09-سبتمبر-2020

حسين عرنوس يؤدي اليمين أمام رئيس النظام السوري (تويتر)

ترتبط الحكومات في أذهان مواطني الدول الديمقراطية بالإنجاز، فالإنجاز هو كلمة السر وراء رضى الناس عنها أو تجديد الثقة بها. أما حين يتعلق الأمر بحكومات الاستبداد التي لا تكف دولة الأسد عن تصديرها للسوريين، فإن أول ما يتبادر للذهن صلتها العميقة بالفشل. إنه ذلك النوع من الفشل السرمدي، الذي يستحيل على المرء العثور له على بداية أو نهاية، فالحكومات التي يرعاها الأسد فاشلة حتى قبل أن تبدأ، ذلك أنها لا تنشأ لتُعين مواطنًا على حاجاته، بقدر ما تحرص على التفنن بنهبه وتسويد عيشته.

في الحالة السورية، حيث يغيب الشعب كما الأحزاب التي تعبر عن إرادته، فإن من يتقدم الصفوف ليملأ منصب رئيس مجلس الوزراء هو الأسد نفسه

في الدول الديمقراطية ذات المرجعية البرلمانية، غالبًا ما تتوقف العلاقة بين رئيس الجمهورية والشخص المرشح لمنصب رئاسة الوزراء على الطابع البروتوكولي، منحه التكليف ومراقبة التزامه بالمدة المحددة لتشكيل الحكومة، أما مسؤولية تشكيل الحكومة ذاتها والتوافق على وزرائها كما تحديد بيانها الوزاري، فهو يظلّ حقًا من حقوق المكلف بهذا التشكيل. أما في الحالة السورية، حيث يغيب الشعب كما الأحزاب التي تعبر عن إرادته، فإن من يتقدم الصفوف ليملأ منصب رئيس مجلس الوزراء هو الأسد نفسه، فهو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، حيث انفصال المنصبين عن ذات الرئيس يعني الانتقاص من سلطته المطلقة التي لا تقبل التجزئة.

اقرأ/ي أيضًا: بناة سوريا ومهدموها

فحسين عرنوس في عرف السلطة الأسدية ليس رئيسًا للوزراء كما قد يترآى للبعض منا، بقدر ما هو رئيس لمجلس الوزراء، أي موظف حكومي بمرتبة تابع، حيث لا سلطة له على إتخاذ القرارات المصيرية ولا قدرة له على تعطليها. فمهمته الحكومية لا تتعدى مهمة الشخص المكلف بإدارة شؤون مجلس خرج رئيسه من الباب، ليعاود الدخول إليه من الشباك. فهو الوحيد المخول له بإصدار القرارات الوزارية، وهو الوحيد المخول بإلغائها أو تعديلها. فعمل الوزراء في حكومته أشبه ما يكون بعمل فرقة الكومبارس الحكومية، التي لا هم لها وشأن سوى تنفيذ ما يأتيها من أوامر القصر الجمهوري. فقرار رسم الدخول الجديد، القاضي بتصريف مبلغ الـ 100 دولار لكل سوري يرغب بالعودة إلى وطنه عبر إحدى المنافذ الحكومية، لم يأمر به عرنوس وإن كان قد مهر بتوقيعه واسمه، فما دور عرنوس في هذه الواقعة سوى دور شاهد الزور الذي لم ير شيئًا.

في الكلمة التوجيهية التي جمعته بأعضاء وزارته الجديدة، بشّر الأسد بذهاب الوقت التي كانت تتعثر فيه الحكومات بسبب ضعف كادرها الحكومي غير المؤهل. خاصة بعد مفاخرته بنجاح برنامج التنمية الإدارية الذي أطلقه منذ ثلاث سنوات، والذي وعد من خلاله أن يتم رفد المناصب الحكومية بالرجال المناسبين. ليتفاجأ المرء أن باكورة نجاحات هذ البرنامج كانت بنقل الدكتور دارم طباع، عميد كلية الطب البيطري السابق، من إحدى المؤسسات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة إلى برنامح تطوير المناهج التربوية في وزارة التربية، ومن ثم ليصار لترشيحه لمنصب وزير التربية، دون أن يعلل لنا الحكمة من هذا التصرف المبدد للطاقات والوقت.

تشير جميع الوقائع المتوافرة أن خبرة رئيس مجلس الوزراء الجديد عرنوس تكاد تنحصر في مجال واحد، هو مداومته على إنتاج الإسفلت الطرقي، ومن ثم محافظته على توريده إلى مشاريع متعهد القصر الجمهوري، ذي الهمة شاليش، الذي نجح على ما يبدو بالجمع بين مهمة إدارة مشاريعه الخدمية العابرة للمحافظات، ومهمته في تأمين الحماية الخاصة لسكنة القصر الجمهوري. في سياق الكفاءات ذاته، دخل السيد عماد خميس رئاسة مجلس الوزراء وخرج منها، دون أن يتعرف أحد من السوريين على كفاءته الإدارية، في معالجة قضايا الكهرباء والماء والغاز المنزلي، التي أثقلت كاهلهم طيلة ترأسه لمنصب الوزارة، ليكتشف أن كفاءته الوحيدة كمنت في خروجه من الوزارة بذمة مالية سالبة قدرت قيمتها السوقية بـ 400 مليون دولار، أكدت الوقائع أن حصته منها لم تكن بشيء يذكر، ذلك أن كان معظم الوقت ظل مطية لطلبات مسؤولي القصر الجمهوري التي لا ترحم.

نلمس عند بشار الأسد فهمًا غريبًا لعلاقة الفساد بالفشل ومن ثم علاقة الفساد بالمجتمع، فالأصل في كل فساد عنده تلك النزعة النفسية العميقة لدى السوريين باستباحة المال العام، فما أن يصبح الشخص مسؤولًا عن المال الحكومي حتى يهم بنهبه، أو توظيف سلطته الحكومية للحصول عليه بطريقة غير مشروعة، الأمر الذي يدمر المؤسسات العامة ويجعلها عاجزة عن الفعل أو الإنجاز.أما أن يكون الفساد جزءًا عضويًا من عمل السلطة السياسية التي يستحوذ عليها بالمطلق، فهذا ما لا يخطر على باله. أن ينتشر الفساد ويصبح قيمة اجتماعية عليا في المجتمع، ليس مرده إلى الخراب الروحي للمجتمع السوري، وإنما لمجموعة السياسيات المتبعة من قبل نظام الأسد، التي تقوم على توزيع المغانم وفقًا لمبدأ الولاء.

الحكومات التي يرعاها الأسد فاشلة حتى قبل أن تبدأ، ذلك أنها لا تنشأ لتُعين مواطنًا على حاجاته، بقدر ما تحرص على التفنن بنهبه وتسويد عيشته

يدعي بشار الأسد أنه قطع شوطًا طويلًا في سد المنافذ على الفساد في جهاز الدولة الحكومي، وأن من يصر على الاستمرار فيه فإن لا مفر أمامه من مواجهة عصا غضبه الغليظة. وكيف له أن يستقيم ذلك وهو يحتضن في قصره الجمهوري الوزير منصور عزام، المكلف بإدارة شؤون رئاسة الجمهورية، الذي قال فيه اللواء عدنان الأسد ما لم يقله مالك في الخمر. أم أن عصاه الغليظة ستهوي على رؤوس أناس وتعفو عن رؤوس أناس  آخرين؟

اقرأ/ي أيضًا: مرض القصر الجمهوري

تكمن الأسباب الحقيقية في فشل حكومات بشار الأسد، في كونها تعمل لصالح الأجندات التي وضعها لها بشار الأسد نفسه. ففي عز الأزمة الطاحنة لتنظيم تقنين توزيع المواد الرئيسية عبر البطاقة الذكية، لم يفته أن يكتسب من وراء ذلك الاقتراح الحكومي المحض مليارات  الليرات. وعندما قرّر تحويل شركة سيرياتيل إلى دجاجة تبيض له ذهبًا، لم يخجل من رفد جيبه الخاص بمليارات الليرات، في حين لم تتجاوز حصة الخزينة العامة للدولة من هذا المبلغ المهول سوى القليل من الليرات. فكيف لحكومة أن تحقق إنجازًا في أي مجال من مجالاتها، وهي ترى رئيسها وولي نعمتها يعمل على نهبه وتوظيفه لصالحه الخاص؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

المأساة السورية وأوهام الحل السياسي