22-أبريل-2022
هالة عاهد

الأستاذة هالة عاهد

يعمل المدافعون عن حقوق الإنسان في الأردن في بيئة “عدائية”، على حد وصف منظمات دولية. فمنذ انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011 شهد الأردن حراكا شعبيا ارتفعت سقوفه وآماله وانخفضت وفقا للظروف المحيطة محليًا وإقليميًا، وتمخض أخيرًا عن ولادة ما اصطلح على تسميته بـ "الحراك"، وهو ما قوبل من السلطات بقمع واعتقالات تارة أو محاولات للاحتواء أو التشويه تارات أخرى، وفقا لما أملَته السياقات الداخلية والخارجية للبلاد.

هالة عاهد: الأردن يشهد انتكاسة فيما يتعلق ببعض الحقوق التي كانت قد استقرت ورسخت بأنها جزء من الحقوق والحريات العامة التي لا يجوز التجاوز والتعدي عليها

حملات الاعتقالات التي ازدادت وتيرتها مع توسع النشاطات المعارضة على الأرض، كانت من ناحية أخرى هي المحرك الرئيسي لانخراط محامين ناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان لأداء دور فاعل لتشكيل سند قانوني وحقوقي للناشطين أمام عسف السلطة. من بين هؤلاء الأستاذة المحامية هالة عاهد، والتي ارتبط اسمها بالدفاع عن حقوق فئات هي الأكثر عرضة للاستغلال والهشاشة القانونية، كالنساء والعمّال، بالإضافة إلى دفاعها المستمر عن الناشطين ومعتقلي الرأي.

كما نشطت هالة عاهد في الدفاع عن نقابيين وحراكيين في ظل موجة من القمع هدفت إلى إسكات أصوات طالبت بالسماح بالعمل النقابي والحزبي، فانضمت إلى هيئة الدفاع عن نقابة المعلمين الأردنيين وكانت عضوا في الفريق القانوني للملتقى الوطني للدفاع عن الحريات.

هالة عاهد
تعد هالة عاهد من أبرز الحقوقيات المدافعات عن حقوق الإنسان في الأردن (رويترز)

تقول هالة عاهد إن الأردن يشهد "انتكاسة فيما يتعلق ببعض الحقوق التي كانت قد استقرت ورسخت بأنها جزء من الحقوق والحريات العامة التي لا يجوز التجاوز والتعدي عليها".

إلا أن نشاط هالة عاهد في المجال الحقوقي نقلها مؤخرًا من مدافعة عن حقوق الإنسان إلى أن تكون في موضع الاستهداف، ففي مطلع هذا العام أكد تقرير صادر عن منظمة "فرونت لاين ديفندرز" تعرض هاتف عاهد للاختراق باستخدام برمجية بيغاسوس التي تطوّرها شركة إسرائيلية. 


اقرأ: بيغاسوس يصل الأردن... غضب واسع بعد الكشف عن اختراق هاتف ناشطة حقوقية بارزة


تقول هالة عاهد إنه لم يتم التواصل معها من قبل السلطات الأردنية بهذا الشأن، إلا أن مقربين من الحكومة أكدوا لها أن جهات خارجية لا بد أنها هي المسؤولة عن اختراق خصوصيتها، وهي رواية تراها عاهد غير مقنعة خاصة بعد صدور تقرير آخر يورد أسماء لعملاء متورطين باختراق هواتف صحفيين وحقوقيين، مع ترجيح أن يكون لهؤلاء العملاء صلة بالسلطات.

ألترا صوت أجرى مقابلة مطولة مع المحامية هالة عاهد تناولت فيها الملف الحقوقي في الأردن ومسار التحوّلات السياسية والاجتماعية في الآونة الأخيرة، وصولًا إلى موضوع استهداف عدد من المحامين والناشطين الأردنيين ببرمجية بيغاسوس سيئة الذكر. وقد تم التصرّف ببعض الإجابات واختصارها لأغراض تحريرية. 


  • كيف تقيمين الوضع الحقوقي في البلاد؟

ربما لا يوجد ما يقاس به تطور الحقوق أو مدى فعاليتها أو احترامها في الأردن، خاصة أننا نتحدث عن طائفة واسعة من الحقوق. أحيانا يكون هنالك في بعض القضايا تطور على صعيد تعديل التشريعات، فمثلا هناك حركة على صعيد حقوق النساء، ولكن نجد في الممارسات على أرض الواقع أن هناك عددا من الانتهاكات في أكثر من مجال. وإذا أردنا أن ننظر للصورة الأشمل فهي للأسف قاتمة إلى حد كبير، فهناك عدد كبير من الانتهاكات ضد حقوق المواطنين في مختلف المستويات، المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، لا سيما وأن الجائحة قد أثبتت هشاشة بعض القضايا ذات الصلة بالحقوق الصحية والتعليمية وانعكاساتها على الواقع الصحي والتعليمي. وإذا نظرنا إلى المشهد بمجمله عبر منظور ما هو مترتبٌ على الأردن من التزامات تجاه مواطنيه وفقا لأحكام الدستور الأردني أو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن والتزم بها طواعية فسنجد أننا للأسف نشهد تراجعًا بتحقيق هذه الحقوق، أو بالأحرى انتكاسة فيما يتعلق ببعض الحقوق التي كانت قد استقرت ورسخت بأنها جزء من الحقوق والحريات العامة التي لا يجوز التجاوز والتعدي عليها بحال.

  • ما هي المجالات التي شهدت هذه الانتكاسة؟

كنا نشهد من فترة إلى أخرى إجراء اعتقالات خارج إطار القانون أو ما نصطلح على تسميته بـ "الاعتقالات المتعسفة". ليس فقط الاعتقالات غير المنصوص عليها بالقانون، ولكن حتى تلك المنصوص عليها لا تتبع الإجراءات التي نص عليها القانون. فنحن هنا لسنا أمام حالة من التعدي على حق المواطنين في التجمع السلمي مثلا من خلال فض مظاهرة أو منع اعتصام خلافا لأحكام الدستور والقوانين والاتفاقيات والمعايير الدولية، بل أصبحنا نشهد أيضا اعتقالات استباقية على النية بالتظاهر، منعًا لحصول تظاهرة ما. فنحن نشهد انتكاسة على أكثر من صعيد حقوقي، وحتى لو أردنا أن نصف الواقع الصحي والتعليمي والاقتصادي، فكلها قضايا حقوقية من المؤسف أن يكون واقعها بعيدًا عما ينبغي أن يكون عليه.  

  • إلى أي مدى تجدين أن منظومة القوانين المعمول بها تضمن الحقوق الأساسية للأردنيين؟

بالنسبة إلى التزامات الدولة، فنحن نتحدث هنا عن ثلاثة مستويات: أولها الاعتراف، وهو أن تقر الدولة وتعترف للمواطنين بهذه الحقوق وذلك بأن يكون منصوصا عليها بالتشريعات وبالدرجة الأولى في الدستور الذي ينبغي لكافة التشريعات الوطنية أن تلتزم به. ثم يأتي الاحترام وهو أن لا يكون هناك خرق لهذه الحقوق سواء من الدولة أو ممثليها أو الأفراد. أما المستوى الثالث فيتمثل بالحماية، وذلك بأن يمتلك الأفراد سبلا للوصول للإنصاف والعدالة في حال انتهِكَت حقوقهم.

 إذا أردنا الإجابة على السؤال أعلاه على مستوى الاعتراف، فيمكن القول أنه ليست كل التشريعات الأردنية تتلاءم مع معايير حقوق الإنسان أو حتى منسجمة مع أحكام الدستور التي يجب أن تخضع له ولا تخالفه. فلدينا في الأردن تشريعات تخالف الدستور. فلنأخذ مثلًا قانون منع الجرائم، فهو غير دستوري بامتياز. وهو لا يخالف المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحسب، ولكنه يخالف أيضا الدستور الذي يتحدث عن الفصل بين السلطات، وفيه تعدٍ على السلطة القضائية والحرية الشخصية للمواطنين وعلى قرينة البراءة بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. هنالك أيضًا قانون الجنسية فيما يتعلق بالمرأة الأردنية و(حرمانها من) حقها في تمرير جنسيتها لزوجها وأولادها، فهذا يتناقض مع مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور. وحتى على صعيد قوانين العقوبات، لدينا طائفة واسعة من الأحكام القانونية التي تجرم أفعالا ينبغي أن لا تكون مجرمة لأنها تنضوي تحت حرية الرأي والتعبير. فالقوانين تخالف أحكام الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، وهي نفسها تخالف أحكام الدستور الذي لم ينص فقط على المساواة، وإنما نص بشكل واضح وصريح بأنه لا يجوز للقوانين التي تصدر بموجب أحكام الدستور أن تضع قيودا على الحقوق والحريات فتأخذ من حق ما أو تحرمه. هنا نجد أن قوانين العقوبات وقانون الجرائم الالكترونية تقيد حرية الرأي والتعبير كما هو متعارف عليها وفقا للمعايير الدولية وأحكام الدستور الأردني وهذا الخلل في القانون هو ما تستند إليه أحيانا السلطات لتبرير الإجراءات المخالفة، فعوضًا عن أن تكون لدينا سيادة للقانون تريد السلطة أن تدعي أنها تسير وفق أحكام القانون، وهي في الواقع تتكئ على قوانين لا تحترم الحقوق والحريات.

  • يثور الجدل في الأردن بشأن مقترحات لإدخال تعديلات على بعض قوانين الأحوال الشخصية بدعوى مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، كيف تنظرين إلى هذه المسألة؟  

من الضروري التأكيد على أن في الشريعة الإسلامية من السعة ما يجعل فيها آراء فقهية متعددة، وأن نصوص الشريعة تحتمل الاجتهاد المستمر الواسع في تفسيرها، وهو النشاط الذي أجبر المسلمون على إقفال بابه بحيث لا يتفاعل مع المستجدّات على النحو اللازم.   

ليس من المعقول اليوم مثلًا في قضايا معاصرة استمرار التقيد الجامد بآراء باتت قديمة جدًا بالنسبة لواقع العصر، رغم أن الفقه نفسه يقر بأنه لا ينكَر تغير الأحكام مع تغير الأزمان، والفقهاء أنفسهم غيروا في آرائهم الفقهية حين انتقلوا من بلد إلى بلد ومن فترة إلى أخرى.  فلماذا يراد اليوم، وتحديدا في بعض قضايا المرأة والأحوال الشخصية، أن لا نحاول تقديم لاجتهادات حديثة أو ننظر بنظرة مختلفة للاجتهادات القضائية. فلننظر مثلًا إلى قانون الأحوال الشخصية الأردني. فالمفروض في هذا القانون بحسب نصه أنه إن لم يكن فيه نص فيجب أن يستمد من الرأي الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة. لكن حين نراجع الأحكام في القانون نجد أن المشرع الأردني قد انفتح على آراء فقهية متعددة دون التقيد برأي أبي حنيفة. لكن الإشكال أنه وفي عدد من المسائل ذهب إلى الرأي الأكثر تشددا في قضايا المرأة، وتركوا رأي أبي حنيفة في مسألة مثل ولاية المرأة على نفسها في الزواج مثلًا. كما أخذ المشرعون أيضا بالمذهب الظاهري، وهو خارج المذاهب الأربعة، ليقروا الوصية الواجبة، ونحن أخذناها من القانون المصري، ولكنهم في المقابل قرروا أن عدم اتباع المعتمد في القانون المصري والمذهب الظاهري، وتقرير عدم منح أبناء الابنة الحق في وراثة أبيها. هنا نجد أن المسألة لا تتعلق بأحكام الشريعة ومراعاتها بحسب الأنسب لمقتضيات الحياة المعاصرة، وإنما تتعلق باختيارات أبوية وذكورية تريد أن تفرض نفسها على النص التشريعي، وتشويه كل رأي يخالفها بادعاء أنه مخالف للشريعة، وذلك على الرغم من أن أي مقترحات يتم تقديمها لتعديل قانون الأحوال الشخصية في الأردن تنطلق دومًا من نصوص الشريعة نفسها وأحكامها وتجارب دول إسلامية عديدة تسمح بالتعديلات الني نقول بها.

  • بحسب تجربتك، ما الدور المنوط بالمحامين في الحياة العامة في سياقات قمعية وغير حرة؟

يتوزع هذا الدور على أكثر من مستوى. ولا بدّ من أن نمايز هنا بين المحامين وأوجه نشاطهم، فهناك محامون يؤدون دورهم المتوقع منهم، والمتعلق بالشق الثالث من واجبات الدولة على المستوى القانوني والذي أشرنا إليه أعلاه، وهو الحماية، أي أن يساعدوا الناس للوصول إلى حقوقهم وأن يصلوا للعدالة ضد من نقض هذه الحقوق، لذلك هذا هو الدور المهم والمطلوب ويفترض أن كل المحامين يؤدونه.

لكن على صعيد الحقوق والحريات يأتي دور للمحامين المهتمين بها، ويكون ذلك بعدم التعامل مع القضايا على أنها حالات فردية، بمعنى أن لا آخذ قضية الموكل لأنتصر لحقه فقط، وإنما ينبغي لذلك أن يكون ضمن عمل جماعي يسعى لتعديل قانون أو سياسات أو ممارسات. لذلك نجد عددًا من المحامين المختصين في مجال تعزيز حقوق الإنسان ومراجعة التشريعات والتأكيد على الانتهاكات ولفت الأنظار للاختلالات الموجودة في التشريعات أو الممارسات. وهكذا أصبح المحامون اليوم جزءا من الحركة الحقوقية بشكل عام بوصفهم مدافعين عن الحقوق. فمن الصعب اليوم الانتصار لقضية حقوقية لفرد بمعزل عن المنظومة الحقوقية ومشاكلها، فالفرد ربما يحصل على حقه في المحكمة ولكن إذا لم نتحدث عن استقلال القضاء وضمان محاكمة عادلة فحتى هذا الفرد لن يكون قادرًا على ضمان حقوقه.

  • بهذا المعنى هل يمكننا اعتبار المحامين في قضايا حقوق الإنسان نشطاء؟

طبعا، المحامون مدرجون ضمن تصنيف الأمم المتحدة للمدافعين عن حقوق الإنسان، فالمحامون هم من المدافعين عن حقوق الإنسان بالطبع.

  • ما هي أبرز العراقيل التي يواجهها المحامون المختصون بقضايا حقوق الإنسان في الأردن؟

المسألة الصعبة والمؤرقة هو ابتداءً تتعلق بالتعامل مع نص تشريعي غير منضبط، فإذا تعرض أحد موكليك للتجريم أو حول إلى المحكمة بسبب نص تجريمي فضفاض، فإن ذلك يعني أن السلطة ستكون قادرة على إيجاد الثغرات الواسعة التي تمكّنها من معاقبة هذا الشخص على مواقفه بشكل عام. أما الإشكالية الثانية فتتعلق بمدى استقلالية القضاء، فحين يكون القضاء مستقلا يمكننا أن نضمن أن فهمه للنص، حتى النص الفضفاض، سيراعي حقوق الإنسان والحريات وضمانات المتهم. أما إذا لم يكن لدينا قاضٍ من هذا النوع فبالتالي سنصطدم بإشكالية تحقيق العدالة.

التحديات الأخرى التي نواجهها تتعلق بمستوى الإجراءات المتبعة. فنحن اليوم مثلا نشكل مجموعة من المحامين الذين يتولون قضايا الحراكيين أو الدفاع عن معتقلي الرأي، وإذا منعنا من زيارتهم في المراكز الأمنية أو تم نقلهم لسجون بعيدة فإن تواصلنا معهم يصبح أصعب، كما توضع أيضا في بعض الأحيان قيود على أخذ الوكالات منهم، بالإضافة إلى التوقيف الإداري ودورنا خلاله، فهناك مسائل متعددة تعيق حتى عملنا كمحامين وتعيق الحق بالدفاع، وهذا يعزى في جزء منه إلى خلل في القوانين التي لا تعترف للمحامي بهذا الحق في كل مراحل الدعوى ابتداء من إلقاء القبض على المتهم وفي المركز الأمني وعند التواصل معه وانتهاء بكل الممارسات الإجرائية المتبعة والعملية القضائية وسيرها.

  • هل القضاء الأردني مستقل برأيك؟

هذا سؤال تعدّ الإجابة عليه صعبة لأن البعض قد يفهم أنها تحمل إساءة للقضاء، وفق أحد النصوص التي تقيد الحقوق والحريات وتجعل القضاء محصنًا عن الانتقاد. رغم ذلك يمكن القول تشريعيًا، أنه ووفقا لأحكام قانون استقلال القضاء، فإن ثمة ممارسات قد لا تتوافق مع المعايير الدولية التي تضمن للقضاء استقلاله الفعلي والحقيقي.

  • كنتِ من بين عدة محامين شكلوا الملتقى الوطني للدفاع عن الحريات، فما الذي دفعكم لذلك؟

أنا وزملائي لم نشكل الملتقى الوطني للدفاع عن الحريات وإنما شكلته لجنة الحريات في نقابتي المهندسين والمحامين وعدد من النقابات المهنية والأحزاب السياسية ضمن حالة في الأردن سادت فيها محاولة الانتصار لكل هذه القضايا الحقوقية، وضمن الملتقى تم تشكيل فريق من المحامين للدفاع عن الحقوق والحريات، وقد كان فريقا كبيرا تداعى له العديد من المحامين بحيث يتفعل عندما تكون هناك حاجة عامة، ولكن أحيانا يقتصر الوضع في التحرك الدائم على فريق أصغر ضمن هذا الفريق وهو تنسيقية الملتقى الوطني للدفاع عن الحقوق والحريات.

 وكان الهدف منه هو أن لا يترك معتقلو الرأي والحريات لوحدهم دون أي شكل من أشكال الدفاع وأن يكون لهم سند في حمايتهم.

 

  • ما هو شكل نشاط الملتقى وهل هنالك دور توعوي له؟

الملتقى أعطى المظلة الواسعة للمحامين ولحمايتهم، فهو يحاول قدر الإمكان من خلالهم أن يقوم بالتوعية من خلال الحديث مع الناس والتركيز على القضايا التي ينبغي الانتباه إليها حتى لا يرتكب شخص فعلًا يجرّمه القانون، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات في حال التواصل معنا مباشرة. لكن وبسبب الكم الهائل من القضايا والانتهاكات واضطرار الزملاء في الفريق لمتابعة أكثر من قضية، فإن ذلك لا يترك مجالا للفريق بأن يقوم بمهام التوعية، لذلك فنحن نتركها لجهات أخرى لتقوم بها ما لم يتواصل معنا بشكل مباشر أفراد أو مجموعات للحديث عن قضية بعينها.

  • هل يمارس الملتقى أي دور في مجال تعديل القوانين والتشريعات؟

الملتقى، وتحديدًا المحامون، يسلط الضوء بشكل أكبر على القضايا ذات الصلة بالتشريعات مثل تلك المتعلقة بقانون الجرائم والقوانين المتعلقة بالتوقيف الإداري وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات. لكن ونظرًا لأنه فريق دفاع على وجه التحديد فهو يتحرك إن كانت هنالك قضايا من هذا النوع. لكن معظم من هم في الفريق منخرطون أيضا في جهد المجتمع المدني لإجراء التعديلات، فمنهم من له أوراق عمل ومنهم من له دراسات ومن يشارك في ندوات ومن يخرج للإعلام ليتحدث حول القضايا ذات الصلة والتشريعات التي ينبغي تعديلها.

  • عادت في الآونة الأخيرة قضية التوقيف الإداري في الأردن إلى الواجهة مجددا، فما هو التوقيف الإداري وهل يمكن القول بأنه بات أداة لملاحقة الناشطين؟

للأسف فإن التوقيف الإداري ممارسة لم تتوقف ولم تنخفض وتيرة لجوء السلطات إليها، وكل ما في الأمر هو أننا نسلط عليها الضوء في حال كان استخدامه يطال النساء بحجة الحماية، أو حين يطال النشطاء أو معتقلي الرأي على وجه التحديد.

فوفق قانون منع الجرائم تقع العديد من الانتهاكات بحقوق الأفراد في مختلف الظروف. فالتوقيف الإداري ممارسة مستهجنة حقوقيًا حتى لو وقعت على شخص ارتكب جريمة بعد أن قضت المحكمة بحبسه وقضى مدة المحكومية. فلماذا يعود للتوقيف إداريا مرة أخرى؟ ولماذا يتم تحديد مكان إقامته؟ فهذه عقوبة إضافية لم ينص عليها المشرع في قانون العقوبات.

يقع التوقيف الإداري أيضًا في حالات ترى فيها المحكمة أن الشخص بريء وتقرر إخلاء سبيله، إلا أنّه تجري في بعض الأحيان إعادته للمحافظ وتوقيفه إداريا، أو حين تنظر المحكمة في الدعوى ولا يثبت على هذا الشخص حكم بعد، فتخلي سبيله سواء بكفالة أو من دونها وفقا لقرينة البراءة، لكنّه رغم ذلك يعاد إلى المحافظ ليوقف إداريا. هذه انتهاكات تقع بشكل مستمر، ولكن لأن كثيرين لا ينظرون بعين الرأفة لمن يرتكب جريمة أو حتى يتهم بها في قضايا مثل السرقة والاحتيال والاعتداء وغيرها، فإننا لذلك نتسامح مع ممارسات الحكام الإداريين حين يخترقون القانون، ولا نضجّ بهذه الممارسات إلا حين تمسّنا أو تمس أصدقاءنا أو من يشبهوننا. وإذا أردنا أن نقف ضد هذا القانون فعلينا أن نقف ضده بالكامل، سواء وقع على مواطن في قضية جنائية أو على ناشط في سياق حقوقي.

المسألة الأخرى ربما تطرقت إليها بشكل غير مباشر أثناء الحديث عن الاختلالات الواردة في القانون، وهي أن قانون منع الجرائم حدد للحاكم الإداري ضمن حالات محددة وفق أحكام المادة 3 من قانون منع الجرائم، أن له الحق في أن يمارس التوقيف الإداري إذا كان وجود الشخص في الشارع يشكل خطرا على الناس، أو إذا كان معتادا على الإجرام، أو وجد في حالة سكر شديد أو غيره، أي أن ذلك يكون في حالات محددة. ولكن إذا أردنا أن ننظر إلى هذه الحالات المحددة على سبيل الحصر، إن طبقناها على حالات الحراكيين أو النشطاء أو معتقلي الرأي فهي لا تنطبق على أي منهم. إذًا فالحاكم الإداري، مع تحفظنا على القانون كله، ليس له صلاحية على هؤلاء الأفراد لأنه لا تنطبق عليهم حتى أحكام المادة 3 من القانون.

هالة عاهد: الدولة في الحقيقة تقول ما لا تفعل، هكذا هو الأمر ببساطة

من ناحية أخرى، فإن القانون نفسه، مع تأكيد تحفظنا عليه وأننا نراه قانونًا غير دستوري، وحتى في حال توفر هذه الحالات الثلاثة، قد رتب على الحاكم الإداري أن يقوم ببعض الإجراءات مثل أن يحقق مع الشخص ثم أن يخلي سبيله بكفالة، وإذا لم يقم الشخص بدفع الكفالة يتم توقيفه. ولكن الذي يجري هو العكس، إذ يتم توقيف الشخص فيذهب هو وعائلته والنواب وغيرهم إلى المحافظ متوسلين إليه أن يقبل إخلاء سبيله بكفالة، ثم قد لا يقبل بذلك أو يضع كفالة ذات قيمة مرتفعة.

إذًا فقانون منع الجرائم فوق علاته الجوهرية، فإنه يطبّق بعيدًا عن اتباع الإجراءات الواردة فيه، وهذا طبعا لا يخل بقرينة البراءة كما أسلفنا ولا يهدد الشخص وأمانه وسلمه فحسب، بل إنه يتعدى على سلطة القضاء، إذ يمكن تحويل الشخص للقضاء خلال مدة معينة. هذا القانون فيه تعدٍ على كل الحقوق والحريات الدستورية وفيه تعسف كبير.

 

  • تشير مؤشرات عالمية من بينها تقرير لفريدم هاوس إلى تراجع مستوى الأردن على سلم حقوق الإنسان، وذلك رغم الوعود الرسمية بالانفتاح السياسي وإنعاش الحياة الحزبية والانتقال التدريجي نحو حكومات تمثيلية، فكيف تفسرين ذلك؟

هذا لأن الدولة في الحقيقة تقول ما لا تفعل، هكذا هو الأمر ببساطة. الخلل ليس في المؤشرات ولا في نتائجها، والمؤشرات لا تتضمن فقط فريدم هاوس وإنما أيضا منظمات حقوقية أردنية وجهات أخرى معنية بحرية الرأي والتعبير وتقارير دولية يتم من خلالها إجراء مراجعة دورية لمدى التزام الأردن، وهي تصدر مجموعة من التوصيات تدلل على أن هناك انتهاكات وأن الأردن غير جاد في معالجتها.

فالحاصل هو أن السلطة تدعي العمل على تشجيع الحياة الحزبية، وهي ما تزال تطارد الأحزاب وتشيطنها وتلاحق الحراكيين والحزبيين وتعتقلهم من منازلهم قبل حتى أن يخرجوا في مظاهرة سلمية كما حصل في الأسابيع الماضية.

كما أننا اليوم نرى السلطة وهي تتحدث عن تمكين الشباب، وحين خرج الشباب ليتحدثوا ضد التطبيع أو ضد سياسات بعينها تم توقيفهم واعتقالهم بشكل تعسفي. فالمسألة إذا هي أن الأردن الرسمي إذا أراد أن يكون جادا فعلا في تعزيز الحياة السياسية والاقتصادية فهذه تطويرات لا بد أن يكون عنوانها المواطن، إذ ينبغي أن يكون المواطن شريكًا في كل هذه العملية.

 الإصلاح لا يأتي من الأعلى فقط، وهو يحتاج لعملية تبادلية تتمثل في الإرادة السياسية التي تنعكس في التشريعات والسياسات والممارسات، وأيضا تفاعل المواطنين معها. ومن حق المواطنين أن يعبروا عن آرائهم بكافة الطرق السلمية، فلا يمكن أن تحدد مساحات التعبير، بل ينبغي أن يكون التعبير متاحا حتى في أقسى عبارات النقد وأن لا يجرم الأفراد على ذلك.

  • قبل شهرين تم تأكيد اختراق هاتفك باستخدام برمجية بيغاسوس المطورة إسرائيليا، فكيف تم اكتشاف ذلك وما نوع التهديد الذي شكله الاختراق؟

 في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021 تلقيت رسالة من فرونت لاين ديفندرز وهي منظمة مختصة بالدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان وأحد أنشطتها يعنى بمسألة الأمن الرقمي، وكنت قد حضرت معهم أكثر من جلسة تتعلق بحماية المعلومات والأمن الرقمي كما كنت إذا صادفتني مشكلة تقنية أشك بأنها تتعلق بأمني الرقمي أحصل على استشارتهم. وصلني منهم أن لديهم معلومات تفيد بأن هناك هواتف تم التجسس عليها باستخدام هذه التقنية في الأردن وأن شركة آبل قد أرسلت إلى عدد من مستخدميها رسائل توضح لهم فيها من أن هواتفهم ربما تكون قد اخترقت.

ورغم أنني لم أتلق مثل هذه الرسالة، إلا أنني طلبت من فرونتلاين ديفندرز أن يفحصوا هاتفي، والحقيقة أنني كنت مترددة، واستبعدت تمامًا أن يكون هاتفي مخترق من تقنية بيغاسوس. والدليل على هذا أن ندوة حوارية لإحدى المنظمات الحقوقية المهتمة بالأمن الرقمي كانت قد نظمت في الأردن وتحدثت عن برمجية بيغاسوس، وقد عرضوا آنذاك علينا فحص هواتفنا للتأكد منها، لكني لم أعر الموضوع اهتمامًا، لأني أعرف أن تكلفة البرمجية مرتفعة جدا، وأن شخصًا مثلي لا يمكن أن يكون هدفًا لمثل هذا الاختراق المكلف، ولاسيما أن نشاطي الحقوقي علني وواضح وليس لدي ما يمكن أن يشجع أحد على اختراق هاتفي عبر هذه التقنية المكلفة. ولكن حين طُلب مني فحص الهاتف وافقت خاصة أنني كنت قبلها بمدة أشعر بشيء غريب في هاتفي ولم يتبين بعد فحصه فنيا وجود أي مشاكل. المشاكل كانت تتمثل بأمور مثل نفاد شحن بطارية الهاتف بسرعة وارتفاع حرارته بشكل متكرر، بالإضافة إلى مشاكل في استخدام الشبكة الخاصة الافتراضية، فاعتقدت أن الأمر يرتبط بمجرد خلل في تحديث الهاتف.

هالة عاهد

لكن حين فحص التقني الجهاز تفاجأت حين أخبروني أنه تم اختراقه في آذار/مارس 2021، والصراحة أنني استأت جدًا من ذلك، خاصة أن التقرير الفني لم يحدد من هي الجهة التي قامت بالاختراق، وبالتالي فإنني لا أعرف من هي الجهة التي تريد أن تحصل على معلومات وما هي المعلومات التي تريد الحصول عليها وكيف ستستخدمها على هاتفي في حال حصلت عليها.

كما أني أصبت بضيق شديد وخانق حين اختبرت بشكل شخصي هذا التهديد على حريتي وحقي بالخصوصية، وهو حق لم أكن ألتفت له كثيرا بهذا المعنى وعلى هذا المستوى الشخصي. فأنا أدافع عن حقي وحق الآخرين بحرية الرأي والتعبير وحقنا بالتظاهر أو الصحة والتعليم وغيرها، ولكن يظل الحق  في الخصوصية وكأن الإنسان يعتقد أن له سيطرة عليه في حين يجد عكس ذلك رغم اتباعه إجراءات لها علاقة بالأمن الرقمي، فشعرت أنني تحت تهديد أكبر من أن أواجهه وشعرت أنني فعلا مستباحة ضمن هذا المعنى تحديدا، وبالتالي شعرت بالقلق على من يتعامل معي، فأنا أتعامل مع قضايا حساسة لنساء وأفراد، وخاصة أننا نتحدث عن ظروف جائحة قللت من لقاءاتنا مع الناس وزادت من استخدامنا للهاتف، فمجرد أن تشعر بأنك مستباح بصورك ومراسلاتك وكاميرتك ومايكروفونك وإيميلك، هذا بحد ذاته صدمة مرعبة أشعرتني فعلا بالتهديد.

 

  • برأيك ما الأسباب التي قد تدفع الجهة المسؤولة عن الاختراق لفعل ذلك؟

فكرت كثيرا بهذا السؤال، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن من يخل بحق الناس في التنقل دون مبرر وحق المواطنين في أن يشكلوا نقابة وينتظموا ضمنها بحرية مثل نقابة المعلمين أو غيرها، ومن فرّط بحق المواطنين في العمل الكريم حين كان هناك فصل تعسفي للمعلمين مثلا وإحالات على التقاعد والاستيداع بشكل متعسف، ومن هدد ويهدد حرية الرأي والتعبير ويعتقل الناس تعسفا، لن يتورّع عن المسّ بالحق بالخصوصية وانتهاكه. 

وحين فكرت بمسألة التكلفة الباهظة المترتبة على أي جهة تقرر استخدام تقنية "بيغاسوس"، فأعتقد أنه بغض النظر عن هذه الجهة المسؤولة ما دمت لا أعرفها، إلا أنها تدلّ على سلطة لا تتصرف بعقلانية، وذلك ببساطة لأن ما تنفقه على الاعتقالات التعسفية والقمع، لو أنفقته على تحسين حياة المواطنين لانتفت كثير من الأسباب الموجبة للخروج إلى الشوارع. وعليه، فإن أي سلطة مستعدة للإنفاق على الأمننة بهذا الشكل المهول، لن تجد بأسًا في إنفاق المزيد على برنامج تجسس، ضمن جهودها الاستباقية لإحباط أي تحرّك في الشارع حتى قبل أن يحصل، مع أن تلبية المطالب المحقّة للناس قد تكون السبيل الأقصر والأوفر لضمان ذلك.

  • كيف أثر الاختراق عليك وعلى عائلتك؟

بالنسبة لي كمحامية وناشطة في العمل الحقوقي، فإنني وأيًا بلغت المساحة التي أتمتع بها من الاستقلالية والقوّة النسبية في هذا السياق، إلا أنه تبقى ثمة محددات مجتمعية تفرض عليّ بوصفي امرأة. دائمًا تواجهنا نزعة الآخرين من حولنا للتأثير على خياراتنا كنساء، إما بسبب الخوف عليك أو لمجرد محاولة السيطرة، وهو ما يدفعهم للقول بأن هذا المسار الذي تسيرين فيه خطير وليس له داعٍ. وقد جاءت حادثة الاختراق لتؤكد على مخاوف من هم حولي بأنني أسير في طريق خطرة وأن عليّ تجنبها.

هالة عاهد: ظن ابني أن التجسّس عليّ خطوة خطيرة قد تتبعها خطوات أكثر فداحة وخطرًا، وقد زاد من قلقه ملاحظته لوجود ردود عدائية وغير متعاطفة مع القضيّة أو مشكّكة بها، إضافة إلى موجة من الإساءات الشخصية، وقد كان لذلك وقعٌ شديد عليه

بعيدا عن كل هذا، فإن أكثر ما أزعجني أن الحادثة أثارت قلقًا شديدًا لدى ثلاثة أشخاص بالتحديد، في مقدمتهم ابني الصغير، وهو شاب مراهق، وقد كان في غاية التوتّر، وأن التجسّس خطوة خطيرة قد تتبعها خطوات أكثر فداحة وخطرًا، وقد زاد من قلقه ملاحظته لوجود ردود عدائية وغير متعاطفة مع القضيّة أو مشكّكة بها، إضافة إلى موجة من الإساءات الشخصية، وقد كان لذلك وقعٌ شديد عليه.

أما الشخصان الآخران اللذان كان الموضوع مزعجا ومقلقا لهما بشكل خاص، فهما والداي، وهما غير متواجدين على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما سمعا بما حصل من الناس والأقارب، وبدت عليهما خشية شديدة من سبب الاختراق وجهته وكيفيته، وما إذا قد تواصل معي أحد أو تعرضت لتهديد ما، وهو ما دفعهما لمحاولة إقناعي بأن الطريق الذي أسير فيه غير آمن.

وأوّد بالتأكيد هنا أن أشكر كل من عبّر عن تضامنه الشخصي أو المبدئي ضد الاختراق.  

 

  • هل تم التواصل معك من قبل السلطات في هذا السياق؟

لا، لم يتم التواصل معي من قبل أي أحد. كانت تأتيني رسائل من مقربين من السلطات مفادها أن الأردن على الأغلب لا يقف وراء عملية التجسس، وأنها ربما جهات أخرى. لكني لا زلت أجد أن هذه الترجيحات غير مقنعة، رغم أني أرجو أن لا تكون السلطات الأردنية خلف هذا الموضوع. فأنا لا أتمنى هدر هذه الموارد العامة أو استخدامها بهذا الشكل. لكن لم يتم التواصل معي بشكل مباشر بهذا الخصوص.

 

  • في تقرير حديث صدر مؤخرا، تم توثيق اختراق هواتف أربعة أشخاص من بينهم المحامي مالك أبو عرابي، فكيف تقرئين استهداف المحامين بهذه الطريقة؟

صحيح، في حالة الأستاذ مالك أبو عرابي، وهو زميلنا في ملتقى الدفاع عن الحقوق والحريات، تبين أن الحسابات المسؤولة قريبة للسلطة، فربما كان هذا يدلل على نحو أفضل من حالتي على أن جهات رسمية أردنية هي التي تقف على الأرجح وراء الاختراق. 

 عليّ أن أشير هنا إلى مسألة مهمة، وهي أن من تم الإعلان عن التجسس عليهم كانوا ممن فحصت هواتفهم وتم التأكيد على أن هواتفهم اخترقت، وفي السابق أشير إلى أن سياسيين وصلتهم هذه الرسائل وحصلوا على تأكيدات أن هواتفهم قد اخترقت، فالحالة ليست مقصورة على خمسة أو عشرة أشخاص.

وثمة مسألة أخرى مهمة، وهي أن الهواتف التي خضعت للفحص كانت من نوع "آيفون" التي تحتفظ بسجلات لرصد الاختراقات، ولكن حسب ما يقول الخبراء التقنيون، فإنه لا توجد إلى الآن آلية لفحص الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد. لذلك فربما تكون البرمجية قد وصلت إلى عشرات الأجهزة الأخرى لنشطاء ومحامين وغيرهم، وهو أمر لم يجر كشفه بعد.

لكن السؤال المطروح هنا هو ما مسوّغات اختراق هواتف الصحفيين كما تبين في التقرير، أو المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان مع أن نشاطهم علني؟ لا أملك إجابة على هذا السؤال، ولكن في حالة الأستاذ مالك أبو عرابي، قد يكون السبب هو قربه من العديد من الملفات الحقوقية التي ينخرط في الدفاع عنها مثل قضايا معتقلي الرأي والحراكيين والمعلمين، فهذه قضايا تزعج السلطات وربما كان هذا هو السبب وراء اختراق هاتفه أو هاتفي، ولكن بالطبع لا يوجد أي مبرر لاختراق أحد، بما ذلك هواتف السياسيين، في وقت تدعي السلطة فيه أنها تريد أن تفتح المجال أمام الجميع للمشاركة السياسية وتحسين منظومة الإصلاح.

  • هل تنوون البدء بأي تحركات قانونية محليا أو دوليا حيال استخدام برمجية بيغاسوس ضدكم؟

الحقيقة أنني كنت قد أجلت التحرك المحلي إلى أن ينتهي إعداد التقرير بخصوص آخرين في حالة مالك أبو عرابي تحديدا وذلك لأنه تبين في حالته من هي الأطراف المتورطة. ولكنني شرعت بالتعاون مع مكتب محاماة فرنسي ومن خلال إحدى المنظمات الحقوقية لتسجيل شكوى لدى المحاكم الفرنسية ضد الشركة الإسرائيلية.

طبعا هناك عدة محددات في التعاطي الدولي تتعلق بأننا لا نحمل إلا جنسية الأردن ومن ثم فإن الدولة التي سنتقاضى أمامها ليست لها ولاية قضائية، وكذلك أن الشركة الإسرائيلية ليس لها مكاتب أخرى في الخارج. ولكننا نتحرك على أكثر من صعيد ومنه الصعيد الحقوقي، فقد كان هناك تواصل مع مقررة المدافعين عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية أخرى للتأكيد على أن هذه البرمجية خطيرة وتشكل تهديدًا لحقوق الإنسان، بغض النظر عن الجهة التي تستخدمها اليوم. فقد تبين أن العديد من دول العالم والدول ذات السجل البائس في حقوق الانسان تستخدمها للتجسس على مواطنيها، وبشكل أوضح ضد الإعلاميين والمدافعين عن حقوق الانسان. فمن أجل أن يكون هناك تحرك ضد هذا النوع من البرمجيات، لا بوصفه يشكل تهديدا للخصوصية فقط وإنما يشكل تهديدا لفئات بعينها أصبحت فئات محمية معترف بها وفق القانون الدولي مثل المدافعين عن حقوق الإنسان.

  • هل سيقتصر التحرك القانوني على دعوى ضد الشركة المصنعة للبرمجية أم أنه سيمتد لمحاسبة المتورطين في الأردن؟

في حالتي، لأن المتورطين غير واضحين، فالدعوى ستكون ضد الشركة لعلها تفصح هي عن الجهة التي قامت بهذا الاستخدام.

أقول بمرارة أننا اليوم نرى أحيانا أنه إذا كان خصمك في دعوى أمام القضاء هي السلطة، فإنك ربما لا تصل إلى حقك حتى لو كانت الدعوى تتعلق بحرية الرأي والتعبير مثلا، فما بالك إذا توجهت لقضاء محلي لتشكو السلطة التي تنفي التهمة مرارا وتكرارا، والتي سواء في ردها على نواب وجهوا أسئلة أو على تقارير لا تزال تنكر أنها استخدمت هذا البرنامج أو ربما اشترته وكان هناك سوء استخدام له كما تتم إساءة استخدام السلطة.

  • ما هي التعديلات على القوانين والتشريعات التي إن تم إجراؤها يمكن أن تحمي المواطنين من مثل هذه الاختراقات؟

نحن اليوم نحتاج إلى قانون لحماية الحق في البيانات بشكل أساسي، وكيف يتم التعامل معها ولمن تعطى. كما أننا نحتاج إلى ضمان التشدد في إجراءات تمنع التجسس على الهواتف أو المكالمات أو الصفحات الإكترونية إلا بقرار من القضاء في معرض التحقيق في جريمة محددة. فالصلاحيات الممنوحة لبعض الجهات الأمنية أو غيرها ينبغي أن تحدد، ولكن كي نظلّ واقعيين فإن ذلك لن يتم إلا في إطار إصلاح المنظومة الحقوقية بشكل عام في الأردن.

الحل الأمثل للوضع الحقوقي هو أن يتمتع الناس بحقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم بالدستور ووفقا للمعايير والحقوق الدولية.

إذا كان لا يزال مقبولا أن تتعدى جهات أمنية أو سلطات تمثل الدولة والضابطة العدلية على الحقوق والحريات، فلا أعتقد أننا سننجح في أن يكون هناك احترام لهذه الجزئية على وجه التحديد، إذ إن السلطة التي لا تحترم حرمة المساكن التي تقوم باقتحامها ولا كرامة المواطن الذي تقيد حريته، فإنها لن تجد نفسها معنية باحترام هاتفه وخصوصيته.

  • ما هو برأيك الحل الأمثل للوضع الحقوقي في الأردن؟

الحل الأمثل للوضع الحقوقي هو أن يتمتع الناس بحقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم بالدستور ووفقا للمعايير والحقوق الدولية.

الحقوق لا تتجزأ وبالتالي فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن حق يتم التغني به وأنه يقدم للناس على أنه منحة في حين أن هنالك حقوقا أخرى لا يستطيع المواطنون الحصول عليها. هذا الطريق حتى وإن سمحنا نحن الأردنيون لأنفسنا بأن يكون متدرجًا، فإن معتقلي الرأي يدفعون الثمن في نضالهم ومطالباتهم ودفاعهم عن حقوقهم وحقوق الآخرين. الحقوق لا تتجزأ، لذلك فلن نقول إن الوضع ممتاز ما لم يحصل المواطنون على كل هذه الحقوق، ولنجعل عنواننا بالدرجة الأولى هو الدستور، فليتم الاعتراف بالحقوق الواردة بالدستور وحمايتها واحترامها.