10-يناير-2021

مكتبة ولاء من الداخل

تعيش محافظة الديوانية، تبعد عن بغداد حوالي 180 كيلومترًا، وضعًا اقتصاديًا سيئًا في سوق الكتاب، والوضع الثقافي بشكل عام والذي أخذَ في مراحله الأخيرة يعاني من الركود. وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه المدينة، إذ بحسب وزارة التخطيط تبلغ نسبة الفقر في المحافظة 48% أي إنها في الترتيب الثاني بعد محافظة المثنى التي أخذت الصدارة بنسبة 52%.

في السنوات الخمس الماضية أغلق ما يقارب ست مكتبات في الديوانية، من ضمنها مكتبات متخصصة بالنقد الأدبي والقانون

هذا بالإضافة إلى تأثير جائحة كورونا التي زادت الأمور تعقيدًا والتي لاتزال تداعياتها مستمرة إلى يومنا هذا.

اقرأ/ي أيضًا: "مكتبة الحلبي" في بيروت.. جارة "الحرش" واحةٌ من نوع آخر

في السنوات الخمس الماضية أغلق ما يقارب ست مكتبات، من ضمنها مكتبات متخصصة بالنقد الأدبي والقانون، أما مكتبة "المتنبي" المتخصصة بالكتب الثقافية فإنها تحولت إلى محل لبيع المواد الغذائية وبقيت يافطتها على حالها، كعلامة على فشل المشاريع الثقافية في مدينة يعيش أبناؤها الفقر المدقع بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وانعدام المشاريع التنموية، والفساد الذي ضرب أطنابه في كل مؤسسات المحافظة.

يقول على الزيدي لـ"ألترا صوت"، وهو صاحب مكتبة "عيون الوطن" التي أغلقها مؤخرًا، منتقلًا للعيش في العاصمة بغداد لمزاولة ذات المهنة: "اختلف وضع المدينة عمّا كان عليه في السابق، فالمدينة اليوم أكثر فقرًا وكل ما تمر السنوات تزداد سوءًا، نتيجة لإهمالها من قبل الساسة أصبحت المدينة من أفقر محافظات العراق. لذلك أقول إن المشاريع التي يكتب لها النجاح هي مشاريع أساسية غير كمالية وغير مكررة فشراء الكتب أصبح عند بعض الناس من الامور الترفيهية أو الكمالية، وعدد الشباب القراء في هذه المدينة قليل جدًا لذلك غادرتها متوجهًا إلى بغداد بعد إن منيت بخسارة كبيرة جراء مغامرتي بفتح مكتبة في مدينة فيها القراء نادرون".

ويتابع الزيدي حديثه: "إذا استمر إهمال وتخاذل الطبقة المثقفة والجهات الرسمية المسؤولة عن الثقافة في المحافظة، فلا مستقبل للكتاب في الديوانية، وأعتقد من الضروري أن تساهم المؤسسات الرسمية والأهلية في بلورة مشاريع حقيقية تنقذ الواقع الثقافي في المحافظة".

ولا يختلف رأي الكاتب حسن أكرم الذي كان يعمل بائعًا للكتب في الديوانية، ثم غادرها لذات الأسباب قبل سبع سنوات لمزاولة العمل مع دار الرافدين العراقية في بغداد.

ولاء محمد: "إن افتتاح مكتبة في مدينة داخلة على خط الفقر هو أشبه ببيع اللوحات الفنية للعيمان"

على ضفاف نهر الفرات تقع مكتبة ولاء التي فتحها صاحبها ولاء محمد قبل أكثر من عام، يجمع ولاء محمد كتبه ويحاول تصفير الديون استعدادًا لإغلاق مكتبته بعد تفكير طويل أثبت فيه فشل مشروعه. يقول محمد: "إن افتتاح مكتبة في مدينة داخلة على خط الفقر هو أشبه ببيع اللوحات الفنية للعيمان. الناس في هذه المدينة تتقاتل على رغيف الخبز ولا يهمها شأن الكتاب الذي لا يجدون الوقت الكافي لمطالعته وهضم أفكاره". ثم يستدرك: "نعم هناك قراء قليلون جدًا ووجودهم لا يشجع البقاء في فتح المكتبة إذ تعرضت الى خسائر كبيرة شجعتني على إغلاقها من غير رجعة".

اقرأ/ي أيضًا: المكتبات العامة في الأردن.. هجرة إلى "الكافيهات"

ليس ولاء محمد أول من أغلقَ مكتبته في هذه المدينة، ويبدو انه ليس الأخير أيضًا، إذ أغلق الكتبي منذر عبد الحر مكتبته المتخصصة بالكتب النقدية وكذلك فعل الشاعر عبد الرحيم صالح.

مكتبة ولاء

"مكتبة أوراق" لم يمضِ على وقت افتتاحها عامين، يقول مالكها صاحب بهاء إنه تعرض إلى خسائر كبيرة قد تدفعه إلى غلق مكتبته، معبرًا في حديثه لـ "الترا صوت" عن ندمه بفتح هكذا مشروع متعب، تلوح آيات خسائره في أجواء المدينة البائسة التي يصعب على شبابها إيجاد فرصة عمل توفر لهم الحياة الكريمة".

المكتبة كمقهى وملتقى ثقافي

يختلف الأمر تمامًا عند هؤلاء الذين يفتحون المكتبة بعيدًا عن التفكير بالربح أو الخسارة، بل يفتحوها لحبهم لمزاولة هذا المهنة التي تجعلهم على تماس مع الكتاب وقراءه، وغالبًا ما يتمتع هؤلاء بمرتب جيد يجعلهم في مأمن من الخسارة؛ إذ إنَّ غالبيتهم من المتقاعدين الذين يفتحون المكتبة كملتقى ثقافي فيه يتجمع الأصدقاء لخوض أحاديثهم واستعراض شريط الماضي.

يقول يحيى محمود صاحب مكتبة الطليعة: "إنني أدفع إيجار المكتبة من راتبي الشخصي ولا يهمني سوق الكتب تطور أو تراجع، فمتعتي الوحيدة هي جلوسي بين الكتب ولقاء الأصدقاء". ويتابع يحيى حديثه لـ"الترا صوت" لا أفكر مطلقًا بغلق المكتبة، لأن المكتبة والكتاب هما جزء مني، لا أستطيع أن أستغني عن الكتاب ولا الكتاب يستطيع أن يستغني عني، نحن من بعض، فالمكتبة هي الضوء اليومي الذي أستدل به، سواء من حيث المعرفة بالآخرين أو من حيث التواصل مع صدقاتي".

يحيى محمود: "لا أستطيع أن أستغني عن الكتاب ولا الكتاب يستطيع أن يستغني عني، نحن من بعض"

ويشاركه الرأي الكتبي ماجد صاحب مكتبة ماجد العلمية، وهي من أقدم المكتبات في المحافظة، تليها في القدم مكتبة ودار نيبور، التي جاءت تسميتها من اسم المدينة التاريخي، وهي من أقدم المناطق الحضارية وهي العاصمة الدينية ومقر الإله إنليل.

لصوص الكتب

رغم الوضع الاقتصادي الصعب لسوق الكتاب في المدينة، هناك ظاهرة يعاني منها أصحاب المكتبات ويتفقون على وجودها، وهي ظاهرة سرقة الكتاب من قبل مجموعة من الشباب وهو الأمر الذي يزيد الطين بلة؛ إذ يتعرض أصحاب المكتبات إلى السرقة بين الحين والآخر، وهم عاجزون عن معالجة هذه الظاهرة التي تعرضهم إلى الخسارة المضاعفة، إذ إنهم لا يكتشفون السرقة إلا بعد مرور وقت طويل بسبب الطرق الصعبة التي يستخدمها السراق.

اقرأ/ي أيضًا: عن العلاقة بين القراءة والكتابة

يقول شاكر الزبيدي صاحب مكتبة النهضة إنه تعرض للسرقة في مرات عديدة، لكنه أحيانًا يكتشف السرقة ويغض الطرف إشفاقًا على السارق، ويتابع حديثه لـ "الترا صوت" إن الشباب الذين يسرقون يعبرون عن الوضع الاقتصادي الصعب الذين يعيشوه وبسبب غلاء أسعار الكتب العلمية الذي يوصد جميع الأبواب أمامهم إلا باب السرقة.

مكتبة نيبور

لكن الكتبي حسن أكرم يختلف مع رأي الزبيدي إذ يقول "في الثقافة العراقية هناك الكثير من الأشخاص الذين يُصرحون بسرقاتهم جهرًا، وذكروا ذلك في سيرهم، وأبرزهم الشاعر عبد القادر الجنابي، من باب التفاخر وليس بسبب وضعهم الاقتصادي الصعب".

الحديث عن سارق الكتب يجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة أمام عبارة "القراء لا يسرقون، والسراق لا يقرؤون"، فهذه العبارة أصحبت متهمة ولا تعبر عن الحقيقة، اذ تعرضت مكتبتي للسرقة خصوصًا في أول أيام العمل، فهؤلاء يحملون أقذر الصفات ويسيئون للثقافة والكتاب، هكذا يرى الكتبي صاحب بهاء ويؤكد في حديثه أن "هؤلاء لهم القدرة على تبرير أفعالهم بشتى الأساليب، فمنهم من يتخذ الأمر بطولة، والآخر يريد أن يعبر عن عبثية الحياة عن طريق سرقة الكتب، كما لا نستثني هؤلاء الذين يعيشون أوضاعًا اقتصادية صعبة تدفعهم الى سرقة الكتاب، لكن هؤلاء يعترفون في نهاية الأمر تحت ضربات الضمير ويؤدون سعر الكتاب فور أن تتوفر لهم الأموال".

 

اقرأ/ي أيضًا:

متاهات الكتب وحياة القراءة

هل المغاربة شعب لا يقرأ؟