21-ديسمبر-2018

أثناء العدوان على غزة سنة 2012 (مناحيم كاهانا/Getty)

اعتادت عجائز العراق، في فترة ما قبل عام 2003، أن تتسيدن المجالس في ساعات الترشيد الكهربائي الليلية، وتروين الحكايات لجمهور من صغار البيت حول قضايا غالبًا ما تكون مبنية على أساطير أو فكاهات تراثية. 

رغم تعدد الأمثال حول عدم صلاحية الأسطورة الإسرائيلية، تستمر عملية التأليه في الأوساط الشعبية العربية حول الترسانة الصهيونية!

ولكون المسحة المرعبة تحظى برغبة الشريحة الأكبر من الأطفال وتدفعهم للنوم المبكر، كانت معظم الحكايات تدور حول كائنات مخيفة من أبرزها "الطنطل"، والذي تصفه العجائز والجدات بالكائن فارع الطول والنحافة، ذو الأصوات الغريبة التي تهمس تارة وتعلوا لتغدوا صراخًا تارة أخرى. وعادة ما تكون معسكرات تدريب المجندين في الخدمة الإلزامية ساحة لفعاليات "الطنطل"، والتي تشمل سرقة البطانيات ورمي القدور والعبث بالأبواب المغلقة.

اقرأ/ي أيضًا: الجيش الذي قُهِر

انتهت هذه الحكايات بعد دخول الإنترنت إلى المنازل، إذ لم تعد تنطلي خرافات الجدات على الأطفال الذين يتابعون كل شيء على يوتيوب وفيسبوك وتويتر، ويمارسون محاكاة للحرب في لعبة ببجي. لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي حال دون انتهاء صلاحية هذه الحكايات، بعد أن ظهر جنديان من جنوده في مقطع فيديو متداول على صفحات التواصل الاجتماعي، وهما يهربان فزعًا من صرخات مجهولة المصدر في أحد الأزقة الفلسطينية خلال ساعة مشمسة.

استمرت الصرخات لمدة لا تتجاوز الدقيقة، وكانت كفيلة أن تدفع الجنديين إلى ترك الزقاق مخلفين وراءهم احتفالًا صغيرًا في الزقاق بتحقيق نصر معنوي ربما يصغر حجمه، لكنه يشي بالكثير.

هذان الجنديان، في الوقت الذي أنقذا فيه "الطنطل" الذي انطلق على شكل لفظة "لا" فقط، مصحوبة بالضحك، أرديا فيه أسطورة أخرى تعرف باسم الجيش الذي لا يقهر. 

لم تكن هذه الصيحات العامل الوحيد في إنهاء هذه الأسطورة، ففي غداة التصعيد الذي شهدته الضفة الغربية مؤخرًا، قام شاب فلسطيني بارتقاء برج مراقبة في مستوطنة بيت أيل في مدينة رام الله، يشغله جندي إسرائيلي بكامل عدته وعتاده، وفي أعلى درجات استعداده، ليسقطه بحجر ضربه برأسه من داخل حدود حصنه الذي لا تتجاوز مساحته المتر المربع الواحد، ليدخل الجندي، بحسب إعلام الاحتلال، إلى المستشفى، وتوصف حالته بالخطيرة، الأمر الذي استوجب محاصرة المنطقة بالكامل، بحثًا عن "الإرهابي" الذي أسقط جندي الاحتلال بحجر!

رغم تعدد الأمثال حول عدم صلاحية الأسطورة الإسرائيلية، تستمر عملية التأليه في الأوساط الشعبية العربية حول الترسانة الصهيونية وقواتها الخاصة وسلاح جوها وأجهزتها الاستخبارية.  بينما يغيب هذا التأليه في داخل الأرض المحتلة، إذ حلت منظومة القبة الحديدية في المرتبة الخامسة لعمليات البحث التي أجراها الإسرائيليون خلال عام 2018 في محرك البحث جوجل، وشغل موضوع أنفاق حزب الله التي تحدث عنها جيش الاحتلال مؤخرًا. كما خرجت تظاهرات حاشدة تهتف ضد رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو تصفه بالجبان لعدم تمكنه من إيقاف هجمات فصائل المقاومة الفلسطينية.

ربما يصيب البعض في جانب واحد عند تأليه هذا الكيان، كونه كيان قوي وحصين فعلًا، لكن بأصدقائه، وهؤلاء ليسوا بالضرورة واشنطن والغرب!

وربما يصيب البعض في جانب واحد عند تأليه هذا الكيان، كونه كيان قوي وحصين فعلًا، لكن بأصدقائه الذي يقول عنهم نتنياهو إنهم "لم يعودوا يشترطون الموافقة الفلسطينية لتحقيق السلام في المنطقة"، لتكون عبارته هذه جزءًا من خطاب يهدد به لبنان والجيش اللبناني ويتفاخر فيه بأوراقه الرابحة في سوريا، ويلمح فيه لاستعداده لضرب أي معارض يقف بطريق جيشه الذي يخاف من "الطنطل". 

نسيت أن أقول إن الأصدقاء المعنيين ليسوا من الغرب أو الإله الآخر المسمى بأمريكا. وبتنا نعلم جميعًا من هم على مقربة منا جميًعا!

 

اقرأ/ي أيضًا:

غزة ومعادلة ردع "الردع" الإسرائيلي

جنود الجيش الإسرائيلي متعبون نفسيًا.. لماذا؟