15-أبريل-2019

قد تقبل موريتانيا على تحول تستلهمه من موجة الربيع العربي الثانية (فيسبوك)

شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط في الحادي عشر من نيسان/إبريل 2019 مسيرةً حاشدة، دعت إليها قوى المعارضة، التي يبدو أنها بدأت تستعيد علاقتها بالشارع والاحتجاج، في ظل استعدادها لخوض انتخابات رئاسية فاصلة في منتصف حزيران/يونيو من هذا العام.

تمثلت الرسالة الأهم لاحتجاجات المعارضة الموريتانية، في ضرورة رفض أن تكون انتخابات 2019 الرئاسية موعدًا شكليًا لتسليم السلطة من جنرال لجنرال

"التحالف الانتخابي للمعارضة الديمقراطية لرئاسيات 2019" قاد المسيرات التي انطلقت من ثلاثة أماكن في نواكشوط، والتقت عند ساحة ابن عبّاس. حيث أُلقي بيان مشترك، تضمّن مجموعة من الرسائل والمطالب.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا بين جنرالين

تمثلت الرسالة الأهم التي ركّز عليها خطاب المتظاهرين في ضرورة رفض تسليم السلطة لجنرال، ورفض أن تكون انتخابات 2019 الرئاسية موعدًا شكليًا لتسليم السلطة من رئيس عسكري، هو الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز إلى عسكري آخر هو مرشّح النظام الفريق محمد ولد الغزواني.

هذا الهدف الرئيسي، على ما يبدو، للمعارضة الموريتانية جعلها تركّز على مجموعة من المطالب تخصّ سير العملية الانتخابية والمؤسّسة التي ستُشرف على تلك العملية، وهي اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي اعتبرت المعارضة أن تشكيلتها الحاليّة لا تستجيب لمقتضيات الشفافيّة والتوزيع العادل لمناصب أعضائها بين القوى السياسية. وذلك بالرغم من أن نفس اللجنة هي التي أدارت الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية الأخيرة 2018.

"لجنة الانتخابات الحالية غير شرعية وغير مستقلّة"

بدأت مسألة اللجنة الوطنيّة المستقلة للانتخابات تأخذ حيّزا مهمًّا من خطاب المعارضة الموريتانية، بعد رفض الحكومة مطلب رفع التمثيلية في اللجنة وزيادة عدد أعضائها، حيث ينص القانون المنشئ للجنة على تعيين أعضائها من طرف رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من الأغلبية والمعارضة. فتعيين هذه اللجنة المستقلة يخضع لمنطق المحاصصة السياسية بين الأغلبية والمعارضة، وبعبارة أخرى منطق التوافقية، وذلك لتجنّب استفراد طرف من الأطراف بها، بما قد يؤثّر على شفافية عملها. وتعد اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات إحدى المكاسب الديمقراطية في موريتانيا، فقبل تأسيسها كانت وزارة الداخلية هي التي تتولى الإشراف على إدارة العملية الانتخابية، في ظل اتهامات متكرّرة لها من طرف المعارضة بالتزوير وعدم النزاهة والشفافية.

يرى التحالف المعارض إذًا أنه "من دون التوافق على منظومة إشراف شاملة على الانتخابات، وتطبيق ما ينص عليه القانون من تمثيل متساوٍ للقوى السياسية في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات"، فإنّ الانتخابات الرئاسية القادمة لن تكون شفافة، لكن السؤال المطروح هو هل بإمكان اللجنة المستقلة لوحدها أن تكون ضمانًا لشفافية الانتخابات في ظل رفض النظام الحالي للإشراف والرقابة الدولية؟ وفي ظلّ طغيان الوجهاء التقليديين في الداخل على الإدارة؟

ركز بيان التحالف المعارض أيضًا على قضايا حقوقية أهمها اعتقال المدوّنين عبد الرحمن ودّادي، والشيخ ولد جدّو اللذين اعتقلا على خلفية إثارتهما لملف أموال مجمّدة لموريتانيا في دبي بالإمارات، تصل إلى ملياري دولار، تتحدّث بعض المصادر أنها نتيجة عملية تبييض كبيرة شارك فيها رأس النظام الحالي، وذلك في ظلّ ما تعانيه البلاد من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة. في هذا الإطار طالب بيان التحالف المعارض بإطلاق سراح المدوّنين، كما طالب بإلغاء "قرارات سحب ترخيص مؤسسات: مركز تكوين العلماء، ويدًا بيد، وجمعية الإصلاح وجمعية الخير"، وهي جمعيات محسوبة على التيار الإسلامي في موريتانيا، قامت الحكومة بإغلاقها مؤخّرًا.  فهل يكون رفض هذه المطالب من طرف الحكومة وصفة جاهزة لإشعال فتيل احتجاجات أقوى؟

اقرأ/ي أيضًا: فوضى أحزاب موريتانيا.. تعددية غير ديمقراطية

سياق ملتهب يجد صداه في موريتانيا

تأتي احتجاجات موريتانيا الحالية ضمن سياق عربي ملتهب، على وقع الاحتجات الشعبية في الجزائر والسودان، التي أطاحت برئيسين عربيين هما عبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير. وقد لفت خطاب المعارضة إلى ذلك بالقول: إن اللحظة التاريخية الراهنة تقول هنا وفي الإقليم والأمة والعالم بأنّ عهد الأنظمة العسكرية الشمولية أفل، وأنّ زمن تَمَلُّك الشعوب حريتها استوى على ساقٍ من الوعي والفعل والتضحيات".

تأتي احتجاجات موريتانيا الحالية ضمن سياق عربي ملتهب، على وقع الاحتجات الشعبية في الجزائر والسودان، التي أطاحت برئيسين عربيين هما عبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير

وجدت الموجة الأولى من الربيع العربي 2011–2012 صدى قويًا لها في موريتانيا، حيث ظهرت مجموعة من الحركات الشبابية طالبت بإسقاط النظام، التحقت بها الأحزاب المعارضة فيما بعد. لكنّها لم تتمكّن من تحقيق هدفها، بالرغم من قوّة الحشد والتظاهرات التي نظّمتها وجابت شوارع العاصمة نواكشوط لأكثر من سنة. ولعلّ أحد أسباب فشلها الرئيسية تمثّلت في الردة الثورية التي حصلت في المنطقة مع تصاعد موجة الثورة المضادّة، وخيبة الأمل الكبيرة التي مُنيت بها أحلام الثوار في مصر، وتحوُّل الحراك الثوري في ليبيا وسوريا إلى حرب دمويّة. لكن الموجة الثانية من الربيع العربي تُقدّمُ نموذجًا قويًا في سلمية الحراك الاحتجاجي وقدرته على الإطاحة بأنظمة راسخة في الحكم بأقل الخسائر.  فهل يكون الشارع هو الفيصل في موريتانيا بين النظام والمعارضة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

انتخابات 2018.. رهان موريتانيا على مصيرها

 موريتانيا..وعي حقوقي شبابي متصاعد