18-أكتوبر-2019

استغلت روسيا الفراغ الأمريكي (الأناضول)

توصلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لاتفاق يقضي بتعليق عملية "نبع السلام" في الشمال السوري مقابل إنشاء منطقة آمنة، ورفع العقوبات عن أنقرة، وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) 20 ميلًا من الحدود التركية. و تشير التطورات الميدانية في منبج والشمال السوري إلى أن انسحاب القوات الأمريكية جاء في صالح روسيا ونظام الأسد اللذين باشرا بملء الفراغ الأمريكي في مناطق سيطرة ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية. 

حقق الانسحاب الأمريكي انتصارًا كبيرًا للنظام السوري، الذي استعاد السيطرة على منطقة تقارب ثلث مساحة البلاد تقريبًا بين عشية وضحاها

مهلة لانسحاب قسد من المنطقة الآمنة

ضم البيان الذي صدر مساء أمس 13 مادة، حول شمال شرق سوريا، عقب مباحثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، وأخرى بين وفدي البلدين. وذكر البيان، أن تركيا والولايات المتحدة تؤكدان على علاقاتهما كعضوين وثيقين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأن الولايات المتحدة تتفهم هواجس تركيا الأمنية المشروعة حيال حدودها الجنوبية.

اقرأ/ي أيضًا: القوات التركية على أبواب منبج.. انسحاب أمريكي واتفاق روسي

ووفقًا للبيان، يقرّ البلدان بأن التطورات الميدانية وخاصة في شمال شرق سوريا تتطلب تنسيقًا أوثق على أساس المصالح المشتركة. وأشار إلى أن تركيا والولايات المتحدة تحافظان على تعهداتهما في حماية أراضي وشعوب الدول الأعضاء في الناتو ضد جميع التهديدات، وفق مفهوم "الجميع من أجل الفرد، والفرد من أجل الجميع".

وأكّد البيان، أن تركيا والولايات المتحدة تجددان التأكيد على تعهداتهما بحماية حياة وحقوق الإنسان والمجتمعات الدينية والعرقية. وتابع البيان أن تركيا والولايات المتحدة ملتزمتان باستمرار أعمال مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية شمال شرق سوريا. هذا يتضمن أيضًا التنسيق المناسب بشأن الأشخاص المهجرين من المناطق التي كانت سابقًا خاضعة لسيطرة "التنظيم" ومراكز الاحتجاز.

وتتفق تركيا والولايات المتحدة على ضرورة استهداف العناصر "الإرهابية" ومخابئها وتحصيناتها ومواقعها وأسلحتها وآلياتها ومعداتها فقط.

تعهد الجانب التركي بتأمين حياة وسلامة السكان في جميع الأماكن المأهولة الواقعة ضمن المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية ويؤكد أنه سيولي أقصى درجات الاهتمام لتجنب الأضرار بالمدنيين والبنية التحتية. كما أن كلا البلدين يجددان التزامهما بوحدة سوريا وسلامة أراضيها وبالحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، الرامي إلى إنهاء الصراع السوري وفقًا للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.

ويتفق الجانبان على استمرار أهمية وفعالية إنشاء منطقة آمنة لضمان القضاء على مخاوف الأمن القومي لتركيا بما في ذلك سحب الأسلحة الثقيلة من "ي ب ك" وتدمير جميع تحصيناته الحربية. وستكون المنطقة الآمنة في المقام الأول تحت سيطرة القوات المسلحة التركية وسيعمل الجانبان على زيادة التنسيق لتنفيذ جميع الجوانب المتعلقة بها.

وسيعطي الجانب التركي فاصلًا لعمليته لضمان انسحاب "ي ب ك" من المنطقة الآمنة في غضون 120 ساعة. وستتوقف عملية نبع السلام  عقب استكمال هذا الانسحاب.

منبج بيد روسيا والنظام

سارعت قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران، إلى ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الأمريكية بالتقدم في الأراضي التي كانت تقوم تلك القوات بدوريات فيها. وتقدمت قوات النظام السوري بدعم روسي سريعًا إلى داخل بلدات على امتداد المنطقة التي تسيطر عليها ميليشيا قسد، بما في ذلك مدينة منبج، وهي هدف رئيسي لتركيا قالت القوات الأمريكية يوم الثلاثاء الفائت إنها غادرتها، بحسب وكالة رويترز.

وتعليقًا على ذلك قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي من المقرر أن يزور موسكو هذا الشهر، إنه أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأن بإمكانه تحريك قواته إلى منبج، فقط في حال طرد ميليشيا وحدات حماية الشعب منها. وأضاف: "أبلغت السيد بوتين بهذا أيضًا... إذا كنتم تخلون منبج من المنظمات الإرهابية، فافعلوا، بإمكانكم أنتم أو النظام تقديم كل الإمدادات. لكن إن كنتم لن تفعلوا ذلك، فإن الناس هناك يطالبوننا بإنقاذهم". وتابع قائلًا "لا أريد التفكير باحتمال وجود اتفاق بين النظام وقسد".

ولا توجد أي مؤشرات على تراجع العملية التركية على الأرض، ويدور معظم القتال إلى الآن حول مدينتين حدوديتين هما رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف مدينة الرقة التي دخلت إليها قوات الأسد حسب وسائل إعلام موالية للنظام السوري. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، إن روسيا وعدت أنقرة بإبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يستهدفها الجيش التركي عن الجانب السوري من الحدود السورية - التركية.

وأضاف جاووش أوغلو، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أن روسيا "وعدت بألا يكون هناك وجود لحزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب على الجانب الآخر من الحدود". ومضى قائلًا "إذا أخرجت روسيا يرافقها قوات النظام عناصر وحدات حماية الشعب من المنطقة فإننا لن نعارض ذلك".

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قالت إنه يجب أن يتولى النظام السيطرة على حدودها مع تركيا ضمن أي تسوية للصراع في المنطقة فيما تواصل تركيا عمليتها العسكرية ضد قسد شمالي شرقي سوريا. ودخلت قوات النظام وروسيا مدينة عين العرب (كوباني) على الحدود مع تركيا، بموجب اتفاق مبرم برعاية روسية بين نظام الأسد وقسد مع استمرار عملية "نبع السلام".

من المستفيد من الانسحاب الأمريكي؟

قال مظلوم كوباني القائد العسكري لميليشيات قسد إن ترمب لم يعترض على اتفاق أبرمته قسد مع نظام الأسد. وأضاف "كوباني" أن روسيا ستضمن ذلك الاتفاق الذي سيمهد الطريق أمام حل سياسي يمكن أن يضمن حقوق الأكراد في سوريا.

وتابع كوباني، الذي قال إنه أجرى اتصالًا هاتفيًا مع ترامب، إن الاتفاق يلزم قوات الأسد بالانتشار في أنحاء منطقة الحدود الشمالية الشرقية مع تركيا وأن التقارير التي تحدثت عن تسليم قسد السيطرة على مناطقهم للنظام غير صحيحة.

عرضت روسيا أيضًا التوسط في الشمال السوري، مؤكدة دورها كقوة إقليمية، وذلك قبل زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس إلى تركيا لإقناع أنقرة بوقف عملية نبع السلام. كما أرسل الكريملين دعوة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال إنه "ليس لديه مشكلة" في قبول دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة موسكو قريبًا ومناقشة الملف السوري. لكن أردوغان ألقى شكوكًا في الاجتماع المزمع عقده في 13 من تشرين الثاني/نوفمبر مع ترامب، معبرًا عن غضبه من العقوبات التي فرضتها واشنطن على تركيا العضو في الناتو.

وتقول صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إن الانسحاب الأمريكي المفاجئ لقواتها دفع قسد إلى إبرام اتفاق مع النظام السوري، مما سمح لقواته بالعودة إلى مناطق في شمال سوريا خسروها في ذروة الحرب منذ 8 سنوات. كما سمح لموسكو بأن تلعب دورًا بارزًا كمحاور بين الأسد و"الأكراد" ومع الولايات المتحدة وتركيا.

في حين ترى صحيفة "واشنطن بوست" أن الضربة لمكانة أمريكا في الشرق الأوسط كانت مفاجئة وسريعة بشكل غير متوقع. ففي غضون ساعات قليلة، أجبر التقدم الذي أحرزته القوات التركية في سوريا هذا الأسبوع ميليشيات قسد إلى الانتقال إلى جانب النظام وروسيا، وفضح سنوات من سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا وإعادة تقويم ميزان القوى في الشرق الأوسط. ومع توغل قوات روسيا والأسد في البلدات والقواعد الأمريكية المهجورة، يقوم الفائزون بإحصاء الغنائم، كما تقول الصحيفة. 

وحقق الانسحاب انتصارًا كبيرًا للنظام السوري، الذي استعاد السيطرة على منطقة تقارب ثلث مساحة البلاد تقريبًا بين عشية وضحاها. وأكد قرار ترامب أن موسكو الحكم على مصير سوريا والقوة الصاعدة في الشرق الأوسط. كما بعثت التطورات الأخيرة بإشارة أخرى إلى إيران مفادها أن واشنطن ليست لديها رغبة في هذا النوع من المواجهة التي يشير إليها خطابها وأن نفوذ إيران الموسع في سوريا من المحتمل أن يمر دون تحدٍ.

ترامب يواجه الكونغرس

وفي إشارة إلى تدهور علاقة ترامب بالكونغرس بينما يجري مجلس النواب تحقيقًا يهدف إلى عزله، وصفت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي وزعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ تشاك شومر اتفاقًا بين الولايات المتحدة وتركيا لوقف هجوم أنقرة في شمال شرق سوريا بأنه "عار".

وقالت بيلوسي وشومر في بيان إن الاتفاق "يقوض بشكل خطير مصداقية السياسة الخارجية الأمريكية ويبعث برسالة خطيرة لحلفائنا وأعدائنا على حد سواء بأنه لا يمكن الوثوق في كلامنا. الرئيس (التركي) أردوغان لم يتخل عن شيء والرئيس ترامب قدم له كل شيء".

وقال زعيم الديمقراطيين في الكونغرس إن مجلس النواب سيصوت الأسبوع المقبل على حزمة عقوبات مدعومة من الحزبين ضد تركيا. وقبل ذلك انسحبت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر مما وصفوه بأنه لقاء عاصف في البيت الأبيض مع ترامب.

اقرأ/ي أيضًا: موسكو وواشنطن ترفضان إدانة عملية "نبع السلام" التركية والأسد يتهم قسد بالخيانة

وقال شومر إن ترامب وصف بيلوسي بأنها "سياسية من الدرجة الثالثة" بينما قالت بيلوسي إن الرئيس كان في حالة "انهيار". لكن الرئيس الأمريكي غرّد على تويتر متهمًا بيلوسي بأنها "تعاني من الانهيار" وأضاف أن المسؤولة الديمقراطية "نانسي بيلوسي تحتاج إلى مساعدة وبسرعة! إما أن شيئًا ما لا يعمل في عقلها أو أنها ببساطة لا تحب بلدنا".

ذهب الرئيس الأميركي إلى حد الاستخفاف بالحلفاء الأكراد الذين تخلى عنهم في وجه عملية نبع السلام التركية، ليصفهم بأنهم "ليسوا ملائكة"

وذهب الرئيس الأميركي إلى حد الاستخفاف بالحلفاء الأكراد الذين تخلى عنهم في وجه عملية نبع السلام التركية، ليصفهم بأنهم "ليسوا ملائكة"، وكذلك بمنتقديه الجمهوريين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 ماذا بعد تشكيل لجنة الدستور السوري؟