29-مارس-2019

اختبرت الضربات الإسرائيلية لحلب ردة فعل إيران والنظام السوري بشأن ملف الجولان (تويتر)

الترا صوت – فريق التحرير

دخلت الحرب السورية مرحلًة جديدة من الصراع الإقليمي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا سيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة في جنوب سوريا الذي يشهد تواجدًا عسكريًا للميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران. وفيما بدأت ردود الدول الغربية بإصدار بيانات ترفض القرار الأمريكي، قامت إسرائيل بتوجيه ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية للميليشيات الإيرانية في مدينة حلب.

 عززت الضربة الجوية الإسرائيلية لحلب وعدم رد النظام السوري بالاشتراك مع طهران عليها، من حسابات تل أبيب فيما يرتبط بمرسوم سيادتها على هضبة الجولان المحتل 

إسرائيل تؤكد تفوقها على إيران في سوريا

شنت مقاتلات إسرائيلية في وقت متأخر من مساء الأربعاء ضربات جوية استهدفت مخزنًا كبيرًا للذخيرة، ومركزًا للإمدادات اللوجستية في المنطقة الصناعية في الشيخ نجار بضواحي مدينة حلب تتبع للميليشيات الإيرانية، ووفقًا لوكالة رويترز فإن هذه الضربة الثانية في أقل من عام التي تستهدف فيها إسرائيل منشآت عسكرية للميليشيات الإيرانية في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.. خلفياته ودوافعه

وعلى الرغم من تقليل النظام السوري من أهمية الضربات الجوية الأخيرة، بعدما أعلن في بيان صادر عنه اقتصار "الأضرار على الماديات"، فإن الضربات أسفرت عن انقطاع التيار الكهربائي عن كامل مدينة حلب. كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات أسفرت عن مقتل سبعة عناصر تابعين للميليشيات الإيرانية. هذا وتعتبر مدينة حلب واحدة من المدن السورية التي تشهد نفوذًا كبيرًا لمقاتلي الحرس الثوري الإيراني الذي يدعم الميليشيات الأجنبية والمحلية فيها، بالإضافة للشرطة العسكرية الروسية.

على عكس الضربات السابقة التي كانت إسرائيل في بعض الأحيان تفضل الصمت عقب تنفيذها، أكد القائم بأعمال وزير الخارجية يسرائيل كاتس الخميس وقوف تل أبيب وراء الضربات الجوية، مشيرًا إلى أن العملية "شكلت تحديًا كبيرًا"، ما يدل على أن إسرائيل ماضية في استهدافها للمنشآت العسكرية التابعة لإيران في سوريا رغم توتر الأجواء السياسية بعد القرار المرتبط بهضبة الجولان المحتل.

إيران تعزز حضورها العسكري في سوريا

في النظر لتوقيت الضربات الإسرائيلية، بمعزل عن قرار ترامب الأخير حول هضبة الجولان المحتلة، فإنها جاءت بالتزامن مع صدور تقارير صحفية تتحدث عن تزايد ملحوظ للنفوذ الإيراني في سوريا، فقد كشف تقرير لصحيفة ذي تايمز البريطانية أن إيران بدأت تستعد للسيطرة على ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط، وهو الميناء التجاري الرئيسي في سوريا حيثُ يضم 23 مستودعًا.

وبحسب الصحيفة البريطانية فإن ميناء اللاذقية سينتقل للإدارة الإيرانية اعتبارًا من تشرين الأول/أكتوبر القادم، وسيكون بمثابة طريق تجاري في البحر المتوسط يربط بين إيران والعراق وسوريا، وقد تستخدمه إيران طريقًا بديلًا لنقل الأسلحة للميليشيات الأجنبية التي تدعمها في سوريا، ما يرجح إمكانية شن ضربات إسرائيلية تزيد من حدة التوتر بين إيران وروسيا الحليفين الرئيسين لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بسبب العلاقات الاستراتيجية التي تربط موسكو مع تل أبيب.

أما خلال الأيام الماضية فجرى تداول صورة لأمر إداري صادر عن المدير العام للشركة العامة لمرفأ اللاذقية أمجد سريع سليمان بتاريخ 26 شباط/فبراير الماضي، تضمن تشكيل فريق عمل استشاري مهمته إجراء مباحثات مع إيران لإعداد "عقد مسودة لإدارة المحطة (ميناء اللاذقية) من قبل الجانب الإيراني".

وتحدث تقرير ثاني نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن تزايد النفوذ الإيراني في مدينة دير الزور شرق سوريا على الحدود السورية – العراقية، لكن تزايد نفوذها، في المنطقة التي كانت خاضعة في وقت سابق لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية - داعش، جاء مختلفًا من خلال دفعها بسكان المنطقة للتشييع.

فقد أشار تقرير الصحيفة الأمريكية إلى أن طهران تقوم بتقديم المساعدات الغذائية والأدوات المنزلية للسكان والتعليم المجاني وأماكن للسكن، وتعرض عليهم الانضمام لفيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، وحصولهم على بطاقة هوية تخولهم المرور على الحواجز بدون تفتيش، بالإضافة لمبلغ 200 دولار أمريكي شهريًا، شريطة تحولهم للمذهب الشيعي.

وتسعى إيران من خلال هذه العملية لتوطيد نفوذها في المنطقة مما يسهل مهمتها في إنجاز الجسر البري الذي تسعى لإنشائه مع لبنان مرورًا بسوريا والعراق، واستخدامه مستقبلًا لنقل الذخيرة والسلاح لحزب الله اللبناني، فقد أعلنت طهران في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أنها بدأت تشييد مشروع سكة حديد شلمجه – البصرة استكمالًا للخط السككي الذي سيربط مع العراق وصولًا إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط.

لكن.. ماذا عن الضربة الإسرائيلية؟

إذا ما نظر في توقيت الضربة الإسرائيلية فإنها تأتي في عدة سياقات تدخل ضمن حسابات تل أبيب أكثر من أي طرف آخر، فهي جاءت بعد أيام قليلة من إصدار ترامب لقرار سيادة تل أبيب على هضبة الجولان المحتل لتستكشف الرد السوري – الإيراني على القرار، الذي سمح كالعادة باسم "الاحتفاظ بحق الرد" للمقاتلات الإسرائيلية باختراق الأجواء السورية، وتنفيذ الضربات الجوية متى أرادت طالما أن النظام يحتفظ بالسلطة في البلاد التي قسمتها الحرب.

ورغم أن الضربة الجوية لا تعطي إشارات إلى تصعيد عسكري قريب بين طهران والنظام السوري من طرف، وإسرائيل من طرف آخر، فإنها في مقابل ذلك قد تقود المنطقة لصراع عسكري غير معروف العواقب في حال قررت طهران كسر صمتها، ويدلل على ذلك وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني للحرب بأنها ستكون "أم الحروب"، بالإضافة لتراجع ترامب عن قرار سحب القوات الأمريكية من شرق سوريا أو قاعدة التنف العسكرية في جنوب البلاد.  

 

كما يأتي التزام موسكو بالصمت حيال الضربات الجوية الإسرائيلية ليؤكد التقارير السابقة التي تحدثت عن توافقها مع تل أبيب للحد من تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، نظرًا لتضارب مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية مع طهران، وكانت موسكو قبل عامين قد منعت النظام السوري من تأجير منطقة وادي قنديل شرق اللاذقية لطهران لمدة 99 عامًا.  

اقرأ/ي أيضًا: الجولان المُحتل.. 50 عامًا من الوهم

لكن روسيا في مقابل ذلك لا تزال تحاول الحفاظ على حلفها مع إيران التي تشترك معها في الاصطفاف الراهن أمام الولايات المتحدة، فقد أشار تقرير روسي إلى أن رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتياهو قدم مقترحًا يدعو لتسوية بين موسكو وواشنطن تمهيدًا لإخراج إيران من سوريا لكن المقترح قوبل بالرفض من الجانب الروسي.

في النظر لتوقيت الضربات الإسرائيلية فإنها جاءت بالتزامن مع صدور تقارير تتحدث عن تزايد ملحوظ للحضور الإيراني في سوريا

وبالتالي فإن الضربة الجوية الإسرائيلية أكدت على أن عدم رد النظام السوري بالاشتراك مع طهران عليها، جاء ضمن حسابات تل أبيب فيما يرتبط بمرسوم سيادتها على هضبة الجولان المحتل أولًا، وأن طهران غير مقدمة على أي تصعيد عسكري معها خلال الفترة القادمة ثانيًا، والذي يمكن تفسيره باستمرارية عملها على تمتين نفوذها في المنطقة، أما من الجانب الروسي فإنه يأتي لصالح محاولات موسكو المتزايدة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، من دون قطيعة كاملة بين الحليفين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 مراسلات الأسد-كيري.. انطلاق الثورة السورية أحبط التفاوض مع نتنياهو

ليبرمان: سكان "شمال إسرائيل" سيشعرون بالأمان بعد عودة الأسد إلى الحدود