09-يونيو-2019

محمد ولد مولود (ألترا صوت)

يسابق السياسي الموريتاني المخضرم محمد ولد مولود الزمن لخوض غمار الانتخابات الرئاسية القادمة، حاملًا معه التزامًا نضاليًا ومكانة معرفية، كما يقول مؤيدوه. الدكتور في التاريخ هو أحد أبناء وقادة "حركة الكادحين"، من أوائل الحركات التقدمية في موريتانيا. وهو نائب برلماني حاليًا. وينافس ولد مولود في هذه الانتخابات مرشحين آخرين منهم: كان حاميدو بابا، وهو مرشح لبعض القوى الزنجية، بالإضافة للحقوقي والبرلماني بيرام الداه ولد أعبيدي المدعوم من "حزب الصواب" البعثي وقوى موريتانية وطنية أخرى، ومحمد ولد الغزواني وهو القائد السابق لأركان الجيوش الموريتانية، ومرشح رأس السلطة الحالية محمد ولد عبد العزيز، وسيدي محمد ولد بوبكر وهو وزير أول سابق ومدعوم من طرف "حزب تواصل" الإسلامي، بالإضافة لمرشح شاب ومستقل اسمه محمد الأمين ولد المرتجى الوافي. وتنظم هذه الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو الجاري.

ولد مولود: لا توجد أرضية صالحة لتنظيم الانتخابات بشكل نزيه في موريتانيا، وكنا نطالب بحياد الإدارة وحياد الدولة لأن الدولة في ما مضى كانت دومًا هي الناخب الأول، فإذًا كيف يمكنك منافسة الدولة؟

 يترشح ولد مولود بدعم من "تحالف قوى التغيير الديمقراطي"، وهو  تشكيل معارض مكون من حزبه "اتحاد قوى التقدم"، وحزب "تكتل القوى الديموقراطية"، وحزب "الاتحاد الوطني من أجل التناوب الديمقراطي"، وبعض الحركات الشبابية، وقوى سياسية أخرى متنوعة.

اقرأ/ي أيضًا: ناشطون محرومون من الحرية والعلاج في موريتانيا

حكاية ولد مولود.. مسار من الطرد والمقاومة

ولد محمد ولد مولود عام 1953 في مدينة تجكجة وسط موريتانيا، حيث ترعرع وأخذ تعليمه الأساسي، ثم انتقل إلى العاصمة نواكشوط لمتابعة دراسته الثانوية، لكنه طرد من الدراسة سنة 1972، على خلفية دوره في الإضرابات الطلابية التي قادتها اللجنة المؤقتة للعمل المدرسي الثانوي . (CPASSE) إلا أنه عاد لمقاعد الدراسة، ثم أتم تعليمه في جامعة دكار حيث نال دكتوراه في التاريخ سنة 1986، وفي سنة 2000 ناقش أطروحة دكتوراة في جامعة السوربون بباريس. وهو أستاذ  في جامعة نواكشوط منذ 1986 ولا يزال.

انضم إلى الحركة الوطنية الديمقراطية حركة الكادحين (MND) 1969 وكان في سنته الثالثة من الإعدادية، وترقى فيها حتى  اُنتخب رئيسًا لها عام 1976، وواصل قيادتها حتى 1998، وهي السنة  التي اتخذ فيها قرار حلها، وتأسيس حزب اتحاد قوى التقدم، وانتخب لقيادته أيضًا في مؤتمر 1998 وأعيد انتخابه خلال مؤتمري 2005 و2012 .

يستذكر ولد مولود تاريخه وتاريخ الحركة في حوار حصري مع "ألترا صوت"، بشيء من الحنين والفخر: "أنا أعتز بتاريخ الشبيبة الموريتانية الوطنية التقدمية الثورية، وبكوني جزءًا منه، وهي الحركة التي ساهمت في تطوير المجتمع وناضلت من أجل قيم العدالة الاجتماعية والمساواة والوحدة الوطنية، من زاوية أنها حراك شبابي في السبعينات الفائتة، ونشرت قيم الوحدة الوطنية وغيرها من الأفكار النبيلة، وهي القيم التي نتبنى اليوم في حزب اتحاد قوى التقدم. إذًا الحزب أخذ من هذا التاريخ وتلك التجربة كل تلك الجوانب النيرة، وفي الوقت نفسه هو حزب تقدمي منفتح على كل المجتمع، متشبث بتلك المبادئ والقيم ومنحاز للفئات والطبقات المظلومة. هذا هو حال الحزب الذي شكلنا بعد تجربة الكادحين مع غيرنا من الوطنيين الذين يرنون إلى تغيير الأوضاع في موريتانيا، ونحن حزب وطني ووحدوي، ويريد تغيير المجتمع نحو المساواة والعدالة الاجتماعية".

ويشرح ولد مولود نظرته الشخصية ورؤية الحزب الذي يقود: "حين يقول الشخص أننا يساريون بالمفهوم التقليدي، أي أننا منحازون للمستضعفين، فقد صدق. لكننا لسنا يساريين بالمفهوم المشرقي أي أننا ماركسيون أو شيوعيون، ويجب أن ننعت بما نصف به أنفسنا وهو أننا تقدميون، والمرجع في ذلك هي نصوص حزبنا التي اجتمع عليها أعضاء الحزب وكذلك ممارسته وخطابه، ولا يجب أن ننعت بما لا يرد في خطابنا ولا نصوص حزبنا، وغير ذلك تحامل ومحاولة للتشويه". وهو يجيب فيما يبدو هنا، عن محور إشكالي أثار كثيرًأ من اللغط والانتقاد من طرف شبيبة الحزب، بسبب ما يقال إنه تنكر للهوية الأيدولوجية، من أجل إنجاز خطاب شعبي أكثر رواجًا.

ملامح من أولويات ولد مولود وبرنامجه الانتخابي

رغم أنه تم وضع الخطوط العريضة له في ليلة الحملة الانتخابية في السابع من شهر حزيران/يونيو الجاري، لم يعلن ولد مولود بعد عن برنامج انتخابي وذلك عائد لتأخر إعلان ترشحه حسب قوله، فلا يزال قيد الكتابة، ويبرر ذلك بالقول: "تأخر إعلان ترشحي بسبب انشغالي بمحاولات خلق مرشح موحد للمعارضة، وحين فشلت تلك المساعي، بدأنا في حزب اتحاد قوى التقدم، بالإضافة لأحزاب سياسية أخرى معارضة، التفكير في الترشح من أجل تقديم نهجنا وما يمثلنا وهو ما أخر لحد الآن خروج برنامجي الذي لا يزال في طور الإعداد ولم يكتمل بعد، لكن بالطبع لدي اهتمامات خاصة وأولويات سيبنى عليها هذا البرنامج".

وتابع حديثه مع "ألترا صوت" عن برنامجه وأولوياته، قائلًا إن "من أهم محاور برنامجي هو المحافظة على  الوحدة الوطنية، فكما هو معروف أن المجتمعات ذات الأعراق والثقافات المتعددة، يكون لديها مشاكل التعايش بين المكونات وهذا هو الحال بالنسبة لموريتانيا، حيث هناك مجموعات عربية وزنجية. وحتى داخل المجتمع العربي، فثمة تراتبية اجتماعية تقليدية تجعل لبعض هذه الشرائح هويات مختلفة،  كالحراطين والمعلمين وغيرهم، وهذا يطرح مشاكل دمقرطة هذه المجتمعات، وكيف تجاوز الحواجز البينية بينها وكيفية التغلب على ما حصل في المراحل الماضية من إعادة توظيف هذه الحواجز".

لذلك فإن "توظيف التفاوت الطبقي، في هذا الواقع إذًا يطرح معضلة الانسجام بين هذه المكونات"، حسب ما يستنتج. متابعًا الحديث عن نظرته للوحدة الوطنية وما يتطلبه الواقع من سياسات للحفاظ عليها، فيقول: "قد ظهرت في السابق أحداث خطيرة هددت في الماضي هذه الوحدة. على سبيل المثال أحداث 89، التي حدثت أولًا بين موريتانيا والسنغال وأثرت على العلاقات بين المكونات العربية والزنجية في موريتانيا، حيث حدثت على إثرها مضايقات وتصفيات في حق الزنوج الموريتانيين أي ما نسميه نحن  الإرث الإنساني، وهي مشكلة تعيق الانسجام والمصالحة الوطنية، ومن خططي أن أضع حلًا نهائيًا لهذا الملف، حتى تُعاد للضحايا حقوقهم ضمن عمل عقلاني وقانوني، وأن يكون هناك تصالح بعد الاعتراف والاعتذار، وهو ما لا تريده السلطة القائمة، خاصة أن للقضية أبعاد عديدة، لأن الدولة مشكلة من قوميات لها امتدادات في دول الجوار، ومن المقترحات أن نفعل ما تم الاتفاق عليه في ظل حكم الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله في إطار تشاور وطني، حيث أريد تفعيل ما تم الاتفاق عليه، وإنشاء لجنة مستقلة لذلك الغرض".

يتابع أيضًا: "من صلب اهتماماتي قضية شريحة الحراطين وهم غالبًا من أبناء المستعبدين السابقين، وهي شريحة واسعة قد تصل لنصف المجتمع، والتي ظلمت تاريخيًا ولا تزال تعاني من تبعات ذلك الظلم والتهميش والترك للجهل والتجهيل والفقر، وبالتالي هي قنبلة موقوتة تهدد انسجام المجتمع، ومن أولوياتي النهوض بهذه الشريحة والتي أسميها بلغة حديثة طبقة العمال، فأغلب اليد العاملة تقريبًا  من هذه الشريحة، ويتنامى بينهم ضمن وعي جديد الشعور بهذا التهميش ولابد من إنصافهم. ومن بين أهدافي السعي في إحداث تمييز إيجابي لصالحهم، في إطار التعليم والصحة والتشغيل، لأن الاعتبارات والامتيازات التقليدية لا تزال تعيق صعود أبناء هذه المجتمعات والطبقات المهمشة في الترقي".

ولولد مولود كمعارض للسلطة القائمة بالطبع اهتمام بمكافحة الفساد، خاصة أن موريتانيا من الدول التي تتعرض لنهب ممنهج لثورتها حسب المراقبين والعديد من المنظمات الدولية. يعبر عن ذلك الاهتمام: "أنا في خطاب إعلان ترشحي قلت إنني سأكافح الفساد وسأسعى لإصدار قانون ضد  الثراء غير المشروع، وذلك ضمن مشروعي لإعادة بناء الدولة الموريتانية وجعلها دولة قانون".

ويعتقد ولد مولود كذلك أنه من الضروري مراجعة الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية وذلك ضمن حالة من العقلانية والقانون، حيث أكد أن "المعاهدات مع الشركات الأجنبية، كما يدل على ذلك الاسم، فهي معاهدات وبالتالي فمراجعتها يجب أن تتم بعد دراسة وتأنٍ حتى لا نفسد علينا كل العلاقات مع الشركات التي تستثمر في موريتانيا، إلا أنه من الضروري مراجعة هذه المعاهدات، بشكل يمكن به أن تواصل هذه الشركات نشاطها في موريتانيا، لكن على أسس أكثر عدالة، وهذه مجرد اهتمامات ضمن أخرى".

وللمرأة حضور

تشهد موريتانيا في السنوات الأخيرة حراكًا متنوعًا، رافضًا للعنف في حق المرأة الموريتانية، ومطالبًا بسن قوانين رادعة تحميها، وكذلك اتباع سياسات لذلك الغرض، وعن ذلك قال ولد  مولود: "أظن أن هناك قوانين تسمح بالوقوف ضد الأفعال المشينة في حق المرأة والانتهاكات التي تصدر ضدها ووقف العنف في حقها، لكن  القوانين وحدها لا تكفي، فلا بد من أفعال لتوعية المجتمع ولا بد من ترتيبات وسياسات تهدف للصرامة ضد تلك الأفعال، وأنا أعطي  لهذا الأمر اهتمامًا خاصًا، ولن أبخل فيه ولو تطلب الأمر إصدار قوانين جديدة لحماية المرأة من أي عنف؛ سأسعى في ذلك طبعًا".

هل تنبت تقدمية وأحلام ولد مولد في أرض موريتانيا؟

يعي ولد مولود ككثير من المنخرطين في الفعل السياسي الموريتاني، واقع الديمقراطية في البلد، ويلاحظون غياب حياد الإدارة والنزاهة في الانتخابات وعدم توفر أرضية للتنافس الجاد، ووقوف الدولة بمواردها مع مرشح السلطة الحاكمة، وصعوبة بل استحالة هزيمة مرشحها، وهو ما يجعل البعض ينظر لضرورة المقاطعة حتى لا يكون مجرد مشرع لانتخابات هزلية، لكن ولد مولود يفضل المشاركة والتشبث ببصيص من الأمل ومزاحمة السلطة الحاكمة ولو دون ضمانات، عله يحدث أثرًا.

اقرأ/ي أيضًا: تعديلات ولد عبدالعزيز الدستورية.. الشارع الموريتاني يرفض عبث الرئيس

في هذا السياق، يوضح في رده على سؤال "ألترا صوت" إن كان يعتقد بوجود أرضية مناسبة للانتخابات في موريتانيا: "لا توجد أرضية صالحة لتنظيم الانتخابات بشكل نزيه في موريتانيا، وكنا نطالب بحياد الإدارة وحياد الدولة لأن الدولة في ما مضى كانت دومًا هي الناخب الأول، فإذًا كيف يمكنك منافسة الدولة؟ والآن اللجنة المشرفة على الانتخابات والمفترض أنها مستقلة، أصبحت منحازة مئة في المئة لمرشح النظام، لأنها مشكلة من الأحزاب الداعمة له، إذن لا توجد أرضية لتنظيم الانتخابات بشكل شفاف ونزيه". وواصل كلامه: "كل المطالب التي طالبنا بها كضمانات للشفافية رفضت، كتدقيق اللائحة الانتخابية وكإشراك الموريتانيين المقيمين في الخارج بشكل جدي، لأن السلطة لا تريد إشراكهم في الانتخابات، حيث يسجل منهم على اللائحة الانتخابية 17 ألفًأ فقط من أصل أكثر من 500 ألف، وتحرم الجاليات في دول الهجرة الموريتانية الكبرى والموريتانيين المقيمين في دول الجوار من مكاتب للتصويت، وذلك لأن النظام يعرف أنه لا يستطيع السيطرة على أصواتهم، لأنهم في الخارج ولا يخضعون لابتزاز السلطة فهم مستقلون عنه ماديًا. لا توجد أي ضمانات، لكن نرى أن السلطة تحاول دفعنا لمقاطعة هذه الانتخابات".

يختتم ولد مولود الحوار، بالإشارة إلى "كون هذه الانتخابات لها طابع خاص ونعتبرها فرصة لاقتناص المأمورية القادمة، وتأتي في ظرفية خاصة وليست انتخابات عادية

يختتم ولد مولود الحوار، بالإشارة إلى "كون هذه الانتخابات لها طابع خاص ونعتبرها فرصة لاقتناص المأمورية القادمة، وتأتي في ظرفية خاصة وليست انتخابات عادية، سنحاول منع السلطات من تنفيذ مبتغاها، والدفاع عن أصوات الناخبين، ولو تطلب الأمر المجابهة مع التزوير والتلاعب بأصوات المواطنين".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موريتانيا بين جنرالين