01-أكتوبر-2023
معرض عمان للكتاب

معرض عمان للكتاب 2023

هدى أبو هاشم وآية الجعبري

على مساحة 9 آلاف متر مربع، شُيِّد معرض عمَّان الدولي للكتاب بنسخته الثانية والعشرين، في "معرض عمَّان الدولي للسيارات" على طريق المطار، بتنظيم من اتحاد الناشرين الأردنيين، إلى جانب بعض الجهات الداعمة، في مقدمتها وزارة الثقافة.
المعرض التي انتهت فعالياته يوم أمس، 30 أيلول/سبتمبر، حمل شعار "القدس عاصمة فلسطين"، وشاركت فيه 400 دار نشر عربية وعالمية.

نسخة 22 من معرض الكتاب

حال دخول الزائر إلى أرضية المعرض يقابله على الجهة اليمنى جناحٌ واسع مخصص لدولة قطر، ضيفة الشرف لهذا العام، يعكس الثقافة القطرية في كل تفاصيلها، ابتداءً من الكنب التراثي وتقديم القهوة العربية، مرورًا بصورٍ متفرقةٍ لأماكن سياحية، وعرض مؤلفات وزارة الثقافة ودور النشر القطرية. 

وتحت عناوين مختلفة، قدمت الدولة الضيف عدِّة فعاليات تحدثت مجملها عن تاريخ الفنون الأدبية في قطر من مسرح ورواية وشِعر فصيح، إلى جانب ندوات عن "دور التراث الثقافي في تعزيز الهوية القطرية"، و"صناعة النشر في قطر"، بتقديم وإعداد محاضرين قطريين.

صورة الجناح القطري

أما من الأردن، اختار اتحاد الناشرين المؤرخة وكاتبة القصة الصحفية هند أبو الشعر شخصية المعرض لهذا العام، حيث ترى أبو الشعر أن اختيارها "ليس قضية شخصية" إنما خطابٌ مجتمعي يؤكد أن الفعاليات والمؤلفات التي قدمتها على مدار الأعوام السابقة قد تركت أثرها عند القارئ الأردني.

ولدى أبو الشعر 86 مؤلف ما بين قصة صحفية وكتابٍ تاريخي، بالإضافة إلى مجموعة قصصية جديدة بعنوان "أضاعوني" أُعلن عنها ثاني أيام المعرض، وهي المجموعة القصصية السابعة التي تستكمل فيها رؤيتها لفن القصة القصيرة، إلى جانب كتاب جديد في مجال تاريخ الأردن الاجتماعي والاقتصادي وعنوانه "أوراق الأجداد".

جولة بين دور النشر

مشاركة دور النشر اتسمت بتنوّع جغرافي أكبر قياسًا بدورات سابقة تركّز حضورها على عدد من البلدان المجاورة؛ العراق وسورية وفلسطين ولبنان ومصر، بينما تشارك هذا العام دور نشر من بلدان الخليج والمغرب وتونس، ودور من تركيا والصين وروسيا، وإن كانت بأعداد قليلة.

أثناء تجوّل الزائر في ممرات "معرض عمَّان"، تلفته مظاهر امتاز بها الجناح العُماني، الذي اهتم ممثلوه بنقل ثقافة السلطنة من لهجةٍ ولباسٍ تقليدي وصورة مدينة ظافر العمانية، تمامًا كاهتمامهم بنقل مؤلفاتها وإصداراتها، ومع أول خطوة نحو الجناح يحظى الزائر بفنجان قهوة تتميّز بطعم الزعفران، وقضمة من الحلوى العُمانية المكوّنة من النشا والسُكّّر والمكسرات.
يتصدَّر الجناح الموسوعة العُمانية التي تتحدَّث عن تاريخ عُمان "كل ما يخطر في بالك عن عُمان قديمًا وحاضرًا موجودة فيها"، يوضح راشد السعدي، ممثل جناح عُمان، مجموعة في 11 مجلد، عمل على تأليفها مجموعة من الباحثين العُمانيين إضافة إلى كتب أخرى داخل الجناح متنوعة المجالات، من تاريخ وثقافة وتراث، وبأسعار تبدأ من دينار أردني.

لاحظ السعدي، أن غالبية زوار الجناح راودهم فضول تجاه السلطنة، واستفهامات حول تاريخها، "ما شدنا أن القارئ الأردني على درجة من الثقافة، يحرجنا ببعض الأسئلة الدقيقة عن عُمان"، مؤكدًا دور المعرض في بناء التواصل والتقارب الثقافي.

حمل معرض عمّان الدولي للكتاب هذه السنة شعار "القدس عاصمة فلسطين"، وشاركت فيه 400 دار نشر عربية وعالمية

 

على بعد خطوات من عُمان نرى علم الكويت ممثّلًا بدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهي مؤسسة حكوميّة دائمة المشاركة في معرض عمَّان، وكان من أبرز مؤلفاتها مجلة العربي الصادرة عام 1958 بشكلٍ شهريّ، ويتفرّع عنها مجلة العربي الصغير التي وزعت كإصدارٍ مستقل عام 1986.

معصومة، ممثلة المجلس الوطني في المعرض، تؤكد عناية الزوار بمجلة العربي والإقبال عليها منذ اليوم الأول "وايد زوّار يعرفون العربي من زمان، وطلبوا منَّا حجز نسخ منها قبل الافتتاح"، مشاركة معصومة الأولى في معرض خارج الكويت أتاحت لها زيارة بعض المعالم المعروفة في العاصمة مثل "مطعم هاشم" و"كنافة حبيبه"، كذلك زيارة مدينة البتراء، وفيها تلمّست علاقة الأردني الطيبة بالكويت "لمَّا حجزنا تذاكر وعرفوا أننا من الكويت أعفونا من رسوم الدخول وقالوا إن الأردني والكويتي واحد".

رأت سناء حسن، مديرة قسم العلاقات العامة والإعلام بدائرة الشؤون الثقافية العراقية، ذات مشاعر الترحيب والمحبَّة من الزوّار "شفنا الاهتمام منهم، أكو دايمًا ترحيب، وكلام طيب".

تشارك وزارة الثقافة والآثار والسياحة العراقية في المعرض بنسخته الحالية للمرَّة الأولى، ويمكن ملاحظة جناحها بسهولة عن طريق عناوين الكتب التي تحمل صورًا وأسماءً لشخصيات عراقيّة، مثل "الأعمال الشعرية الكاملة" لفوزي كريم ونازك الملائكة، و"معجم الأهوار" لكاتبه جبار عبدالله الجويبراوي، والذي شمل مفردات لهجة الأهوار، فضلًا عن كشف تاريخي واجتماعي.

جناح العراق

عبير صحفية في جريدة الغد الأردنية وقارئة، لاحظت بعد قيامها بجولة واسعة على دور النشر أن التوجه نحو الكتب السياسية والفكرية ضعيف مقارنةً مع الإقبال الكبير على كتب الخواطر والروايات العصريَّة، وذلك -بحسبها- يؤكد أن المشهد الثقافي برمته يحتاج إلى إعادة نظر، كذلك عابدة التي ترى أن الاهتمام بعرض الرواية من قِبل دور النشر تمدد على حساب الكتاب، مع إقرارها أن هذهِ النسخة من المعرض ضمَّت دور نشر لها مكانة عريقة في الوطن العربي.

بعد غيابٍ "قسريّ" دام خمسة أعوام عن المعارض العربيَّة نتيجة الأزمة اللبنانية، تعود دار النهار اللبنانية هذا العام إلى معرض عمَّان، يُبيَّن فهد عكروش، مسؤول الجناح، أن دار النهار كانت حاضرة بغيابها، ولا زالت وجهة الكتَّاب والسياسيين في نشر مؤلفاتهم، ومعروفة بإصداراتها السياسية والاجتماعية والأدبية والتاريخية، مثل "تاريخ بيروت" سمير قصير، و"نشوء القومية العربية" لمؤلفه زين زيندار.

دور نشر لبنانية أخرى شاركت في المعرض، منها دار الساقي التي لم تغب عنه منذ انطلاقه، وهي أول من فتح باب الحديث عن التحديات التي تواجه دور النشر في معرض عمان، يقول خالد العادي، ممثل الجناح في المعرض، إن الكتب المزورة تغزو السوق الأردني، وتحول دون شراء الكتب الأصلية لتفوقها سعرًا، مشيرًا إلى أن محاولات اتحاد الناشرين العرب لمكافحة هذه الظاهرة لم تفلح.

وبخصوص طبيعة العناوين التي لاقت إقبالًا أكثر من غيرها في دار الساقي، يبيّن العادي أن الكتب التربوية والفكرية تجد قرّاء أكثر في "معرض عمَّان" مقارنة بمعظم المعارض العربية التي يتوجّه جمهورها إلى الأدب، حيث نفدت لديه نسخ كتاب "الكتاب الذي تتمنى لو قرأه أبواك" فليبيا بيري، الذي يتضمّن مكونات العلاقة الصحية بين الطفل ووالديه.

دار النهار

يختزل العديد من الناشرين العرب مسألة تواجدهم في "معرض عمَّان" بقولهم إن مشاركتهم تهدف إلى التواصل مع القارئ الأردني في المقام الأول، ولرغبتهم بالمشاركة في معرضَيْ "رام الله" و"الرياض"، وهما يقامان على التوالي بعد انتهاء "عمّان".

أما الدولة المضيفة فقد شاركت في المعرض من خلال 74 دار نشر أردنية، تنوعت بين دور نشر أدبية وتعليمية وأدب أطفال، ومن هذه الدور دار الثقافة العربية الإسلامية التي اعتبر ممثلها أسامة المشاقبة معرض الكتاب فرصة لزيادة الأرباح والمبيعات، والتواصل مع أكبر عدد ممكن من دور نشر ومطابع وكتَّاب وجمهور، إلى جانب نشر العلم الذي تتبناه الدار.

وحول التحديات، يقول المشاقبة إن أغلبها يتعلَّق باللوجستيات المتمثلة بالأماكن الضيقة، وعدم وجود أماكن مناسبة للاصطفاف، وانعدام الدعم الحكومي لدور النشر الأردنية.

ولا يتمتّع "معرض عمَّان" الدولي للكتاب بنفس القوة الشرائيّة لمعارض عربيّة أخرى مثل معارض الدوحة والشارقة وأبو ظبي والرياض، لذا تعدّ المشاركة فيه مغامرةً ماليةً بحسب ناشرين أردنيين وعرب، حيث يتحمّل الناشر المشارك تكاليف شحن الكتب وتذاكر السفر إلى الأردن والإقامة فيه، بالإضافة إلى استئجار مساحة عرض الكتب بتكلفة تتراوح بين 120-150 دولار لكل متر مربع، فيما يوفر المعرض أجنحة بمساحاتٍ متنوعة بين 12 إلى 36 مترًا مربعًا.

ويلخص أبو فارس تحديات المشاركة في معرض عمان بمشكلة وصفها بالرئيسية، وهي عدم وجود مكان دائم لإقامة المعرض، مشيرًا إلى أن اتحاد الناشرين اعتذر من مئات دور النشر العربية والعالمية لمحدودية المساحة، محملًا الحكومة الأردنية مسؤولية توفير صالة معارض كبيرة معدّة بأفضل التجهيزات التقنية واللوجستية، على غرار معظم البلدان العربية، التي تمتلك معارض يشرف عليها هيئات مُستقلّة تضمُّ إداريِّين وفنيِّين يعملون بشكل مُنتظم طوال العام، وتحدّد لها ميزانيات ثابتة من قبل حكوماتها.

في العام الماضي 2022، واجه الاتحاد مشكلة المقرّ عندما استُأجر معرض عمان الدولي للسيارات من قبل جهات أخرى -بحسب أبو فارس- ما اضطرّ الاتحاد إلى البحث لأشهر حتى وقع اختيارهم على "المركز الأردني للمعارض الدولية" في "مكّة مول" غرب عمَّان، الذي امتاز بقربه إلى مركز المدينة قياسًا بالموقع الحالي على طريق المطار، ما ضاعف نسبة الإقبال، بحسب ناشرين أردنيين وعرب، إلا أن آخرين يرون فيه أخطاء تنظيميّة تمثَّلت في  تقسيمه إلى ثلاثة أروقة؛ الكويت، القدس، عمّان، بترقيم مستقل لكلّ واحد منها، ما أوقع الزوّار في إرباك نتيجة تكرار أرقام الأجنحة في كلّ رواق، وكان من الأجدر أن تصنّف الأروقة جميعها بترقيم موحّد.

ورغم أن تحدي المقرّ الدائم، من التحديات المتكررة في كلِّ عام، إلا أن الحكومة لم تتعامل معه جديًّا حتَّى اللحظة "كل فرصة تتاح لي للحديث عن معرض عمَّان أطرح إشكالية عدم وجود أرض معارض"، يقول أبو فارس، ومع ذلك فإنه "لا يرى بصيص أمل" في إيجادها، مع عدم وجود حلول جذرية، ما لم يخضع الملف برمّته لمراجعة جدّية من قبل الحكومة الأردنية العاجزة عن إجرائها في ظلّ تهميشها المُزمن للثقافة، مشيرًا إلى أن أكثر من 60% من دور النشر الأردنية تكمل مشوارها على "استحياء" بحسب تعبيره، وهي بذلك عرضة للإغلاق القريب.

يطلعنا الموقع الإلكتروني للاتحاد أن قائمة الداعمين تضمّ وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ووزارة النقل، ووزارة السياحة والآثار التي تشكّل مع الأطراف المذكورة سابقًا هيئة استشارية عُليا للمعرض. لكنها -بحسب أبو فارس- تظلّ شراكة منقوصة على الأرض، إذ لا تقوم الوزارة الأولى بتنظيم برنامج رحلات مدرسية إلى المعرض إلّا بصورة "خجولة"، كما أنها لا تخصّص ميزانية لاقتناء مؤلفات تضاف إلى مكتبات قرابة سبعة آلاف مدرسة تنتشر في الأردن.

التأليف في أدب الأطفال مكلف قياسًا إلى غيره لما يحتاجه من سلسلة إنتاجية متكاملة تبدأ بالتأليف والتحرير وتمر بالرسم والإخراج قبل أن تصل إلى المطبعة

أمّا وزارة النقل، فمحاولاتها في تأمين وسائل مواصلات تقلّ الناس من المحافظات والمدن مجّانًا أو بأسعار رمزية، ضعيفة ولا ترقى للمستوى المطلوب، ولا يختلف الحال مع وزارة السياحة والآثار وغيرها من المؤسّسات الرسمية والخاصة التي تنأى عن المشاركة في تطوير التظاهرة الثقافية، وفق أبو فارس.

يبقى عبء مسؤولية تنظيم معرض الكتاب على كاهل "اتحاد الناشرين الأردنيّين"، وهي جمعية أهلية ثقافية تأسّست عام 1993، وتعاني من شحّ الإيرادات وضعف الكوادر البشرية، ولا تتعدّى شراكتها مع وزارة الثقافة وأمانة عمّان اللوجستيات.

أدب الطفل في معرض الكتاب 

ومن بين الأجنحة المتوزعة على طول مساحة المعرض، نجد بعض الأجنحة بألوان زاهية، وجداريات ورسومات جذابة ومساحات مخصصة للعب على خلاف غيرها، مع جموع متناثرة من الرواد الصغار وأهاليهم يتصفحون الكتب ويطالعون الأغلفة..
إلى جانب الكتب، خصَّص المعرض عدَّة فعاليات موجَّهة للأطفال، أبرزها: "مسرحية كتابي المفضَّل" بتنظيم من أمانة عمَّان، و" قرارات قصصية" قدمتها وزيرة الثقافة هيفاء النجَّار، إلى جانب فعاليات تتحدث عن "تحولات الكتابة في العصر الرقمي"، و"أطفالنا والأجهزة الإلكترونية".

ونرى هذا العام تنوعًا كبيرًا في الكتب المعروضة، بعضها لدور نشر عريقة اعتدنا على تواجدها في معرض عمان، مثل دار المنهل، ومركز تفكر للتدريب والتطوير التربوي، ودار الياسمين ودار ألف باء تاء التعليم، ودار السلوى، إضافة إلى دور نشر تعرض أعمال باللغة الإنجليزية وغيرها ممن يقدم أعمال مترجمة مثل دار المنى التي تنشر كتب أدب مترجمة عن السويدية. وهناك مشاركات عربية لبنانية ومصرية وسعودية، كدار الشروق، إلى جانب دور نشر لم يكن لها أجنحة خاصة، إلا أنه يمكن إيجاد منشوراتها لدى دور نشر أخرى، مثل تواجد إصدارات دار أروى ودار الحدائق لدى الأهلية. الخيارات المتاحة واسعة ومتنوعة ومناسبة لفئات عمرية مختلفة؛ ثلاث سنوات، وست سنوات، وتسع سنوات فما فوق.

أصدر مركز تفكر أكثر من 64 إصدارًا على مدار 15 سنة، أشهرها سلسلة "تفكر مع أنوس" ضمن حقيبة الأسرة، تعرِّف مديرة العمليات أسيل البرغوثي المركز أنه مؤسسة بحث علمي ودار نشر ومركز تدريب في مجال البرامج التربوية للأطفال يستهدف المؤسسات التعليمية والأسر.

تعمل حقيبة الأسرة على بناء شخصية الطفل بشكلٍ متكامل من خلال 5 مستويات، بدايةً بتعريف الطفل بالله تعالى من خلال أسمائه الحسنى، مرورًا بتقدير الذات وتقبل الاختلاف والذكاء العاطفي والوعي بالمشاعر وإدراك مصدر السعادة الحقيقية، لنصل إلى العقلية النامية المدركة للتحديات والقادرة على التعامل معها من خلال استراتيجيات متنوعة من قصص وتمارين وألعاب وأناشيد.

صورة تفكر مع أنوس 

وترى البرغوثي أن بعض مؤلفات أدب الأطفال في الوطن العربي متأثرة بأدب الأطفال الغربي بحيث تخلو من القيم الإسلامية، والبعض الآخر فيه المحتوى الإسلامي لكنه يفتقر للجودة المتوفرة في الإنتاج الغربي، ما يؤكد حاجة الطفل العربي إلى إنتاج مؤلفات تجمع الأمرين معًا. 

الإقبال على هذا النوع من الأدب جيد - بحسب البرغوثي- إلا أن هناك حاجة إلى توعية الأهل بضرورته، "حاجة الأطفال لا تتمثل بالحاجة الأكاديمية فقط؛ لأن الأصعب هو بناء شخصية الطفل دون تحديات الهُوية والثقة بالنفس".

وحول الحضور المدرسي في معرض عمان الدولي للكتاب، تقول البرغوثي إنه لا يحقق الهدف الفعلي للمعرض، حيث إن طلبة المدارس يأتون برفقة معلمات غير متخصصات ويتوجهون للفعاليات المجانية بدلًا من الاطلاع على الكتب، "مش بالضرورة الطفل يشتري الكتاب، لكن مهم يطلع عليه براحته"، من جانبه يرى مدير التسويق في دار المنهل، عدنان بلبيسي، تواجد المدارس هذا العام أقل، مرجعًا ذلك إلى بُعد المعرض عن مركز المدينة "المدارس لا تخرج طفل أقل من 12 سنة لمكان قريب من المطار، فبالتالي المكان غالبًا للكبار". 

يرجع تاريخ دار المنهل إلى 36 عامًا في الأردن، وتتوزّع فروعها في كافة الدول العربية وعدد من دول العالم، وتُصدر مؤلفات للطفل للأعمار من 3 سنوات إلى 16 سنة.

تواجد القصة في حياة الطفل مهم -بحسب البلبيسي- لتعزيزها الخيال والقدرة اللغوية وتحسين مخارج حروفه، لافتًا إلى أن المدارس الدولية أنتجت مؤخرًا شرخًا واضحًا بين الطفل وقدرته على استخدام اللغة العربية في كتابته وحديثه.

ومن بين دور نشر أدب الأطفال الحاضرة، تتواجد دار أ ب ت الأردنية التي تحتل مساحة واسعة داخل المعرض، تعرض على امتدادها نسخًا متعددة من مؤلفاتها التي تنوعت بين القيم والشخصيات الإسلامية والصحة والتعرف على الحيوانات والبيئة وغيرها، حيث تأسست الدار عام 1994 وبدأت الإنتاج الفعلي عام 2007. 

ويرى مؤنس حطَّاب ممثل الدار في المعرض أن أدب الطفل في الأردن متطور إذا ما قُورن بالعالم العربي؛ بسبب وجود تجربة حقيقة في مجال التأليف والاطلاع على الإنتاج الغربي، إلى جانب التجربة الناضجة في استخدام اللغة العربية الفصيحة لتأسيسها عند الأطفال.

التأليف في أدب الأطفال مكلف قياسًا إلى غيره -بحسب حطَّاب- لما يحتاجه من سلسلة إنتاجية متكاملة تبدأ بالتأليف والتحرير وتمر بالرسم والإخراج قبل أن تصل إلى المطبعة، حتَّى تلاقي قبولًا لدى الطفل تغلب رغبته في ملهيات أخرى مثل الألعاب الإلكترونية واليوتيوب، "إذا كان العالم يبحث عن طفل مبدع فنحن نعمل على صناعته"، يقول حطَّاب.

ويلاحظ الناظر إلى أجنحة أدب الطفل في المعرض، عدم وجود استراحات مخصصة للأم تسمح لها بإعطاء طفلها الوقت الكافي للاطلاع على الكتب المعروضة، وهو ما يؤكد حطَّاب تواجده في معارض عربية أخرى، "ما زلنا في عمان نفتقر لتخصيص مساحات أو أماكن أو أجنحة خاصة لمجال أدب الطفل تقدم استراحة للأم وطفلها وتسهل تحرك عربته بين الأجنحة"، راجيًا أن يستفيد اتحاد الناشرين من تجارب المعارض الأخرى. 

تنوّعت المؤلفات الخاصَّة بالأطفال في "معرض عمَّان" لهذا العام، مثل قصص السلسة الخضراء، و"ليلى والذئب" و"أحلام رجل نشيط"، إلى جانب إصدارات تعليميَّة، يكون تركيزها الأكبر على الألوان والأرقام والأحرف والأمور الحياتية البسيطة، إلا أن هناك حاجة لمواكبة متغيرات العصر وطرح قضايا مستوحاة من أحداث المنطقة خصوصًا في أدب اليافعين.
وبالاستلهام من الواقع العربي، عالجت بعض مؤلفات المعرض قضايا تتماشى مع رغبة اليافعين في قصص تتطوّر فيها الشخصيات وتواجه تحديات أكثر تعقيدًا من أدب الأطفال، على سبيل المثال، نرى قصة "ستشرق الشمس ولو بعد حين" لتغريد النجار الصادرة عن دار السلوى. تتناول قصة شادن التي تعيش أحداثًا متسارعة في سوريا، تدفع عائلتها في رحلة لجوء إلى لبنان ومنها إلى السويد تواجه فيها أفراحاُ وأحزانًا، وقطارات ومطارات، وبدايات ونهايات.

صورة الأولاد في المعرض

قصص أخرى عن القضية الفلسطينية، ورحلات في التعافي من المرض، وتقبل الاختلافات بين الأطفال، كلها مواضيع لإصدارات يافعين ويافعات متوافرة في معرض الكتاب هذا العام.  

مجموعة من طلبة إحدى المدارس الخاصَّة التي زارت معرض عمّان، تجمع حول دار تشكيل المصريَّة، واشترت روايات تحمل عناوين تُنبئ عن محتواها الغامض والمشوّق مثل "بحَّار بوتانا" و"بلا ألسنة"، وذلك بناءً على توصية ممثل الدار، محمَّد عاشور، الذي كان مندمجًا في شرح الرويات بتعبيرات وجهه ويديه "بقرأ الروايات إلي ببعهم، بطلع أهم التفاصيل من غير ما أحرق الرواية، حتى تكون عارف هل الكتاب ده يناسبك أو لا"، واستثنى عاشور عرض فئة معينة من الروايات كالتي تتحدث الرعب والجرائم تلبية لرغبة المعلمة.

بدأت دار تشكيل للنشر والتوزيع مشوارها عام 2016، بعرض المؤلفات الشعرية ثمَّ الروايات حتَّى تضمنت الدار مجموعة واسعة متنوعة من كتب تنمية ذاتية وتاريخية ودينية وأدب أطفال.

ينتظر القراء الأردنيون بحماس معرض عمان الدولي للكتاب كفرصة للتعرف على الإصدارات الجديدة، واقتناء كتب لا تتسع لها أرفف المكتبات العامة، وفعالية عائلية آمنة تعزز علاقة الأطفال بالكتب الورقية، متأملين استمراره بجودة أفضل إن خُصصت للمعرض ميزانية خاصَّة من الجهات الحكومية، بحسب أبو فارس، "لو تهتم الحكومة بمعرض عمَّان مثل اهتمامها بمهرجان جرش، لكان المعرض أفضل بكثير".