12-يونيو-2019

تتمتع الانتخابات الموريتانية هذا العام بخصوصية فريدة (Getty)

ليلةٌ مفعمة بالنشاط السياسي شهدتها ولايات موريتانيا مع الانطلاقة الرسمية للحملة الانتخابية صبيحة السابع من حزيران/يونيو 2019. خصوصيةٌ فريدةٌ تُميز الانتخابات الحالية، فهي أول انتخابات ستشهد انتقال السلطة من رئيس منتخب إلى رئيس آخر منتخب، وهو ما يجعل التنافس على أشدّه، بالرغم من اختلال موازين تكافؤ الفرص بين المترشحين لكرسي الرئاسة وخلافة الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز في القصر الرمادي بالعاصمة نواكشوط، وبدون التوقف عند الشكوك بشأن نزاهة الانتخابات، أو حياد الدولة فيها.

المفارقات سمةٌ مميّزة لبرنامج ولد الغزواني الانتخابي؛ فالرجل طيلة خطابه لم يستطع التحرر من "الظل الثقيل" لرفيقه الجالس خلفه على المنصّة، فخصّص ما يربو على 7 دقائق للإشادة بالرئيس الحالي ولد عبد العزيز

6 مترشحين قدّموا برامج انتخابية، تهدف إلى إقناع الناخب الموريتاني، في ظل استطلاعات رأي متباينة ترجّح كفّة مرشّح على حساب آخر، وإن كانت المعركة الانتخابية تكاد تنحصر بين مرشّحين اثنين، هما ولد الغزواني وولد بوبكر، فقد اجتذبت مهرجاناتهم أكبر عدد من الجمهور، هذا فضلًا عن وزن الكتل السياسية والاجتماعية الداعمة لهما.

مرشح استمرار النهج

ولد الغزواني

اختار الفريق محمد ولد الغزواني، العاصمة الاقتصادية "نواذيبو" لإطلاق حملته الانتخابية، التي تميّزت بحضور رئيس البلاد محمد ولد عبد العزيز ومعظم وزراء الحكومة، تعبيرًا عن إسناد الدولة، ممثلة في السلطة التنفيذية لولد الغزواني الذي تبنّت حملته شعار "مرشّح استمرار النهج" ليكون أحد الشعارات البارزة في دعايته الانتخابية، وهو ما ظهر جليًا في خطابه الذي ألقاه في انطلاقة الحملة، والذي استمر زهاء أربعين دقيقة، استعرض فيها أهم محاور برنامجه الانتخابي.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| ولد مولود: لا توجد أرضية نزيهة لانتخابات موريتانيا والمقاطعة ليست حلًا

المفارقات سمةٌ مميّزة لبرنامج ولد الغزواني الانتخابي؛ فالرجل طيلة خطابه لم يستطع التحرر من "الظل الثقيل" لرفيقه الجالس خلفه على المنصّة، فخصّص ما يربو على 7 دقائق للإشادة بالرئيس الحالي ولد عبد العزيز، حتى بدا للسامع أن ترشّحه ما هو إلا منّة من ولد عبد العزيز، وربما في أسوأ الحالات كان أمرًا له بالترشح.

وعندما بدأ في عرض برنامجه كانت عشرية ولد عبد العزيز أيضًا جاثمة بثقلها عليه، فمع حديثه عن الصحة أو التعليم أو أي مجال من مجالات التنمية، كان يجد نفسه مرغمًا على تثمين ما وصفها بالإنجازات الكبيرة في تلك القطاعات، حتى بدا برنامجه الانتخابي فارغًا من أي محتوى جديد. فلم يستطع التحدّث عن الفساد المالي والإداري، لأن ذلك يعني توجيه اتهام مباشر لرفيقه ولد عبد العزيز وحكومته التي كان ولد الغزواني ركنًا أساسيًا فيها من خلال منصبه في قيادة الجيش ووزارة الدفاع، كما لم يستطع تقديم أي التزام يتعلق بالمحاسبة فيما يخص الفترة السابقة، وهي الفترة التي تحوم حولها اتهامات كبيرة بالفساد وصلت حدّ الإدانة في وقائع وملفّات بعينها.

حتى الالتزامات الطموحة في برنامجه، ومنها فكرة المدرسة الجمهورية التي يتلقى فيها جميع أبناء الموريتانيين تعليمهم الأساسي، لم يستطع المُضي بها قُدمًا في كلامه، حيث اعتبرها إنجازًا بعيد المنال في المأمورية الأولى. وهو ما يُمكن القول معه إن ولد الغزواني لم يُقدّم برنامجًا انتخابيًا بقدر ما قدّم حصّة دعائية للرئيس الموريتاني الحالي ولد عبد العزيز. ولذلك اعتبر المراقبون لخطابه أنه لم يأت بجديد ولم يستطع التحرر من عقدة الرفيق وأنه ربما سيبقى وفيًّا لمكانه في الخلف، وأن انتقاله إلى الواجهة هو انتقال شكلي وليس انتقالًا فعليًا لممارسة السلطة بحرية. فهل نجح ولد عبد العزيز في العثور على ضالّته التي تمكّنه من الحكم من وراء الكواليس؟

الآن.. الآن وليس غدًا

بخلاف مرشّح النظام ولد الغزواني اختار مرشح المعارضة سيدي محمد ولد بوبكر العاصمة السياسية نواكشوط ليبدأ حملته الانتخابية، وقد اكتفى بإلقاء خطاب مقتضب وسط حشد شعبي كبير.

بعد وصفه عشرية ولد عبد العزيز بعشرية "الشخصنة القويّة" التزم ولد بوبكر بعشر تعهّدات حال فوزه في انتخابات الشهر الجاري. أبرزها: إعادة توزيع الثروة بشكل عادل، خلق آلاف فرص العمل للشباب، منح التعليم الأولوية، القطيعة مع الفساد ومراجعة البنية المؤسسية بتعزيز الفصل بين السلطات وقطع الطريق أمام أي نزعة استبدادية، وتخفيف وطأة الضريبة وتأسيس نظام جديد لخدمة عمومية تليق بالمواطن الموريتاني، هذا بالإضافة إلى تسوية ملف الإرث الإنساني بمحاربة العبودية ومعالجة رواسبها الاجتماعية والاقتصادية.

 لكن ما بقي عالقًا في هذا البرنامج، وانتظره الكثيرون، هو برنامج المرشّح حول علاقات موريتانيا الخارجية، والتي شهدت في الفترة الأخيرة تحوّلات كبيرة، نقلت موريتانيا من وسيط النزاعات إلى طرف في العديد منها، خاصة في الأزمة الخليجية.

تجنّب المرشّحون بقصد ملف العلاقات الديبلوماسية، وانصبّ تركيزهم على الأوضاع الداخلية التي تُلقي بثقلها المباشر على أوضاع المواطن الموريتاني، لكن سُمعة موريتانيا الدولية وعلاقاتها الخارجية تلعب دورًا قويًا في أوضاع التنمية الداخلية وفُرصها، خاصّة مع الدول التي تربطها علاقات اقتصادية قوية بموريتانيا في مجالات الصيد البحري والمعادن والطاقة.

تقدّمي بلا ظهير شعبي

إنه محمد ولد مولود مرشّح حزب اتحاد قوى التقدم وحزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي يحظى بتاريخ سياسي عريق في النضال ومقارعة الأنظمة السياسية العسكرية التي حكمت موريتانيا منذ نهاية السبعينات. مثّلت كلمة التحرير مفتاح خطابه، فتحدث عن معركة التحرير ومسيرة التحرير، معتبرًا نفسه رجل تحرير موريتانيا من الاستعباد الذي رزحت تحته طيلة حكم ولد عبد العزيز.

 توجّه ولد مولود في خطابه إلى الطبقات المسحوقة من العمال والفلاحين والعاطلين والمزارعين والمنمّين.. فوعدها بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية تُحجّم من الفوارق الاجتماعية، وذلك عبر سياسة تدخُّليّة عاجلة، وتخفيض أسعار المواد الأساسية، ورصد 100 مليار من الأوقية لتقليص البطالة، وإحداث ما أسماه بمشروع السكن الاجتماعي، وفي الجانب السياسي وعد المرشح التقدمي بإعادة النظر في صلاحيات رئيس الجمهورية بتقليصها والحد منها حتى لا تقع البلاد فريسة للدكتاتورية والاستبداد من جديد. لكن حملة ولد مولود تميّزت بحضور ضعيف، اقتصر فيما يبدو على قواعد الحزب الشعبية، في ظل تقاعس الأحزاب الداعمة له، وعلى رأسها حزب التكتل، عن الحشد الجماهيري له. فهل ينعكس ذلك على التصويت وتصدق التكهنات والاستطلاعات القائلة بأن ولد مولود لن يحصل على نسبة تتجاوز خمسة في المئة من أصوات الناخبين؟

انعتاقي يُقارع النظام والمجتمع

ما يزال بيرام ولد الداه يستند إلى رصيده الحقوقي من النضال في خوض السياسة، ويبدو أن لصوته صدى كبيرًا، فقد استقبلته العاصمة الاقتصادية بحشد جماهيري كبير، عبّر عن حجم الدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به، والذي يبدو أنه في ازدياد، فقد سبق لبيرام ولد اعبيد أن خاض السباق الرئاسي في العام 2014 وحلّ ثانيًا في تلك الانتخابات التي قاطعتها المعارضة الموريتانية.

اقرأ/ي أيضًا: فوضى أحزاب موريتانيا.. تعددية غير ديمقراطية

المساواة والإنصاف ومحاربة الظلم ومجابهة ما يسميهم بيرام الاستعباديين.. كلمات مفتاحية في خطاب حملة بيرام، وهي عبارات تزيد من وهجه مع مرور الوقت، نتيجة لتشكيل الحراطين، الأرقاء السابقين، لغالبية الشعب الموريتاني. فهل يكون ولد اعبيد مفاجأة انتخابات الثاني والعشرين من حزيران/يونيو 2019؟

6 مترشحين قدّموا برامج انتخابية، تهدف إلى إقناع الناخب الموريتاني، في ظل استطلاعات رأي متباينة ترجّح كفّة مرشّح على حساب آخر، وإن كانت المعركة الانتخابية تكاد تنحصر بين مرشّحين اثنين

أما المرشّحين الباقيين: كان حاميدو بابا والمرشح الشاب محمد الأمين المرتجي فقد كانت حملتهما الأقل زخمًا، ويبدو أنهما بالفعل جزء من الديكور الانتخابي لا أقل ولا أكثر، فالشاب ولد المرتجي وجه جديد على الساحة السياسية الموريتانية، وهي ساحة لا تعترف غالبًا بالجديد، أمّا كان حاميدو بابا فمقتضيات التعددية العرقية الشكلية هي التي تقف وراء ترشّحه، وإن كان الكثيرون يعتبرون أنه ليس أفضل من يُعبر سياسيًا عن زنوج موريتانيا في ظل وجود "حركة أفلام" التي عادت إلى موريتانيا بعد عودة رموزها من المنفى.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موريتانيا بين جنرالين

موريتانيا.. الراب في مواجهة النظام