05-سبتمبر-2017

الروهينغا في ميانمار، شعب كامل بدون جنسية (أليسون جويس/ Getty)

تلقي مجلة "ذا وورلد ويكلي - The World Weekly" الجنوب أفريقية، الضوء على قضية البدون جنسية حول العالم، في محاولة منها لرصد أسباب تفاقمها في عصر الدولة القومية الحديثة، الذي يُعد الإنسان بدون جنسية فيه، لا وجود له! السطور التالية هي ترجمة بتصرف لتقرير "ذا وورلد ويكلي".


فقدَ بعض من كان يعيشون في فلسطين منذ عقود طويلة، جنسيتهم بجرة قلم. وكما صرح محمود الغريبي، أحد البدو الذين يعيشون في صحراء النقب، لصحيفة هآرتس العبرية: "ذهبت إلى مقر وزارة الداخلية الإسرائيلية من أجل تجديد بطاقة الهوية"، إلا أنه "بدون سابق إنذار" تم إلغاء جنسيته، ولم يحصل على أي تفسير لهذا الإجراء. وقد واجه مئات، وربما آلاف البدو المقيمين داخل الخط الأخضر، نفس المصير خلال السنوات القليلة الماضية، مما جعلهم بلا جنسية.

عدد البشر الذين لا يحملون جنسيات حول العالم، لا يقل عن 15 مليون إنسان، ثلثهم تقريبًا من الأطفال

لا تقتصر ظاهرة البدون الجنسية على بعض الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، أو المعروفين بعرب 48 ، بل هي مشكلة عالمية بامتياز. تقول لورا فان واس، المديرة المشاركة لمعهد انعدام الجنسية والاحتواء: "لقد قدرنا أعداد البشر الذين لا يحملون جنسية حول العالم، ووجدناهم لا يقلون عن 15 مليون إنسان". إلا أنه في ظل صعوبة وجود إحصائيات دقيقة، يبقى العدد الحقيقي لهؤلاء البشر غير معروف. إذ تقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد من لا يحملون جنسية في جميع أنحاء العالم بـ10 ملايين إنسان، ثلثهم تقريبًا من الأطفال.

اقرأ/ي أيضًا: "بدون" مصر.. آلاف على الحدود مع فلسطين والسودان بلا جنسية!

وفيما يخص حالة البدو في صحراء النقب، فإن عدم حمل الجنسية الإسرائيلية، يعني عدم القدرة على التصويت أو الترشح في الانتخابات، أو احتمال فقدان تصاريح إقامتهم الدائمة بعد بقائهم لفترات طويلة خارج البلاد. وقد تختلف الظروف، إلا أن الشخص الذي لا يحمل جنسية غالبًا لا يستطيع الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية، وحتى التوظيف. وفي كثير من الأحيان قد لا يستطيعون استخراج جوازات السفر أو شراء العقارات، أو حتى فتح حسابات بنكية. وتؤكد فان واس لمجلة "ذا وورلد ويكلي"، أن "كثير من الأشياء التي عادةً ما نحصل عليها بشكل طبيعي، تمثل معاناة للشخص عديم الجنسية، بل قد تصبح أمرًا مستحيلًا".

يقول عيسى، وهو شخص لا يحمل جنسية يعيش في كينيا، إنه أخبر الأمم المتحدة عن وضعه، فقالوا له: "لا يمكنك مغادرة منزلك"، وذلك لأن مغادرته لمنزله دون حمل بطاقة هوية، جريمة من الناحية القانونية. ويتساءل عيسى: "الآن، إذا كان من غير الممكن أن أخرج من منزلي، كيف أستطيع العيش إذًا؟ كيف أبحث عن عمل؟ لا يمكنك امتلاك أي شيء لأنك ببساطة غير موجود".

مشكلة من صنع الإنسان

يُصبح الإنسان بلا جنسية لعدة أسباب مختلفة، بداية من اندلاع الصراعات المسلحة، ومرورًا بتفتت الدول إلى أقاليم إدارية مختلفة، وانتهاءً بقوانين منع منح الأطفال جنسية أمهاتهم.

ولعبت التحولات التاريخية الكبرى دورًا محوريًا في هذه المعضلة، فقد تسبب تفكك الاتحاد السوفيتي في ظهور كثير من حالات البدون جنسية خلال تسعينيات القرن الماضي، فمن الناحية التاريخية، معظم قضايا انعدام الجنسية المزمنة نشأت خلال فترة اندحار الاستعمار، وبداية بناء الدول بعد الاستقلال.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الروهينغا، وهم أقلية مسلمة مضطهدة في ميانمار، فقد كانوا وما زالوا يوصفون بالأجانب منذ أن بدأت الدولة في سن القوانين التي تحدد الهوية الوطنية والجنسية لمواطنيها. أما في حالة الفلسطينيين، والتي جرى الاعتراف بدولتهم مؤخرًا بأنها تحمل صفة المراقب في الأمم المتحدة، لكنها ليست عضوًا؛ فتعود مشكلتهم أيضًا إلى فترة انتهاء الانتداب البريطاني، وإقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي.

 يستنكر المراقبون أيضًا التمييز على أساس الجنس، إذ لا تستطيع النساء في 25 دولة حول العالم، أن تُوَرِث جنسيتها لأطفالها على غرار انتقال جنسية الأب لأطفاله. وتتضمن قائمة هذه الدول على سبيل المثال جزر البهاما وماليزيا ونيبال وسوازيلاند وسوريا ولبنان والسعودية. وتقع نصف هذه الدول تقريبًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خريطة بالدول التي تمنع منح الأطفال جنسية أمهاتهم
خريطة بالدول التي تمنع منح الأطفال جنسية أمهاتهم

تتحدث أم شادي عن خيبة الأمل التي تشعر بها بعد أن رفضت الحكومة منح جنسيتها لأطفالها، فهي أم أردنية لخمسة أطفال من زوج بدون الجنسية. يعمل ابنها الذي لا يحمل وثائق ثبوتية في فترات الليل، وقد تعرض للاعتقال على يد الشرطة عدة مرات.

تقول أم شادي: "لقد تعرض ابني ذات مرة للاعتقال في الساعة الثانية صباحًا، مما اضطرني إلى الذهاب لإخراجه من قسم الشرطة"، مضيفةً: "هل هذه حياة يمكن للإنسان أن يعيشها؟ إنها ليست حياة. بصراحة، إنها ليست حياة". تشعر أم شادي بالقلق على أطفالها من عدم تمكنهم من الزواج في المستقبل بسبب وضعهم هذا.

50 ألف طفل سوري على الأقل يواجه خطر انعدام حيازة الجنسية، إمّا بسبب النزوح أو موت آبائهم أو لأنهم ولدوا في مناطق سيطرة داعش

في سياق الحرب الأهلية السورية الدائرة، تتجلى مثل هذه الممارسات التمييزية في ظل حالات النزوح الجماعي. فقد وُلد أكثر من 50 ألف طفل سوري في الدول المجاورة لسوريا. وفي الوقت الذي فر فيه ملايين السوريين من بلادهم، أُجبر كثير منهم على ترك كل شيء خلفهم، بما في ذلك الوثائق الشخصية كقسائم الزواج التي تُعد ضرورية لتسجيل الأطفال حديثي الولادة.

اقرأ/ي أيضًا: رسالة إلى صديقي الحقوقي المؤدلج 

كما أن الكثير من النساء قد فقدن أزواجهن، ما قد يؤدي إلى مواجهة أطفال اللاجئين السوريين لخطر انعدام الجنسية. أما الأطفال الذين ولدوا في أحد الأقاليم التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يواجهون وضعًا مماثلًا، وذلك بسبب عدم اعتراف الحكومات بالوثائق التي أصدرها داعش.

التجريد من الجنسية كوسيلة ضغط

صرحت البروفيسورة فان واس لمجلة "ذا وورلد ويكلي"، قائلة إن "هناك اتجاه مثير للقلق نحو تزايد استخدام التجريد من الجنسية كأحد التدابير الأمنية"، مُستشهدةً بالعديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الغربية لتجريد المواطنين من جنسياتهم إذا اشتبهوا في انتمائهم لأحد التنظيمات الإرهابية.

وفي حزيران/يونيو 2016، صدر عن مكتب التحقيقات الصحفية، أنّه عندما كانت رئيسة الوزراء البريطانية الحالية، تيريزا ماي، على رأس وزارة الداخلية خلال الفترة ما بين 2010 و2016، جُرد 33 شخصًا من جنسيتهم، وجميعهم من ذوي الجنسيات المزدوجة، لذا لم يُصبحوا من عديمي الجنسية. وعلى الرغم من ذلك، فقد أقرت الحكومة البريطانية في عام 2014، أنه بالإمكان تجريد الشخص من جنسيته البريطانية، طالما أن "هناك احتمالات منطقية تشير إلى إمكانية حصوله على جنسية أخرى"، مما يزيد من خطر تعرض الناس لانعدام الجنسية.

100 مواطن بحريني على الأقل جُرّد من جنسيته، بسبب أنهم معارضين سياسيين أو من المدافعين عن حقوق الإنسان

هناك أيضًا قلق متزايد من تجريد الحكومات لمعارضيها السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من جنسياتهم. فعلى سبيل المثال، تواترت بعض الأقاويل عن تجريد البحرين -التي شهدت احتجاجات واسعة خلال فترة ثورات الربيع العربي عام 2011– بالفعل لما يزيد عن 100 مواطن من جنسيتهم. كما سلكت بعض دول الخليج الأخرى كالإمارات نفس المسلك تحت مبررات واهية تتستر بمحاربة الإرهاب!

اقرأ/ي أيضًا: البحرين... ذكرى انتفاضة مغبونة

وبعد فشل محاولة الانقلاب العسكري في تموز/يوليو العام الماضي، أصدرت الحكومة التركية مرسومًا ينص على أسباب تجريد المواطنين الأتراك الذين يعيشون في الخارج من جنسيتهم، وذلك في حالة عدم رجوعهم للخضوع للتحقيق في بعض الجرائم المعينة. بينما نُشر في حزيران/يونيو 2017 في الصحيفة الرسمية للدولة، إخطارًا بـ"العودة إلى الوطن" لعدد 130 شخصًا، مُنحوا ثلاثة أشهر لتسليم أنفسهم للسلطات.

واعتبر نشطاء حقوق الإنسان الأتراك، ومعهد شؤون عديمي الجنسية والاحتواء، أن هذا المنشور ما هو إلا تمهيد لتجريد جماعي لهؤلاء الأشخاص من جنسياتهم. كما وثق المعهد عدة مئات من الحالات التي حُرم فيها الأتراك الذين يعيشون في الخارج من التمتع بالخدمات القنصلية، سواء من خلال مصادرة جوازات سفرهم، أو عدم إصدار بطاقات هوية أو جوازات سفر للمواليد الجدد.

"هذا وطني"

مع كل ذلك، هناك بصيص من الأمل. فقد أكدت البروفيسورة فان واس، أنه "خلال 15 عامًا الماضية، عدّلت 16 دولة قوانينها أو دساتيرها لتمكين النساء من توريث جنسياتهم لأطفالهم مساواةً بالرجال".

رغم أن الحال لا زال متدهورًا فيما يخص انعدام الجنسية، إلا أنّ السنوات الأخيرة شهدت تطورات إيجابية نحو حل أزمة البدون جنسية

ومنذ عام 2009، حصل أكثر من 60 ألف مواطن سوفيتي سابق على الجنسية القرغيزية، بينما منحت تركمانستان أكثر من 15 ألف شخص جنسيتها. كما حكمت المحكمة العليا في بنغلاديش عام 2008 بمنح الجنسية لـ300 ألف شخص عديم الجنسية من المتحدثين بالأُردية. وفي وقت سابق من هذا العام، عدلت سيراليون قانون الجنسية بما يضمن للنساء توريث جنسياتهم لأطفالهم مساواةً بالرجال.

عشرات الآلاف من الأطفال السوريين يعانون من انعدام الجنسية بسبب الحرب (Flickr)
عشرات الآلاف من الأطفال السوريين يعانون من انعدام الجنسية بسبب الحرب (Flickr)

وفي الفترة ما بين عامي 2011 و2015 فقط، وقعت 49 دولة على الاتفاقيتين الدوليتين الرئيسيتين المتعلقتين بمشكلة انعدام الجنسية، وهما اتفاقية عام 1954 الخاصة بأوضاع الأشخاص عديمي الجنسية، واتفاقية عام 1961 الخاصة بتقليص حالات انعدام الجنسية.

اقرأ/ي أيضًا: في ذكرى اتفاقية جنيف.. اتفاق عالمي على خرقها باستمرار!

ومما لا شك فيه، لاتزال هناك العديد من العقبات، كما هو واضح من حالة الحرب الدائرة في سوريا. إلا أنه في معرض تعليقه على إطلاق حملة الأمم المتحدة للقضاء على انعدام الجنسية، والتي تستمر لمدة عشر سنوات، قال أنطونيو غوتيريس،: "أخيرًا سوف يكون هناك بلد لملايين الأشخاص ليقولوا هذا وطني، أخيرًا سوف ينعمون بفرص للعيش مثلنا تمامًا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الوجه الحقيقي لبلاد وزارة السعادة.. تمييز عنصري رسمي وممنهج تفرضه أبوظبي

الدول العربية بعد 68 سنة من ميثاق حقوق الإنسان