27-مارس-2019

في أحد شوارع مجدل شمس المحتلة (جالا مرعي/Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الإثنين 25 أذار/مارس 2019، رسميًا اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، في خطوة جديدة تدفع بالشرق الأوسط للمزيد من التوتر وترقب التصعيد، الذي ربما يتقلد مقاليد عسكرية في المنظور القريب. كما تزيد هذه الخطوة من الانقسام الدولي حول سياسة واشنطن أحادية الجانب في المنطقة، التي تشهد أساسًا انقسامًا نتيجة الصراعات العسكرية الدائرة في الوقت الراهن.

لهضبة الجولان المحتلة  أهمية إستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي كونها تعزز تفوقه أمنيًا وعسكريًا في المنطقة، فضلًا عن الموارد الاقتصادية التي تدرها على خزينته إلى جانب الأمن المائي

الجولان السوري "هدية" ترامب لحكومة نتنياهو

رغم التصريحات الدولية المنددة بتغريدة ترامب حول الاعتراف بإسرائيل صاحبة سيادة كاملة على هضبة الجولان المحتلة، فقد مضى الرئيس الأمريكي بتنفيذ قراره خلال زيارة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كان يجريها للبيت الأبيض، وبعد توقيع المرسوم قام ترامب بتسليم القلم الذي وقع به لنتنياهو قائلًا: "أعطِ هذا لشعب إسرائيل"، لتدخل المنطقة مرحلة جديدة من الصراع العربي–الإسرائيلي.

اقرأ/ي أيضًا: الجولان المُحتل ضمن قائمة هدايا ترامب ونتنياهو

ردًا على مرسوم ترامب الأخير، نددت الأمم المتحدة بالقرار الصادر عن البيت الأبيض، مشددة على أن قرارها حول الجولان لن يتغير، فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستنقل قضية الجولان للأمم المتحدة، واعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن القرار الأمريكي مخالف للقوانين الدولية والمقررات الأممية بشكل أحادي.

أما في روسيا فقد حذر الكرملين من التداعيات السلبية التي سيجلبها قرار ترامب على المنطقة، وهو ما يعكس اتفاقًا بين الأطراف الدولية الفاعلة بشكل واضح في الشأن السوري، على الرغم من تضارب مصالحها الإستراتيجية في سوريا، ويضع واشنطن مرة ثانية أمام خيارات متشابكة بالنظر لدعمها غير المحدود المقدم لحكومة نتنياهو، حيثُ رد الأخير على القرار بقوله: "مرّت 50 عامًا حتى حصلنا على هذا الاعتراف"، واصفًا زيارته الأخيرة لواشنطن بـ"التاريخية".

إستراتيجية اعتراف ترامب

تحوز هضبة الجولان المحتلة على أهمية إستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي كونها تعزز تفوقه أمنيًا وعسكريًا في المنطقة، فضلًا عن الموارد الاقتصادية التي تدرها على خزينة الحكومة الإسرائيلية، وتجعلها آمنة من أي أزمة مائية.

من ناحية جغرافية، تقع هضبة الجولان بين نهر اليرموك الذي يشكل جزءًا من الحدود السورية–الأردنية من الجنوب وجبل الشيخ الذي يشكل القسم الأعلى من سلسلة جبال لبنان الشرقية شمالًا، وتشكل المنطقة ممرًا مائيًا لنهري الحاصباني وبانياس، ما يجعل إسرائيل تعتمد في تأمين ثلث احتياجاتها من المياه على نهر الأردن والمياه الجوفية في الجولان، بالإضافة لإنتاجها 21% من الكرمة والنبيذ، و40% من لحوم الأبقار ومشتقات الحليب، فضلًا عن التفاح والكرز وغيرها من المنتوجات الزراعية.

كذلك يتميز موقعها بأهمية عسكرية وأمنية للجيش الإسرائيلي، فمن خلال سيطرته على الهضبة يمكنه رصد مدينة دمشق التي تبعد عن هضبة الجولان نحو 60 كم فقط، وباقي المدن وسط وغرب فلسطين المحتلة، وتعطيه إطلالة على مدن الأردن ولبنان.

ما هي تبعات قرار ترامب على المنطقة؟

تعطي تبعات المرسوم الأمريكي الذي اعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة عدة معطيات، تؤكد على أن قرار ترامب، على عكس ما يُروج له أمريكيًا، لا يصب في مصلحة تعزيز السلام في المنطقة العربية، إن كان من جانب الصراع العربي–الإسرائيلي أو من جانب الصراع السوري–السوري الذي لا يبدو أنه يشهد أي انفراج في العملية السياسية على المدى القريب. ومن حيث النتائج، فإن هذه المعطيات تتضمن ما يلي:

  • لم تختلف ردة فعل النظام السوري عمّا نتج من ردود أفعال سابقة على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية خلال السنوات الفائتة، فالرد العسكري يحتاج لتوافق بين الأطراف الداعمة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، والتي تشهد انقسامًا حادًا في المصالح المشتركة هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن النظام السوري يحشد في الوقت الراهن قواته على أطراف محافظة إدلب التي يسعى لاستعادة السيطرة عليها، وتمثل حاليًا أولوية على قائمة أجنداته الداخلية. كما لم يتفوق الرد السياسي لنظام بشار الأسد عن ردود أي دولة أخرى، غير ذات شأن بالجولان، لتأتي دعوةمتأخرة جدًا من طرفه لجلسة مجلس امن لا يعول على الخروج منها بأي نتيجة عملية، ولا حتى انتصار سياسي.
  • من المنظور القريب فإن الرد الإيراني لم يحمل أي تحرك ميداني، بل وأتى مكبلًا بتوافقات روسيا وتل أبيب والنظام السوري، هذا في الساحة السورية، أما في لبنان فلا يتوقع الإقدام على أي تحرك عبر حزب الله نظرًا لحساسية الواقع القائم والقرارات الدولية التي لا ينوي حزب الله خرقها في المدى المنظور كما يبدو. إذ لا يتوقع استخدام إيران لحزب الله اللبناني للرد على ضم هضبة الجولان المحتل، لأن لبنان لا يمكنه تحمل تكاليف حرب جديدة، خاصة مع وجود المخيمات التي تؤوي اللاجئين السوريين على أراضيه. وفي حالة دخول حرب جديدة، فإن المنطقة ستشهد حركة نزوح كبيرة لا يمكن للدول الغربية تحمل نتائجها. كما أن طهران في هذه المرة اكتفت بالرد على لسان الرئيس حسن روحاني، وهو ما يعطي انطباعًا أن إيران تبدو أكثر حرصًا على عدم التصعيد الكامل في تناقضاتها مع روسيا، كما لا تنتوي إيران الانجرار لحرب في جنوب سوريا، خاصة أن المحور الروسي–الإسرائيلي يشهد حاليًا تقاربًا في المصالح، بعد توافقهما على انسحاب القوات الأجنبية من سوريا. لكن إيران في الوقت عينه أطلقت العنان لحلفاءها في العراق مثلًا، للتنديد والتحشيد ضد القرار الأمريكي. وهو ما يصب بلا شك فيصالح ملف صراعها مع واشنطن بشأن العقوبات وبشأن الورقة العراقية بمجملها. 
  • على الجانب التركي، فإن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا تعطي انطباعًا أن أنقرة ذاهبة للتصعيد مع إسرائيل، كونها منشغلة بعدة ملفات داخلية، يأتي في مقدمتها الانتخابات البلدية التي ستجري نهاية الشهر الجاري، كما أن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على منطقة شرق الفرات تجعل الأمن القومي التركي على سلم أولويات أنقرة، ما يقلل من احتمالية الانشغال بتصعيد دبلوماسي في غير أوانه بالنسبة للقيادة التركية.
  •  تحاول روسيا أن تقف في المنتصف للحفاظ على مكاسبها التي حصدتها منذ عام 2015 عندما أعلنت رسميًا تدخلها في سوريا، كما أنها تحاول أن تبقى على مقربة من التحالف مع تل أبيب لما يعكسه هذا من أهمية في مواجهة التمدد الإيراني في سوريا، أو من جانب آخر محاولة التغاضي عن ضم هضبة الجولان المحتلة لإسرائيل، مقابل صمت واشنطن عن ضمها شبه جزيرة القرم للاتحاد الروسي. 
  • يبقى ترامب المستفيد الأكبر من توقيعه للمرسوم، إذ بالتزامن مع هذا القرار، قال ملخص تقرير المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية لعام 2016، إنه "لم يجد تواطؤًا" بين حملة ترامب الانتخابية والكرملين، كما  يبدو أن الرئيس الأمريكي سيحظى بفرص أكبر في الانتخابات القادمة، عبر تطمين قطاع واسع من اللوبيات إلى أن أجنداتها بخير.

اقرأ/ي أيضًا: هضبة الجولان تدفع ثمن 20 سنة من المفاوضات السرية بين "الأسدين" وتل أبيب

  • يتوقع أن تقوم إيران باستخدام ورقة قطاع غزة للمناكفة والتصعيد في وجه القرار الأخير، كالصاروخ مجهول الهوية الذي ضرب تل أبيب مثلًا، وتصريحات قادة الجهاد الإسلامي غير البعيدة عن طهران، والذي ظهرت بوادره أول أمس الأثنين خلال عملية التصعيد العسكري الأخيرة، ردت عليها تل أبيب بقصف مواقع حيوية داخل القطاع المحاصر بعشرات الصواريخ الموجهة، ما ينذر بقدوم صيف ساخن على المنطقة، خاصة بعد انقضاء الانتخابات الإسرائيلية قريبًا واستقرار الكابينت الحكومي.

يبقى ترامب المستفيد الأكبر من مرسوم الجولان، عبر تطمين قطاع واسع من اللوبيات، برعاية كوشنر وغرينبلات، على أجنداتها بشأن الجولة الانتخابية المقبلة

وعلى ما ذكر من تلخيص لأبرز المعطيات التي من الممكن أن تنتج عن اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، فإنه لا يظهر أن المنطقة ذاهبة لمرحلة استقرار نسبي في المنظور القريب، إنما سيساهم القرار بتأجيج الصراع في المنطقة، ويضاعف من الانقسام بين القوى الدولية التي تسعى لبسط نفوذها في منطقة الشرق الأوسط كما سيستدعي ردات فعل من الفواعل المحلية وإن لبست بلبوس تكتيكات غير مباشرة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صفر مشاكل نتنياهو مع بشار الأسد.. الجولان جبهة "حميمة"