18-مارس-2020

ملك الكاشف (الترا صوت)

عادة ما يثير الاختلاف في مجتمعاتنا الرعب والذعر، يرعبهم الاختلاف لمجرد كونه اختلافًا، تختلف في الفكر أو المعتقدات أو الديانة أو الميول الجنسية، في كل الأحوال ستثير رغبتهم وستوقظ رغباتهم في الانتقام، مبدأ الاختلاف ذاته مرفوض.

ملك الكاشف:  انتظر أن تعطيني الدولة حقي المشروع كإنسانة، بعيدًا عن شخصي وجنسي وميولي وديني

إذًا من هؤلاء؟ نتحدث عن الكتلة المحافظة، وبعدوانية أيضًا، والتي تمثل بطبيعة الحال ما تستقيه الطبقة الحاكمة من قيم محافظة تعيد إنتاجها ضمن عملية إنتاج شرعية نفسها وإعادة إنتاجهاالمتكررة، لتكتسب تلك المعتقدات المحافظة طابعًا سلطويًا، مما يزيد الأمر صعوبة وتعقيدًا.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| يولاندا غواردي: مهمة الأدب تدمير الكليشيهات

مجرد الاختلاف مرعب، والأشد رعبًا  أن تعلن عن ميول جنسية لا توافق المعتقدات السائدة. وهذا ما فعلته ملك الكاشف، إذ خاضت  معركة متعددة الجبهات من أجل أن تعلن عن نفسها وتحافظ على كونها عابرة جنسيًا.

هذا الحوار المكثف مع صاحبة إحدى قصص التحول الجنسي في مصر، يسعى لاستكشاف تفاصيل التجربة بما يختص بسياقاتها الاجتماعية والنفسية وفق رواية ملك الكاشف. 



 أين بدأت قصة ملك الكاشف؟

بمنزل في حي حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة، وسط أسرة متدينة ومحافظة، وكانت أول مرة أخبرهم أني بنت ولست ولد وأنا بعمر التاسعة.

في مرحلة المراهقة اتخذت قرارك بإجراء عملية العبور الجنسي، فماذا كانت اثار هذا القرار؟

كان له خسائر كأي قرار في العالم، إلا أن هذا القرار كانت خسائره 99% ومكاسبه 1 % وهي أنى استطعت أن أكون نفسي وأكون حرة، واستطعت كذلك القضاء على مشاكلي الداخلية، من وجهة نظري أن أصعب حرب من الممكن أن نخوضها هي الحرب مع الذات "إحنا مين؟"، وتكون أقوى من أى حرب.

في بلد مثل مصر يخوض العابرون/العابرات جنسيًا صراعًا متعدد الأطراف مع الدولة من ناحية والأهل من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى، كيف وازنت بين كل تلك الصراعات؟

لا أعلم، كنت أخوض الصراعات من منطلق الأهم فالمهم، وكان خطابي واحدًا أنى لا انتظر منحًا من الدولة، بل انتظر أن تعطيني الدولة حقي المشروع كإنسانة، بعيدًا عن شخصي وجنسي وميولي وديني، اعتقد أنى تجاوزت الأهم فالمهم، وكان خطابي واحدًا وقويًا طيلة الوقت.

يظهر رفض الدولة مستترًا خلف الإجراءات الطبية المعقدة التى يضطر العابرون/العابرات جنسيًا إلى اتخاذها لإجراء عملية العبور الجنسي وكذلك القيام بالإجراءات الروتينية اللازمة لتغيير الإسم والنوع، كيف تعاملت مع بيروقراطية الدولة المصرية؟

اهتممت في البداية بالحصول على التقرير الطبي الخاص بى والذي يقول أنى أنثى عابرة جنسيًا من مستشفى حكومي، بعد ذلك تقدمت بأوراقي لنقابة الأطباء التي لم تكن تعمل لسنوات ولحد يومنا ما زالت هناك حالات وأوراق معلقة ومنهم أوراقي، ولكني لم أكن مهتمة بأن أحصل على اعتراف أو فتوى من الأزهر لأني أرى أن الدين  ليس له دخل بمسألة طبية، فعلماء الدين لا يدرسون الطب، ولم أكن موافقة ولا معترفة بوجود الأزهر في لجنة تصحيح الجنس، ولا أعلم ما فائدة وجوده، لكن كان لا بد من الحصول على التقرير، وعندما حصلت عليه أصبحت الأمور أكثر سهولة.

في رحلتك مع روتين الدولة المصرية، ما الذي كان أصعب ما واجهتي؟ 

كان ملف نقابة الأطباء، وهذا ليس شأن خاص بقى بل مشكلة تواجه كل العابرين/العابرات جنسيًا الذين أعرفهم، جميعنا منذ سنوات على قوائم الانتظار.

كيف دفعك الاهتمام بحقوق العابرين/العابرات جنسيًا إلى الاهتمام بالشأن العام وحقوق الإنسان ككل؟

كانت البداية من اهتمامي بقضية العابرين/العابرات جنسيًا، فأنا مهتمه بقضيتي وأريد حقوقي والاعتراف بي كمواطنه لها حقوق يكفلها لها الدستور، كذلك اهتممت بالشأن والحراك النسوي، وكنت مهتمة بمعرفة مصطلحات مثل جندر، جنسانية،  ميل جنسي، هوية جندرية إلى أن بدأت بالنزول إلى وقفات احتجاجيه ضد التحرش ثم نظمت أنا وصديقة وقفة احتجاجيه ضد أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة متهم بوقائع تحرش وكانت الوقفة تحت عنوان "مغتصب مش مربي"، بعد اهتمامي بقضيتي والقضية النسوية والحراك النسوي وما التحديات التى تواجهه، مع الوقت تطورت مفاهيمي وأفكاري حتى شملت قضايا حقوق الإنسان في المطلق، فأصبحت مهتمة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفي العامين الماضيين اهتممت بالحياة السياسية في مصر وتساءلت عن عدم وجود أفراد عابرين/عابرات جنسيًا في مناصب سياسية، وعندما حدث حريق القطار ونزلت للتظاهر اعتراضًا على ذلك كان الدافع إنسانيًا ولم يكن سياسيًا.

خضت تجربة الاعتقال 3 مرات، كان آخرها وأطولها في العام الماضي على إثر دعوتك لتظاهرة اعتراضًا على حادث قطار رمسيس، كيف أثرت فيك تلك التجربة وما أبرز المصاعب التي واجهتك؟

لدى كل منا حدث أبرز يؤثر في حياته، وأنا اعتبر أن اعتقالى الأخير هو الحدث الأكبر في حياتي، وكان تأثيره كبير جدًا لم اتعافى من أضراره حتى الأن، تم وضعي في مكان احتجاز مخصص للرجال وكان هذا عدم اعتراف بي بشكل واضح، وكان تقليل من شأن قضيتي ونضالي على مدار السنين لإثبات وجودي في هذه الدولة بتقارير وخلافه، إلا أن الدولة لم تعترف بهذه التقارير ولم تعترف بحقي في الحصول على جسدي وحريتي، كما تعرضت للتحرش في أحد أقسام الشرطة، وتعرضت لفحص شرجي قسري، وهذا كان انتهاك يرتقى لدرجة التعذيب، كما واجهت تعنت من النيابة عند طلب المحامين زيارتي وقصرها الزيارة على الأهل الذين منعوا هم أنفسهم في بداية فترة احتجازي بالسجن وكذلك منع إدخال الأدوية والأطعمة، كما منعت من التريض، الانتهاكات كانت كثيرة، حتى عندما نقلت للحبس الانفرادي، كان انتهاكًا ولم يكن حلًا.

برأيك مشكلة العابرين/العابرات جنسيًا في أماكن الاحتجاز بمصر قانونية أم أخلاقية؟ وكيف يمكن حلها؟

في رأيي ليست قانونية وليست أخلاقية، أرى أن هذا تعنت وعقاب من الدولة للأشخاص العابرين/العابرات جنسيًا على اختياراتهم، شعرت أن الدولة تعاقبني على كل شىء أوليته الاهتمام وكل شىء دافعت عنه، قمت برفع دعوى قضائية ضد وزير الداخلية أطالبه فيها بتخصيص أماكن احتجاز للأشخاص العابرين/العابرات جنسيًا، الذين لم يقدروا حتى اللحظة على استكمال جراحاتهم أو تغيير أوراقهم الثبوتية مثل بطاقة الرقم القومي وجواز السفر، اعتقد أن هذه القضية ستمثل حل وسط يوفر لهؤلاء الأشخاص أماكن احتجاز أمن تغنيهم عن روتين الدولة السىء في التعامل مع قضايا العابرين/العابرات جنسيًا، حيث سيمكنهم من البقاء مع أشخاص لديهم نفس ظروفهم كما سيمثل لهم حماية من التحرش الجنسي والاغتضاب التى من الممكن أن يلا قوها في أماكن الاحتجاز مع جنس مغاير، ما زالت عقوبة ولكنها آمنه على حياتهم.

في رأيك ما أهم حلول أزمة العابرين/العابرات جنسيًا بمصر وهل يمكن القضاء عليها في غضون سنوات قليلة؟

إسقاط تهمة الفجور والتوقف عن تلفيقها للأقليات الجنسية، انسحاب الأزهر من لجنة تصحيح الجنس ومن البت في قضايا العابرين/العابرات جنسيًا وتصريحه بأن مسأله العابرين/العابرات جنسيًا طبية  بحته لا دخل للدين بها، كذلك توفر حق المشاركة السياسية تمكن العابرين/العابرات جنسيًا من العمل بالمجال العام دون وجود أي مخاطر تواجههم حتى يتمكنوا من العمل على قضيتهم، وكذلك تشريع قانون يجرم التمييز، هناك بالفعل المادة الـ53 من الدستور والتي تجرم التمييز ولكن لا يتم التعامل بها وليست مفعلة وليست بها عقوبة محددة، ولكن إذا تم تشريع قانون يجرم التمييز بناءًا على التوجه الجنسي أو الميول الجنسية أو الهويات الجندرية سيكون أعظم حدث في تاريخ هذا البلد، ولا اعتقد أن مشكلة العابرين/العابرات جنسيًا ستحل في غضون سنوات قليلة، أعتقد أن الجيل القادم من المدافعين والمدافعات هم الذين سيرون التغيير ويحصدوا ثماره وثمار جهدنا بالقضية.