14-أكتوبر-2019

تستمر العملية التركية في سوريا مع ما بدا توافقًا روسيًا (Getty)

تسير العمليات العسكرية في الشمال السوري كما تخطط لها أنقرة، وتشير آخر تصريحات وزارة الدفاع التركية إلى تقدم القوات التركية والجيش الوطني السوري على محوري تل أبيض ورأس العين، في حين تشهد الساحة السياسية الدولية انقسامًا فيما يخص عملية "نبع السلام". بدا ذلك واضحًا في موقف الإدارة الأمريكية من خلال تصريحات وتغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في حين كان الموقف الروسي داعمًا لأنقرة خاصة في مجلس الأمن.

تستمر العملية التركية في سوريا بتحقيق أهدافها مع ما بدا توافقًا روسيًا

وأكد الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان، أن قواته في مرحلة "تطبيق قرار دخول منبح"، في سياق عملياتها ضد مواقع القوات الكردية في شمال سوريا، مشيرًا إلى عدم وجود أي خلافات مع روسيا بخصوص منطقة عين العرب "كوباني"، معتبرًا أن نظيره الروسي أبدى نهجًا إيجابيًا.

اقرأ/ي أيضًا: موسكو وواشنطن ترفضان إدانة عملية "نبع السلام" التركية والأسد يتهم قسد بالخيانة

السيطرة على الطريق الدولي

أعلنت وزارة الدفاع التركية السيطرة على الطريق الدولي (إم 4) بعد الوصول إلى عمق 30-35 كيلومتر شرق الفرات في إطار عملية "نبع السلام"، بحسب وكالة الأناضول.

وكان الحديث عن الطريق الدولي التجاري حاضرًا خلال اجتماع "سوتشي" منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، حيث اتفق الرئيسان التركي والروسي على إعادة فتح الطريقين الدوليين M4-M5 اللذين يصلان حلب بدمشق وحلب مع اللاذقية، ورغم أن طريق حلب- عينتاب لا يخضع لهذين الطريقين؛ إلا أنه يعتبر امتدادًا لطريق حلب - دمشق حتى عينتاب التركية، مما يعني وصل الطريق من تركيا حتى الأردن.

كذلك سيطرت القوات التركية والجيش الوطني على كامل مدينة تل أبيض بريف مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وانتزعت قوات "الجيش الوطني السوري"، بدعم من الجيش التركي، أمس الأحد، السيطرة على مدينة تل أبيض بريف الرقة والعديد من القرى في محيطها وفي محيط رأس العين بريف الحسكة شمالي سورية، ووصلت إلى الطريق الدولية بعمق 30 كيلومترًا. وتستمرّ المواجهات مع مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في محاور عدة، وسط استمرار عمليات القصف التركي المدفعي والجوي على مواقع المليشيا.

وقالت مصادر من الجيش الوطني السوري لـ"العربي الجديد"، إن قوات الأخير تقدمت وانتزعت السيطرة، الأحد، على مدينة تل أبيض في ريف الرقة، وعلى بلدة المبروكة وقرى تل الجنب والسعدون والتويجيل وصالحة ووضحة وأبو جلود وأبو شاخات، في المحيط الغربي لمدينة رأس العين بريف الحسكة الشمالي بعد اشتباكات مع "قسد".

وأضافت المصادر أن "الجيش الوطني" تقدّم وانتزع السيطرة على مواقع في المحيط الشمالي لبلدة مبروكة، الواقعة شمالي غربي محافظة الحسكة، على الطريق 712 الواصل بين رأس العين وتل أبيض.وكان الجيشان الوطني السوري والتركي قد سيطرا السبت، على كامل مدينة رأس العين، كما وصلا إلى الطريق الحدودي الواصل بينها وبين مدينة تل أبيض، عقب سيطرتهما على 18 قرية في المنطقة، بمعارك أسفرت عن سقوط عشرات القتلى لـ"قسد".

انسحاب أمريكي جديد من الشمال

في خطوة جديدة أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر الأحد، أن الرئيس دونالد ترمب أمر بسحب نحو ألف جندي من شمال سوريا. وقال إسبر لشبكة "سي بي إس": "تحدثت مع الرئيس الليلة الماضية، بعد نقاشات مع باقي أعضاء فريق الأمن القومي، ووجّه بأن نبدأ بسحب (...) للقوات من شمال سورية". وهو ما رحب به الرئيس التركي اليوم الإثنين، معتبرًا أنه "خطوة إيجابية".

وأفاد الوزير لشبكة "فوكس نيوز" بأن عدد العناصر الذين سيتم سحبهم هو "أقل من ألف". وأوضح "لا يمكنني تقديم إطار زمني لأن الأمور تتبدل كل ساعة. نريد أن نضمن أن نقوم بذلك بشكل آمن للغاية ومدروس". ونفت تركيا السبت استهداف قاعدة عسكرية أمريكية في شمال سوريا بعدما قال البنتاغون إن قوات أمريكية في سوريا تعرضت لنيران مدفعية تركية.

وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لوكالة أنباء الأناضول الرسمية "لم تطلق أي نيران إطلاقًا على موقع المراقبة الأمريكية". وقال إن تركيا ردت بإطلاق النار الجمعة بعدما قصفت وحدات حماية الشعب الكردية مركزًا لشرطة الحدود التركية انطلاقًا من تلال تقع على بعد كيلومتر من موقع المراقبة الأمريكي في سوريا.

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أكدت أن انفجارًا وقع "على بعد أمتار" من موقع أمريكي قرب بلدة كوباني (عين العرب)، وحذر من أن الولايات المتحدة جاهزة للرد على أي اعتداء بـ"عمل دفاعي فوري".

وأشار أكار من جهته إلى أن "كل التدابير الوقائية الضرورية كانت قد اتخذت لمنع إلحاق ضرر بالموقع الأمريكي". وقال إن القوات التركية توقفت عن إطلاق النار "كتدبير احتياطي" بعدما تواصل الأمريكيون معها. وأضاف: "يتم على أي حال القيام بالتنسيق اللازم بين مراكز قيادتنا وبين الأمريكيين".

وبحسب وزارة الدفاع التركية فقد أسفرت العمليات منذ بدايتها عن تحييد 415 عنصرًا من عناصر مليشيات قوات سورية الديمقراطية. وكان محللون توقعوا أن يقتصر الهجوم التركي في مرحلة أولى على هذه المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، ذات الغالبية العربية خلافًا لغالبية المناطق الحدودية الأخرى ذات الغالبية الكردية، والتي يبلغ طولها أكثر من مئة كيلومتر.

وقالت صحيفة "صباح" التركية إن عملية "نبع السلام" سيتم تنفيذها على ثلاث مراحل، بدأت أولاها منذ الأربعاء الماضي. وأشارت  الصحيفة إلى أن الأيام العشرة القادمة ستكون نهاية المرحلة الأولى وفقًا لقرارات الرئيس رجب طيب أردوغان، موضحة أن المرحلة الأولى ستتقدم فيها القوات التركية بشكل متسارع حتى عمق 30 كلم.

أما المرحلة الثانية وفقا للصحيفة، فتتضمن السيطرة على كافة المناطق في شرق الفرات، بينما ستشمل المرحلة الثالثة اتخاذ خطوات تعزيزية لدعم عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم.

تركيا ترفض مقترح ترامب

شدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على رفض بلاده التفاوض مع الميليشيات الكردية، والوساطة التي طرحها زعماء بلدان أخرى في هذا الإطار. وجاء ذلك تعليقًا على مستجدات عملية "نبع السلام" المستمرة شرق نهر الفرات، خلال اجتماع عقده الأحد في إسطنبول، مع ممثلي وسائل إعلامية.

وقال أردوغان إن "هناك من يعرضون الوساطة بيننا وبين التنظيم الإرهابي، كيف أصبح هؤلاء رؤساء حكومات ودول؟ هذا ما لا يمكن فهمه". مضيفًا: "متى رأيتم دولة ما تجلس إلى طاولة المفاوضات مع منظمة إرهابية؟". والخميس الماضي، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن أمله في أن تتمكن الولايات المتحدة من "الوساطة بين تركيا والأكراد" في إشارة إلى الميليشيات الكردية.

ترامب في آخر تصريحاته اعتبر أن قسد غير قادرة على صد القوات التركية التي بدأت عملية "نبع السلام" شمالي شرقي سوريا، حسب وكالة الأناضول. وقال خلال فعالية في واشنطن، إنني "آمل أن ينسحبوا (قسد)، إذا لم يكن لديكم طائرات فمن الصعب جدًا التغلب على قوة تمتلك طائرات (في إشارة الى القوات التركية)". مشيرًا إلى أن المليشيات تميل إلى الانسحاب من الحدود التركية السورية بعمق 30 كم، وهو ما اتفقت عليه أنقرة وواشنطن لإقامة المنطقة الآمنة.

وتابع قائلًا: "تميل القوات الكردية  للانسحاب إلى عمق 22 ميلا (30 كم) على طول الحدود التركية السورية وهذا سيكون أمرًا جيدًا، دعوا (الأتراك) يتدبرون أمر حدودهم".

ولوحت واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، لكن جاووش أوغلو وزير الخارجية التركي، قال إن عملية نبع السلام تمس الأمن القومي لبلاده، وتابع "لو كنا نخشى العقوبات الاقتصادية لما أطلقنا هذه العملية". وردًا على سؤال يتعلق بالتهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة لإطلاق العملية العسكرية، قال جاووش أوغلو: "قبل كل شيء رأينا سابقًا أنه لا يمكن التوصل إلى نتيجة عبر فرض العقوبات". وأضاف أن "الولايات المتحدة سبق لها وأن فرضت عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين، ونحن رددنا على تلك العقوبات بالمثل، أي أن تركيا سترد من مبدأ المعاملة بالمثل تجاه أي إجراء سلبي تجاهها".

انقسام في مجلس الأمن

عطّلت موسكو الجمعة مسودة بيان أمريكي لمجلس الأمن الدولي يطلب من تركيا وقف عمليتها العسكرية في شمالي سوريا، كما ذكرت مصادر دبلوماسية لوكالة فرانس برس. وقال أحد هؤلاء الدبلوماسيين إن موسكو عطلت إجراءات تبني النص الذي كان يفترض أن يتم عند الساعة 19:00 بتوقيت غرينتش. وذكر دبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه أن الصين حذت حذو روسيا وعطلت الإجراءات أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد تشكيل لجنة الدستور السوري؟

وكانت مسودة البيان تكتفي في صيغتها الأصلية بالطلب من تركيا العودة إلى الطرق الدبلوماسية بدلًا من استخدام وسائل عسكرية. لكنه تم تشديد الصيغة بعد ملاحظات قدمتها دول أعضاء في مجلس الأمن في الساعات الـ24 الأخيرة.

شدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على رفض بلاده التفاوض مع الميليشيات الكردية، والوساطة التي طرحها زعماء بلدان أخرى في هذا الإطار

وفي ختام اجتماع شهد انقسامات الخميس الماضي، اقترحت الولايات المتحدة على شركائها في مجلس الأمن الدولي نصًا لا يتحدث في صيغته الأولى سوى عن "قلق عميق" ويطلب من أنقرة تغليب "القنوات الدبلوماسية" على السبل العسكرية.