13-نوفمبر-2018

تواجه البصرة نقصًا حادًا ومستمرًا في المياه (Getty)

تجددت الاحتجاجات في البصرة جنوب العراق، بعد فشل الحكومة بتحسين واقع الخدمات بشكل ملموس أو إيجاد حلول لمشاكل المحافظة، التي تأتي في مقدمتها أزمة مياه الشرب والبطالة، فضلًا عن ملف المعتقلين السياسيين من الناشطين الذين تلاحقهم السلطات وفق دعاوى رفعتها أحزاب وحركات بعد إحراق مقارها، خلال الاحتجاجات العارمة التي شهدتها المدينة في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم.

برأ تقرير اللجنة المشكلة من قبل قيادة العمليات المشتركة منتصف الشهر الماضي، الأجهزة الأمنية من تهمة استخدام القوة النارية ضد المتظاهرين في البصرة!

تظاهر المئات من المواطنين والناشطين، وسط مدينة البصرة، الجمعة 9 تشرين الثاني/نوفمبر، في تحرك، شمل مناطق أخرى من المدينة أبرزها بلدة الكرمة شمالي البصرة. التي شهدت تظاهراتها قطع الطرق الرئيسة مع المحافظات الأخرى، للمطالبة بتوفير الخدمات وفرص العمل، وهو الحراك الاحتجاجي الأول في عهد حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.

تسمم واعتقالات

يأتي التحرك الجديد، بعد استمرار ارتفاع نسب التسمم بالمياه مع انخفاض درجات الحرارة، وعدم تسجيل أي تحسن ضمن مشاريع المياه، بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والتي أكدت في 31 تشرين الأول/أكتوبر، ارتفاع حالات التسمم بين المواطنين إلى 118 ألف حالة، مطالبة وفق بيان لها الحكومة المحلية بعقد اجتماع طارئ لإطلاع مواطني المحافظة على مدى استجابة الحكومة المركزية ومشاريع الحكومة المحلية الخاصة بفرص العمل والخدمات.

في حين طالب المتظاهرون أيضًا، بإطلاق سراح ناشطين اعتقلتهم السلطات بتهم تتعلق بإحراق مقار أحزاب وفصائل مسلحة، والكف عن ملاحقة آخرين، في ظل وجود أكثر من 300 مذكرة اعتقال تلاحق أقطاب وقيادات في التظاهرات، كما يقول النائب عن البصرة رامي السكيني، مؤكدًا في تصريحات صحافية، أن أوامر الاعتقال ما زالت مفعّلة، وعشرات الناشطين ملاحقون وفق مذكرات اعتقال صدرت بناءً على شكاوى أحزاب.

وكان تقرير اللجنة المشكلة من قبل قيادة العمليات المشتركة بأمر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بشأن أحداث البصرة، قد "برأ" منتصف الشهر الماضي، الأجهزة الأمنية من تهمة استخدام القوة النارية ضد المتظاهرين، محملًا "عناصر مندسة تنتمي لأحزاب مختلفة" لم يسمها مسؤولية مقتل تسعة مدنيين خلال احتجاجات شهر أيلول/سبتمبر، فيما اكتفى باتهام شرطة المحافظة بـ"التقصير" في واجبات حفظ دوائر الدولة وتأثر بعض عناصرها بـ "الانتماءات الحزبية".

اقرأ/ي أيضًا: بعد الفقر والحروب.. الاحتباس الحراري سبب آخر للهجرة من الشرق الأوسط

بينما لا تزال السلطات تعتقل عددًا من الناشطين البصريين والذين اعتقل بعضهم دون مذكرات قضائية، كما تشير مصادر أمنية داخل المحافظة، على الرغم من دعوة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي القضاء، الإثنين 5 تشرين الثاني/نوفمبر، إلى "سرعة دراسة الملفات القضائية المترتبة على أحداث محافظة البصرة التي وقعت خلال أشهر تموز وآب وأيلول وإغلاق القضايا العالقة وبناء الثقة بين المتظاهرين السلميين والأجهزة الأمنية المكلفة بحمايتهم".

التحول الأخطر!

شهدت الاحتجاجات الجديدة، تحولًا خطيرًا، إذ رفع متظاهرون مطالب بتحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي، وهو مطلب غاب عن تظاهرات البصرة منذ انطلاقها هذا العام خلال شهر تموز/يوليو، داعين الحكومة إلى الإيعاز لمفوضية الانتخابات بتنظيم استفتاء في المحافظة حول مشروع الاقليم تطبيقًا لقانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم رقم (13) لسنة 2008.

سارعت جهات سياسية إلى دعم هذا التوجه، أبرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، حيث قال على لسان رئيس كتلته في البرلمان خلف عبد الصمد إن "موقفنا ثابت بشأن دستورية تبني مطلب إقليم البصرة، ولا سلطة لأحد سوى الشعب في تعطيل هذا المطلب الدستوري"، مؤكداً أن "التجربة السياسية أثبتت أن امتيازات الأقاليم تفوق المحافظات"، فيما شدد أن "الإجحاف" الذي تتعرض له البصرة قد يزول بـ "تحولها إلى إقليم".

ويأتي موقف عبد الصمد، متجاوزًا تحذيرات زعميه نوري المالكي من "الاقتتال بين المحافظات في حال تطبيق الفيدرالية"، والتي كان أطلقها المالكي خلال مدة شغله منصب رئيس الوزراء، رافضًا ربط إقامة الأقاليم باستتباب الأمن وتحقيق الاستقرار في البلاد.

يرى سياسيون، أن رفع هذا المطلب بالتزامن مع تشكيل الحكومة يشير إلى "محاولة جديدة" تخضوها جهات سياسية لـ "استغلال" المطالب المشروعة لأبناء البصرة وركوب موجة الغضب البصري للحصول على مكاسب أو مناصب في الحكومة الجديدة.

يقول النائب عن تيار الحكمة علي البديري في تصريحات صحافية، إن "ظاهرة التلويح بالأقاليم برزت عن طريق كتل سياسية عدة بهدف الابتزاز أو الضغط، فالتركيز على البند الدستوري الذي يجيز للمحافظة أو عدة محافظات التحوّل لإقليم، الغرض منه الآن الضغط على الحكومة، وفي حالة البصرة هو لزيادة نسبتها من الموازنة، أو للحصول على مقعد وزاري لها".

وبحسب البديري، فإن على الأطراف المنادية بالإقليم التحرك بالطرق القانونية للمضي به باعتباره حقًا دستوريًا أو "الكف عن رفعه كشعار يهدف للضغط على الحكومة لتحصيل مكاسب سياسية".

بالمقابل أشار النائب البصري عن "النصر" مزاحم التميمي، إلى ضرورة عدم القبول بتشكيل الأقاليم، إلا بوجود صيغة مناسبة لتحقيق المكاسب للمواطنين، في حين عدت النائب عن تحالف "الفتح"، زهرة البجاري، أنّ "الوقت قد حان لتأسيس إقليم البصرة التي تمول الموازنة العامة للبلاد بـ 80% من الأموال"، مؤكدة أن الحكومة المحلية ستتخذ جميع الخطوات القانونية الرامية لتأسيس الإقليم.

ويحذر مراقبون من خطورة الخطوة على البلاد والحكومة الجديدة في حال المضي بها، باستغلال الغضب الشعبي، داعين إلى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى خطوات سريعة لمعالجة الموقف"، وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية برهم صالح، الأحد 11 تشرين الثاني/نوفمبر، حين تعهد من الكويت بسن قانون يمنح البصرة صلاحيات قانونية تمكنها من التحول الى منطقة اقتصادية تنموية.

اقرأ/ي أيضًا: سباق تركيا وإيران على مياه العراق.. عطش الرافدين على الأبواب!

يقول الناشط والكاتب أحمد الحسيني لـ "ألترا صوت"، إن "الأقلمة تساهم بتفكك البلاد، وهي خطر قائم في حال عدم اتخاذ خطوات حقيقية وواضحة لدعم الهوية الوطنية من خلال تقديم الخدمات، والالتفات إلى مظلومية المواطنين بشكل عادل، يشعرهم بالانتماء إلى البلاد"، عادًا أن "ظهور مثل تلك الدعوات يشير إلى ضمور الشعور بالانتماء الى البلاد وضعف الهوية الوطنية لدى المواطنين، نتيجة الإهمال المتواصل لمتطلبات الحياة الكريمة، على يد الحكومات المتعاقبة".

تمثل الأوضاع في البصرة، التي تضم نحو 2.5 مليون نسمة وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، تحديًا خطيرًا للحكومة المقبلة يهدد الاستقرار في البلاد

يذكر أن السياسي وائل عبد اللطيف، هو أول من حاول جعل البصرة إقليمًا بعد عام 2003، حيث تمكن بمساعدة عدد من السياسيين والوجهاء أواخر عام 2008 من الحصول على تواقيع 2% من الناخبين، وقدم طلبًا رسميًا إلى المفوضية لإجراء استفتاء على تشكيل إقليم البصرة، لكن المحاولة لم تتكلل بالنجاح بسبب تعذر الحصول على نسبة 10% من أصوات الناخبين، وهي المرحلة التي تمهد في حال نجاحها لإجراء استفتاء جماهيري عام.

احذروا وهم الولاء!

تمثل الأوضاع في البصرة، التي تضم نحو 2.5 مليون نسمة وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد بالإضافة الى الأوضاع في مدن الجنوب الأخرى، التي تشاركها في مشاكل انعدام الخدمات والفقر والبطالة، تحديًا خطيرًا للحكومة المقبلة يهدد الاستقرار في البلاد، وقد يضعفها لصالح إيران، في حال استمرت المراهنة على "ولاء" المواطنين هناك باعتبارهم من الشيعة، واعتماد حلول طارئة بدلا من مخاطبة "التظلمات طويلة الأمد"، كما تحذر مجلة الفورين بوليسي الأمريكية.

وتقول المجلة الأمريكية، إن "المفارقة برزت في أن شباب الجنوب العراقي كانوا عماد القوات التي قاتلت تنظيم الدولة في الشمال، لكنهم اليوم عادوا إلى مناطقهم ليواجهوا البطالة والتشرد والحرمان والفقر"، مشيرة إلى أن "وضع هؤلاء المقاتلين العائدين من الشمال يهدد الاستقرار في العراق، وإن الأخطاء المتكررة في الجنوب يمكن أن تؤدي إلى اعتماد متزايد على إيران في الوقت الذي تستمر فيه الدعوات لإقامة إقليم في البصرة".

في إطار إشارتها إلى المشكلة الأبرز في سياسة التعامل مع البصرة من قبل الحكومة العراقية والمجتمع الدولي، وهي "الانشغال منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية العام الماضي في العراق، على إعادة الإعمار بشمال البلاد وإنفاق مليارات الدولارات هناك، متجاهلين الغضب والفقر المتفاقمين"، تؤكد الفورين بوليسي على ضرورة أن تشمل جهود المصالحة وإعادة الإعمار المحلية والخارجية جنوب العراق أيضًا، وكذلك التوزيع المتساوي للتمويل الحكومي، ومحاسبة الحكومة على الفساد الذي بلغ مستويات عالية ودمّر الخدمات العامة.