محاولةٍ هادئة من قِبل زعماء العالم للتوصل إلى حل لكل من الحرب الأهلية اللبنانية المستمرة منذ عام 1975 وحتى عام 1990، والنضال الذي استمر لعقود للحصول على الاستقلال الفلسطيني الذي أعقب إنشاء الكيان الإسرائيل عام 1948.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. كل شيء هادئ على حدودنا الشرقية

كما تحتوي الوثائق على ملاحظاتٍ من اللقاء الذي دار بين حسني مبارك أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة حتى الإطاحة به في ثورة 2011، وبين مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، التي تركت المنصب عام 1990 وتوفيت عام 2013.

وبعد مقابلة الرئيس الأمريكي، رونالد ريغان، في واشنطن، توجه حسني مبارك إلى بريطانيا لزيارة مارغريت تاتشر. وأخبرها الزعيم المصري أنه سيقبل طلبًا من الولايات المتحدة بالترحيب بالفلسطينيين الفارين من الغزو والاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982، لكنه قال إنه سيقوم بذلك فقط "كجزء من إطار عملٍ شامل للتوصل إلى حل" يتناسب مع تطلعاتهم القومية التي أوقعتهم في مواجهة ضد الحليف الأمريكي، إسرائيل، حسبما ذكرت إحدى تقارير "بي بي سي"، والذي تصادف مع يوم الأربعاء الماضي، وهو اليوم الدولي الذي خصصته الأمم المتحدة للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

وقال حسني مبارك إنه أخبر فيليب حبيب، السفير الأمريكي في مصر، بأنه "بإجبار الفلسطينيين على مغادرة لبنان، فإن الولايات المتحدة تجازف بعشرات المشاكل في العديد من البلدان".

وبدت استجابة بريطانيا المبدئية تجاه خطة مبارك لوضع "إطار عمل لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي" سلبية، ففي بادئ الأمر، كانت مارغريت تاتشر تعتبر أن إنشاء دولة فلسطينية يمكن أن يُقوِّض أمن إسرائيل. وجاءت زيارة حسني مبارك إلى الولايات المتحدة وبريطانيا بعد ثمانية أشهر من محاولة منظمة أبونضال -منظمة فلسطينية مسلحة منشقة عن منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرأسها ياسر عرفات- اغتيال شلومو آرجوف، السفير الإسرائيلي في بريطانيا، في حزيران/يونيو عام 1982.

مبارك وتاتشر عام 1983 (Getty)
مبارك وتاتشر عام 1983 (Getty)

وبعد أيام، استغلت إسرائيل الهجوم كأساس لغزو لبنان، التي شن منها المقاتلون الفسطينيون غارات ضد إسرائيل، وتورطوا في حربٍ أهلية مطولة ضد قوات معظمها من المسيحيين اللبنانيين. وفي الوقت الذي دخلت فيه إسرائيل الصراع متعدد الأوجه، ساعدت إيران على تأسيس حركة حزب الله الشيعية، التي أسهمت بوضوح في وقف إطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000.

ومع ذلك، ففي سياق عام 1983، كان مصدر الخوف الرئيسي لمارغريت تاتشر متمثلًا في نشاط المسلحين الفلسطينيين على طول حدود دولة فلسطين النظرية مع إسرائيل، وقالت إنه "حتى إقامة دولة فلسطينية لن يؤدي إلى استيعاب جميع الفلسطينيين المشتتين"، والمعتقد بأن عددهم يصل حاليًا إلى قرابة ستة ملايين، حسبما ذكرت الجزيرة. واعترض بطرس غالي، وزير الخارجية المصري آنذاك، على هذه الفكرة، قائلًا إن الدولة الفلسطينية الجديدة ستكون محدودة في الحجم ولا تكاد تمثل قوة سياسية موحدة.

وصرح بطرس غالي، حسبما ذكرت الوثائق: "مع ذلك، سيحصل الفلسطينيون على جوازات سفر خاصة بهم، وسيتقلدون المناصب المختلفة". كما أردف قائلًا: "لا يجب أن تكون لدينا فقط دولة إسرائيلية وشتات يهودي، بل دولة فلسطينية صغيرة وشتات فلسطيني".

كان مبارك ورجاله يتآمرون بمحاولة تمرير إنشاء دولة فلسطينية "محدودة الحكم ولا تكاد تمثل قوة سياسية موحدة"!

بالإضافة إلى مخاوف مارغريت تاتشر المتعلقة بإسرائيل ذاتها، فقد كانت لديها تظلمات أوسع مرتبطة بالتحالف الدولي للحركة الوطنية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة من الحرب الباردة. ومنذ الأيام الأولى للاتحاد السوفيتي وقبل وقتٍ طويل من إنشاء إسرائيل، أعلنت حكومة موسكو الشيوعية دعمها للاستقلال الفلسطيني. وتحول هذا الدعم إلى إمداد ياسر عرفات بالأسلحة على مدار السبعينيات من القرن الماضي، وبينما كان القتال في لبنان عام 1982، قاتلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب المسلمين الشيعة في لبنان والقوات اليسارية التي تدعمها سوريا، الحليف المعروف للاتحاد السوفيتي.

اقرأ/ي أيضًا: المقاومة الفلسطينية واستغلال الحكومات العربية

وحاول أسامة الباز، المستشار السياسي لحسني مبارك، تهدئة مخاوف رئيسة الوزراء البريطانية، بالتأكيد على أن الفلسطينيين سيُفضِّلون الدول الغنية المتحالفة مع الغرب (دول الخليج) على موسكو.

وقال أسامة الباز، إن خوف مارغريت تاتشر: "ما هو إلا تصور خاطئ. فلن يهيمن الاتحاد السوفيتي على الدولة الفلسطينية أبدًا. فهذه الدولة سوف تعتمد اقتصاديًا على العرب الأغنياء بالبترول، الذين يعارضون بشدة أن تُقاَم في المنطقة دولة موالية للسوفييت. والمملكة العربية السعودية هي مثال لتلك الدول التي لن تسمح مطلقًا بأن يحدث هذا"، حسبما جاء في الوثائق التي نشرتها "بي بي سي".

كما أفادت تقارير بأن حسني مبارك أخبر مارغريت تاتشر: "لن تُمثل الدولة الفلسطينية تهديدًا على إسرائيل، فالفلسطينيون في الكويت وبقية الخليج لن يعودوا مطلقًا إلى دولة فلسطينية".

إن الدولة الفلسطينية المقترحة يمكن إنشاؤها مبدئيًا في كونفدرالية مع الأردن، إحدى الدول الأخرى الموالية للغرب والتي طردت منظمة التحرير الفلسطينية عقب الانتفاضة التي لم تنجح عام 1970، والتي شهدت في النهاية انتقال ياسر عرفات إلى جنوب لبنان في المقام الأول. وربما يظل الفلسطينيون مرتبطين بالأردن (وسوف يتطور ذلك في غضون فترة من 10 إلى 15 عامًا إلى دولةٍ فلسطينيةٍ منزوعة السلاح)، حسبما ذكر أسامة الباز.

ياسر عرفات في بيروت عام 1982 (رمزي حيدر/ أ.ف.ب)
ياسر عرفات في بيروت عام 1982 (رمزي حيدر/ أ.ف.ب)

وبينما شهدت اتفاقية عمّان عام 1985 دخول الفلسطينيين في اتحاد مع الأردن والإعلان بعدها عن قيام دولة عام 1988، سادت في السنوات التالية صراعات مع إسرائيل وانقسام كبير بين فتح، الذي تُعد أكبر الحركات السياسية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحركة حماس الفلسطينية ذات المرجعية الإسلامية. وحتى عندما مُنح الفلسطينيون إدارة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، هدد استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية والاقتتال الداخلي بين الأحزاب الفلسطينية سلامة حل الدولتين. ومضى ما يقرُب من 70 عامًا على ظهور الكيان الإسرائيلي، دون أن يحصل الفلسطينيون على عضوية الأمم المتحدة.

وباقتراب نهاية إدارته العام الماضي، وجه الرئيس السابق، باراك أوباما ووزير الخارجية الأمريكية جون كيري، انتقاداتٍ نادرة لسياسة الاستيطان التي تتبعها إسرائيل في الأراضي المحتلة. وتعهد الرئيس دونالد ترامب، الذي تولى المنصب في كانون الثاني/يناير، بإقامة علاقات أكبر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، واعدًا "باتفاقية نهائية" للإسرائيليين والفلسطينيين.

في حين مضى ما يقرب من 70 عامًا على ظهور الكيان الإسرائيلي، لم يحصل الفلسطينيون للآن على عضوية كاملة في الأمم المتحدة

وفي محاولةٍ للقيام بما عجز أسلافه عن القيام به، عيّن ترمب صهره ومستشاره السياسي، جاريد كوشنر، للتوسط بين كلا الطرفين، ولكن في مطلع هذا الشهر، أفادت تقارير بأن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رفض اتصالًا من جاريد كوشنر وتدهورت العلاقات بين المسؤولين الفلسطينيين والأمريكيين خلال الأشهر الماضية. وكان من المُقرر أن يلتقي مايك بينس، نائب الرئيس، بعباس ونتانياهو الشهر المقبل في محاولة لرسم طريق للسلام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"السلطة الفلسطينية".. لنا أم علينا؟

المؤشر العربي.. العرب والقضية الفلسطينية