06-أبريل-2017

الصراع الإسباني البريطاني على جبل طارق لم ينتهِ بعد(أ.ف.ب)

منطقة جبل طارق، أو كما يسميها الإسبان "خِيبرلتار"، هي منطقة تقع في شبه الجزيرة الأيبيرية التي تتكون من ثلاث مناطق ومستمعرة، هي: إسبانيا والبرتغال ومنطقة أندورا وخيبرالتار. وتبلغ مساحة هذه المنطقة من 6 إلى 7 كيلومترات مربعة، فيما يبلغ مجموع سكانها حوالي 32 ألف نسمة، وهي واقعة تحت السيطرة البريطانية منذ 4 آب/أغسطس 1704، وقد يتغير مستقبلها القريب بسبب مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المسماه بالبريكست.

تعد قضية الصراع السيادي على جبل طارق من مخلفات الحقبة الاستعمارية الكلاسيكية

أما كيف تحولت "خيبرلتار" من إسبانيا إلى التاج البريطاني، فتبدأ القصة من عام 1700، حيث وفاة الملك كارلوس الثاني دون أن يترك وريثًا مُباشرًا للعرش، ليرثه فيليب البوربوني حفيد لويس الرابع عشر، ويُتوّج على عرش إسبانيا باسم "فيليب الخامس". وبتتويجه بدأت حرب اصطلح على تسميتها تاريخيًا بـ"حرب الخلافة الإسبانية"، حيث ادعى ليوبولد الأول دوق هابسبرغ، أحقيته بالعرش الإسباني، فانقسمت البلاد بين طرفين أحدهما يدعم حق الأول والآخر يدعم حق الثاني. أما بريطانيا وهولندا فدعمتا دوق هابسبرغ النمساوي.

خلال 50 عامًا فقط، صوّت أهل منطقة جبل طارق أو "خيبرالتار" على مصيرهم مرتين

واستمرت الحرب 14 عامًا، وكان من نتائجها معاهدة أوترخت التي انتهت بموجبها الهيمنة الفرنسية على القارة الأوروبية، وحصلت بريطانيا على المستعمرات الإسبانية في جبل طارق أو خيبرالتار، وجزيرة مينوركا وهي إحدى جزر البليار.

وخلال 50 عامًا فقط صوّت أهل منطقة جبل طارق أو خيبرلتار على مصيرهم مرتين؛ الأولى عام 1967، حول البقاء تحت الحكم البريطاني أو الاستقلال بحكم ذاتي محلي وجاءت نتيجتها بنسبنة 99.64% لصالح البقاء تابعة لبريطانيا، ثم المرة الثانية كانت عام 2002، حول أن يكون حكم المنطقة مُشتركًا بين إسبانيا وبريطانيا، وجاءت النتيجة بانتصار "لا" من جديد بنسبة ساحقة. 

انتهاكات إسبانية متكررة

 كان البريكست، "أو استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، الذي أجرته الحكومة البريطانية في حزيران/يونيو 2016، وصوت فيه الناخبون بما نسبته 52% لصالح الخروج، سببًا في كثير من الأزمات المتلاحقة والتعقيدات التي تواجهها بريطانيا عالميًا، ومنها مشكلة الوضع المعقد لمنطقة جبل طارق. فقد وضع البريكست بريطانيا مرة أخرى في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي. وإحدى هذه المواجهات -ولن تكون آخرها على ما يبدو- دفاع الخارجية البريطانية عن قرار البحرية الملكية بطرح إحدى السفن الإسبانية (دورية إنفانتا كريستينا)، بعد توغلها في المياه الاقليمية المتنازع عليها في جبل طارق.

اقرأ/ي أيضًا: معركة استقلال اسكتلندا.. هواجس البريكست          

هذه الإغارات من قبل الإسبان تكررت قبل ذلك، ومرّت دون جلبة، لكن دور جبل طارق في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كفلت المواجهة عبر وسائل الإعلام، بخاصة بعد أيام من اقتراح زعيم حزب المحافظين السابق مايكل هوارد بأن تكون رئيسة وزراء بريطانيا الحالية تريزا ماي مستعدة للذهاب إلى الحرب لحماية المضيق، كما فعلت مارجريت تاتشر مع جزر فوكلاند.

أما الديبلوماسيون البريطانيون ، فقد خففوا بشكل عام من تأثير هذه الحوادث، ولا يرونها تهديدًا يُقوّض مُطالبة بريطانيا باستمرار السيادة البريطانية على جبل طارق، لكن حكومة جبل طارق البريطانية لم تُعجبها الاختراقات الكثيرة التي تُنفّذها البحرية الإسبانية للمياه الإقليمية. ففي آب/أغسطس 2015، اتهم رئيس وزراء جبل طارق فابيان بيكاردو الحكومة الإسبانية، بارتكاب "انتهاكات فاحشة" للسيادة البريطانية بإرسال قوارب وطائرات هليكوبتر إلى مياه بريطانية.

يعبر مضيق جبل طارق يوميًا 250 سفينة وناقلة شحن عملاقة، أي ما يُقارب سدس التجارة العالمية، و5% من تجارة النفط العالمية

كما أعرب فابيان بيكاردو عن دهشته وفزعه، بعد أن نفذت الشرطة الإسبانية عدّة عمليات توغّل في المياه البريطانية، بينما كانت تطارد من أسمتهم مجرمين. وساعدت قوات البحرية الملكية على مرافقة فريق وحدة مكافحة المخدرات وغسيل الأموال التابعة للشرطة الإسبانية، خارج المياه البريطانية بعد الحدود الدولية. وقبل عام، تعطلت سفينة حربية إسبانية أثناء تدريبات القوات البريطانية المظلية، قبل أن تُخرجها قوات البحرية البريطانية الملكية من المنطقة. وفي آب/أغسطس 2013، اضطرت زوارق الجيش والشرطة البريطانية إلى دفع أسطول من 38 سفينة إسبانية، كانت تسعى إلى اختراق حاجز معدني أقامته حكومة جبل طارق لحماية مخزونها السمكي في المنطقة.

بعض الصحف الإسبانية الهامّة استقبلت تصريحات الحرب البريطانية على محمل الجد، في الوقت الذي قللت فيه تريزا ماي نفسها من أهمية هذه التصريحات، مكتفية بإعلان التمسك بالخيار التفاوضي، مع أهمية التأكيد على بريطانية المضيق ومياهه الإقليمية. وعلى ما يبدو فإن المنطقة ستشهد مواجهات أكثر خلال الأيام المقبلة، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية؛ فهي بمثابة همزة وصل أساسية بين أوروبا وإفريقيا وبين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. ويعبر المضيق يوميًا حوالي 250 سفينة وناقلة شحن عملاقة، أي ما يقارب سدس التجارة العالمية وقرابة 5% من تجارة النفط العالمية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إليزابيث الجميلة تقدمت بالعمر وتتهاوى إمبراطوريتها

الربيع الأوروبي.. بداية لتفكيك القارة العجوز