24-أكتوبر-2019

الناقدة الإيطالية يولاندا غواردي

بين دفتي المتوسط، مقال طرحنا فيه تغريبة الأدب، بيّنا خلاله في جملة أساس: أننا نعيش اليوم الموجة الثانية والمعاصرة من أدب المهجر العربي. أدب لا يزال يحاول شق طريقه، نصًا.. نصًا وإصدارًا.. إصدارًا، في رهانات مهده المشطور ضفة جنوبية وأخرى شمالية للبحر.

رهانات من جملتها جدته في الساحة الأدبية في أوروبا التي لا تخلو من حساه يقع هذا الأدب في قلبها. عن كل هذا تحدثنا اليوم يولاندا غواردي، الناقدة الإيطالية وأستاذة الأدب والثقافة العربية بجامعة ماسيراتا. هنا حوار لها مع "ألترا صوت".


  • نلاحظ طفرة لأدب المهجر العربي، وخاصة الجزائري، في إيطاليا. ما تقييمكم لعملية الإنتاج الثقافية هذه؟

هذا صحيح، هناك عدد لا بأس به من روايات لكتّاب جزائريين مكتوبة بالإيطالية صدرت في إيطاليا في السنوات الأخيرة. فمثلًا استطاع القارئ الإيطالي أن يستمتع بروايات عمارة لخوص، والطاهر العمري، ونصيرة شكري، وكريم مترف.

أمّا التقييم العام لهذه الروايات، في رأيي، له جانبان: من جهة مكّنت الإيطاليين من التعرف على الجزائر التي هي غائبة في الإعلام الإيطالي عمومًا، ومن جهة أخرى هؤلاء المؤلفون يساهمون في تشكيل لغة وأدب إيطالي معاصر إلى جانب مؤلفين من بلدان أخرى.

يولاندا غواردي: انتشار قراءة الأدب العربي في إيطاليا قد يساعد على فهم الهوية على شكل فسيفساء وليس بشكل أحادي

  • من ناحية تقنية، ما المستجد في هذه الكتابات وما يمنحها خصوصيتها الأدبية؟

أظن أن هناك فرقًا كبيرًا بين كاتب وآخر، لأن أغلبيتهم كتب فقط رواية أو نصًا واحدًا، لذلك لا نستطيع القول إنهم كتّاب بالفعل. وكذلك مستوى الأسلوب يتغيّر من كاتب إلى آخر، وحتى من رواية إلى أخرى لنفس الكاتب. أحيانًا يحدث تطور مع مرور الزمن، وأحيانًا يبقى مستوى الكتابة في مجال سرد تجربة هجرة الكاتب إلى إيطاليا ولا يتمكن من الوصول إلى مستوى أدبي عالٍ.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| الشاعر بيتر نوبيرغ: الشعر السويدي معادٍ للاستهلاك

  • كيف يتعاطى هذا الأدب مع الواقع الاجتماعي الذي يفرضه المهجر: التناقضات الثقافية، الهوياتية، والسياسية المتمثلة في تصاعد يمين يعادي المهاجرين؟

للأسف، ليس هناك توزيع كبير لهذا الإنتاج الأدبي في إيطاليا، سواء تعلّق الأمر بالأدب العربي بشكل عام أو بأدب المهجر بشكل خاص، وبالتالي يبقى هذا الأدب معروفًا في مجالات محددة جدًّا.

وأعتقد أن انتشار قراءة الأدب العربي في إيطاليا قد يساعد على فهم الهوية على شكل فسيفساء وليس بشكل أحادي، وهذا الشكل الأخير هو الذي يسمح بتصاعد اليمين في إيطاليا أو في البلدان التي تستقبل المهاجرين.

  • نلاحظ أن هذا الأدب الجزائري لا يتطرق للموضوعات المعتادة للأدب العربي بالمهجر، أقصد هنا اللجوء، قضايا الحرب، حرية المرأة والحريات الفردية... أو يتطرق لها بمقاربات خاصة به. ما تفسيركم لهذه الاختلافات؟

أولًا عدد المهاجرين الجزائريين المقيمين في إيطاليا قليل جدًا مقارنة بالمهاجرين القادمين من بلدان عربية أخرى، ثانيًا أغلبيتهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية خاصة. أعني أن هؤلاء من الطبقة المثقفة التي تركت الجزائر أثناء فترة ما يسمّى بالعشرية السوداء لأسباب سياسية وليس لأسباب اقتصادية. وكان من بينهم من صوّت لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ بهدف تغيير الواقع السياسي في الجزائر. لهذين السببين مواضيع كتاباتهم مختلفة عن مواضيع أدب المهجر عمومًا. فهم يمثّلون جزءًا من هجرة المجتمع المدني الجزائري خارج الوطن، ولا يهتمون بإرضاء المجتمع المستضيف بمؤلفاتهم.

 يولاندا غواردي: يفضل سوق الأدب الأوروبي تقديم المهاجر بطريقتين: إمّا أن تكون قصته قصة إنسان مسكين تثير أحاسيس القارئ وتجعله يتباكى، وإمّا قصة عنف

  • بشكل معاكس، ما تفسيركم لنزوع السوق الأدبية الأوروبية في اختصار أدب المهجر العربي المعاصر في الكليشيهات المذكورة؟

في الغرب فكرة الحكم المسبق عن الثقافة العربية، وبالتالي كل ما يخرج ويتمرّد عن تلك الفكرة يضع الهوية الغربية موضوع نقاش. لهذا السبب السوق الأدبي الأوروبي تفضل إصدار كتابات تدخل في تلك الكليشيهات. ومن جهة أخرى يجب أن أقول إن هناك كتابًا يؤلفون أعمالًا مكتوبة للقارئ الغربي، وهذا لا يساعد في معرفة الثقافة العربية بطريقة أحسن.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| الروائي اليمني عمار باطويل: تحديت السخرية بالوقوف على حافة ثلجية!

  • كيف يؤثر خضوع سوق الأدب الأوروبي في قضية الهجرة لأجندات سياسية ليبرالية على أدب المهجر العربي؟

أظن أن هذين المجالين غير مرتبطين مباشرة، ولكن سوق الأدب الأوروبي تفضل تقديم المهاجر بطريقتين: إمّا أن تكون قصته قصة إنسان مسكين تثير أحاسيس القارئ وتجعله يتباكى، وإمّا قصة عنف. وهذا النوع من الأدب يشارك في نشر فكرة خاصة عن المهاجر، وهي أن يكون فقيرًا وجاهلًا، وإن تعلّق الأمر بمهاجرة فيجب أن تكون امرأة مستغلَّة. وكلاهما لا يجدان الحرية والاحترام إلاّ في الغرب فقط.

وبالتالي عمل من يهتم بالأدب العربي عمومًا، وأدب المهجر خصوصًا في الغرب، هو عمل مهم جدًا في تدمير تلك الأفكار والكليشيهات السلبية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| أمل بوشارب: لا وجود لأدب مهجر معاصر

حوار | الهادي بوذيب: العقل الجزائري تشكّل في سياق المقاومة ورفض الإذلال