09-يونيو-2023
ينتظر العلماء الأوكرانيون أن تهدأ المياه قبل إجراء تقييم كامل للتأثير البيئي (GETTY)

التأثير البيئي لتدمير السد على أوكرانيا، سيتضح بعد نهاية الفيضانات (GETTY)

تتزايد المخاوف من حدوث كارثة بيئية وإنسانية غير مسبوقة على نطاق واسع، بعد تدمير سد نوفا كاخوفكا بمنطقة خيرسون الأوكرانية، مع حديث عن أبعاد وتأثيرات تتجاوز أوكرانيا.

أدى تفجير سد نوفا كاخوفكا إلى تهديدات بعواقب بيئية غير مسبوقة في أوكرانيا والعالم

إبادة بيئية

وقالت منظمة "Ecoaction" الأوكرانية غير الحكومية إن تفجير السد هو من "أعمال الإبادة البيئية التي تسببت في تهديدات بعواقب بيئية غير مسبوقة على جنوب أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود بأكملها"، مشيرةً إلى أن "أولى عواقب تدفق 18 مليار طن من المياه التي كان السد يحتجزها، ستكون بلبلة خطيرة للأنظمة البيئية في نهر دنيبرو، وصولًا إلى المناطق الساحلية على شواطئ البحر الأسود".

وتوقعت المنظمة أن "نسبة نفوق كثيفة محتملة لكائنات مائية (أسماك ورخويات ومحار وكائنات مجهرية ونبتات مائية)، وكذلك لقوارض بعضها متوطن أو مهدد أساسًا بالانقراض، ما سيؤدي إلى تدهور نوعية المياه نتيجة تحلل الكائنات الميتة".

زكي وزكية الصناعي

وأضافت المنظمة الأوكرانية "Ecoaction" أن النباتات لن تكون بمنأى عن الخطر، ولا سيما في المناطق الواقعة أعلى السد حيث "ستموت بسبب نضوب المياه، في حين ستغمر المياه المناطق الواقع أسفل السد بما في ذلك مناطق السهوب والغابات غير المهيّأة لتكون مغمورة، ما سيؤدي إلى تشبع تربتها وتدميرها".

من جهته، لفت الصندوق الدولي للرفق بالحيوان إلى أن الحيوانات الأليفة أو الأسيرة في خطر أيضًا"، محذرًا من "وضع كارثي"، وقالت مسؤولة الصندوق في أوكرانيا ناتاليا غوزاك، إن "الملاجئ تتلقى طلبات إنقاذ تتخطى طاقتها".

الحيوانات لم تسلم من كارثة تفجير السد

وتسبب تدمير السد بحسب مصادر أوكرانية في تسرب أكثر من 150 طنًا من زيت المحركات في نهر دنيبرو، مع خطر تسرب 300 طن إضافي، ما يشكل خطرًا على الحيوانات والنباتات. ومن المتوقع أن يصل هذا التلوث إلى البحر الأسود، ما قد يهدد مجموعة واسعة من الكائنات الحية، من العوالق إلى الحيتان.

كارثة بيئية تتجاوز أوكرانيا

بدوره، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن "الكارثة البيئية الناجمة عن انهيار سد نوفا كاخوفكا أصبحت مشكلة عالمية حيث تتدفق المياه الملوثة بشدة إلى البحر الأسود".

وقال الرئيس الأوكراني إن "مياه الفيضانات التي اجتاحت نهر دنيبرو المنخفض جلبت معها مياه الصرف الصحي، والزيوت والمواد الكيميائية وربما الجمرة الخبيثة"، وأوضح زيلينسكي خلال مناقشة عبر الإنترنت مع نشطاء بيئيين: "يوجد على الأقل مكانان لدفن الجمرة الخبيثة في الأراضي المحتلة مؤقتًا"، مضيفًا "ماذا حدث لتلك المواقع، لا نعرف حتى الآن".

getty

واتهمت كييف، القوات الروسية بارتكاب إبادة بيئية عبر تفجير السد، فقد تضرر  100 ألف شخص بسبب فيضان مجرى النهر. وقال زيلينسكي: إن "50 ألف هكتار  من الغابات قد غمرت، و20 ألف حيوان، و 10 آلاف طائر مهددين بالموت الوشيك"، مشيرًا إلى أن ما مجموعه مليوني كائن حي في خطر، محذرًا من أنه "مع انتشار المياه الملوثة، فإن الدمار البيئي سينتشر".

وتابع زيلينسكي، بالقول: "التلوث الناجم عن الفيضانات ينتقل إلى المياه الجوفية فورًا، ما يؤدي إلى تسمم الأنهار ومن ثم حوض مياه البحر الأسود، لذلك ما يحدث هنا له علاقة في مكان آخر، كل شيء مترابط في العالم".

وينتظر العلماء الأوكران أن تهدأ المياه قبل إجراء تقييم كامل للتأثير البيئي لتدمير سد كاخوفكا، فيما حذرت تقديرات أوكرانية من أن يكون تدمير السد أسوأ كارثة بيئية في البلاد منذ كارثة تشيرنوبيل النووية.

زار الرئيس الأوكراني مناطق الفيضانات

سلة الغذاء الأوكرانية

في سياق متصل، قد يؤدي انخفاض منسوب المياه في سد نوفا كاخوفكا إلى تعريض قنوات الري التي تغذي بعض مناطق المحاصيل الحيوية للخطر، وهناك مخاوف من أن السد سيترك ثلاث مناطق تعتبر سلة الغذاء الأوكرانية بدون مصدر رئيسي للمياه.

وقد أدى ذلك إلى تحذيرات بشأن إمدادات الغذاء العالمية، حيث تُعتبر أوكرانيا رابع أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم، وهي تنتج 42% من الإنتاج العالمي من زيت بذور عباد الشمس، و 16% من إنتاج العالم من الذرة، و 9% من إنتاج القمح.

وتنطلق سلسلة من قنوات الري من سد كاخوفكا، وكلها تساهم في ري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في جنوب أوكرانيا، وهناك مخاوف من أن يؤدي انخفاض مستويات السد إلى تقليل تغذية المياه عبر شبكة القنوات المستخدمة لري هذه المحاصيل، وفق تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

getty

ومن أهم هذه القنوات قناتا شمال القرم وكاخوفسكي، والتي تمتد من شمال السد المدمر.،وتروي قناة كاخوفسكي معظم حقول منطقة خيرسون قبل دخول منطقة زاباروجيا، فيما توفر قناة شمال القرم المياه لغرب خيرسون قبل أن تتدفق إلى شبه جزيرة القرم، ويقع مدخلها قبل السد مباشرة، وأظهرت صور الأقمار الصناعية للمنطقة الواقعة جنوب السد مباشرة، وحول هذه القنوات، أميالًا من الأراضي الزراعية. لكن صور الأقمار الصناعية في 6 حزيران/ يونيو الماضي، كشفت عن زيادة في المساحات الخضراء داخل السد، وهي علامة على انخفاض مستوى المياه.

وباستثناء الذرة، التي لديها أكبر إنتاجية في شمال أوكرانيا، تتركز المحاصيل الثلاثة الأخرى في الجنوب. وتعتبر دنيبرو وزاباروجيا من أهم المناطق التي تنتج القمح، ويعتمد كلاهما على القنوات التي تنطلق من السد، ودنيبرو مهمة بالمثل لبذور عباد الشمس.

في حين أن أوديسا وميكولايف لديهما أكبر إنتاج للشعير، فإن دنيبرو وزابوروجيا وخيرسون لا تزال من كبريات المدن المنتجة لهذا المحصول.

من جانبها، حذرت وزارة الزراعة والغذاء الأوكرانية من أن الأراضي الزراعية في هذه المناطق يمكن أن تتأثر بشدة بحيث يمكن أن تتحول إلى صحاري.

يذكر أن سد كاخوفكا الواقع في منطقة التي تسيطر عليها القوات الروسية قد بلغت المساحات التي غمرتها مياهه حتى أمس الخميس 600 كلم مربع.

أثرت صور الأقمار الصناعية انخفاض مستوى المياه

تغيير خارطة القتال في أوكرانيا

على الصعيد الميداني، مع الأنباء المتداولة عن بدأ الهجوم الأوكراني المضاد الواسع بهدف طرد القوات الروسية، التي تحتل ما يقرب من 20% من الأراضي الأوكرانية، فإن الفيضانات الهائلة جراء تفجير السد أعادت رسم خارطة المعركة على الجبهة الجنوبية، فقد غمرت بعض المواقع الروسية شديدة التحصين بالمياه.

وكان سد كاخوفكا أحد المعابر المتبقية عبر نهر دنيبرو، الذي يفصل بين القوات الأوكرانية والروسية، وستحبط الفيضانات احتمال تقدم القوات الأوكرانية نحو المنطقة في المستقبل القريب، لكن المحللين العسكريين قالوا إنه من غير المرجح أن يكون له تأثير كبير على الهجوم البري.

ويتحدث الكولونيل رومان كوستينكو، عضو الحرس الوطني الأوكراني التي تعد جزءًا من الوحدات التي تعمل مع قوات العمليات الخاصة لصحيفة "الواشنطن بوست"، قائلًا: "هناك من الناحية النظرية، كان من الممكن العبور، لكن الآن يمكن القيام بذلك فقط عن طريق المراكب أو المعدات الخاصة، إنه صعب جدًا"، وأضاف كوستينكو: "من وجهة نظر الجيش، لن يكون كل شيء واضحًا إلا في غضون الأسابيع القليلة القادمة، عندما تتوقف المياه وسنرى كيف تغيرت الأرض".

من جهتها، قالت المتحدثة باسم القيادة الجنوبية للجيش الأوكراني ناتاليا هومينيوك، إن "الروس أجبروا على سحب قواتهم بما يصل إلى تسعة أميال في بعض المناطق بالقرب من نهر دنيبرو بسبب الفيضانات"، وأضافت: "خط الدفاع الأول لروسيا على الضفة الشرقية –مناجمها وأنظمة الخنادق والحواجز– كلها غمرتها المياه".

getty

وبينما ظلت أوكرانيا متكتمة بشأن خططها لشن هجومها الكبير، قال زيلينسكي، إن استعداد قواته لمزيد من العمل بلغ أقصى حد، وأكد زيلينسكي أن "تدمير السد لن يؤثر على قدرتنا على تحرير المناطق".

وقال مدير  مؤسسة "Rochan Consulting"، كونراد موزيكا ، وهي مؤسسة تحليل عسكري مقرها بولندا، للصحيفة الأمريكية، إنه "لم يتضح عدد الوحدات التي كانت موجودة في المناطق التي غمرتها المياه حاليًا في خيرسون، وأنه من الصعب معرفة نوع التأثير الذي ستحدثه الأزمة في الخطوط الأمامية، لكن موزيكا يتوقع "نقل بعض القوات هناك إلى أماكن أخرى، بما في ذلك منطقة زابوروجيا وباخموت، مشيرًا إلى أن لدى روسيا الكثير لتكسبه من تدمير السد، قائلًا: إنه "بينما لم يتضح أبدًا ما إذا كانت أوكرانيا تخطط لعمليات لعبور النهر، فإن مثل هذا الهجوم لن يكون متاحًا للقوات الأوكرانية في الأشهر المقبلة".

بودكاست مسموعة

كما منحت الكارثة، روسيا الوقت والمساحة لتحويل وحداتها، ونشر المزيد من القوات في زاباروجيا، حيث يتوقع أن يندلع قتال عنيف، ويشير موزيكا إلى تكثيف الاشتباكات في منطقة زابوروجيا ومناطق أخرى على خط المواجهة، وبعض التقدم الأوكراني في الشرق، لكنه قال: "لا أعتقد أن ما نشهده الآن هو الدفعة الكبرى التي كان الجميع ينتظرها".

من جانبه، قال مدير مركز الجيش والتحويل ونزع السلاح في كييف ميخايلو ساموس لـ"نيويورك تايمز"، إن الفيضان سيكون له تأثير ضئيل على الهجوم المضاد لأوكرانيا، حيث إن الجيش الأوكراني لم يقصد أبدًا جعل القتال على طول النهر جزءًا رئيسيًا من الحملة الشاملة.

قال مدير مركز الجيش والتحويل ونزع السلاح في كييف ميخايلو ساموس لـ"نيويورك تايمز"، إن الفيضان سيكون له تأثير ضئيل على الهجوم المضاد لأوكرانيا

أضاف أن التهديدات الأوكرانية بشن هجوم على النهر كانت تهدف إلى إجبار روسيا على نشر قوات بعيدًا عن منطقة الهجوم الرئيسية، وتابع قائلًا: "قبل الفيضان، كنا بحاجة إلى عبور نهر دنيبرو وبعد الفيضان كان الأمر على حاله، ولكن أكثر صعوبة".