13-فبراير-2019

تتوطد العلاقات البحرينية الإسرائيلية بشكل سريع جدًا (تويتر)

فُتحت أبواب التطبيع بين البحرين وإسرائيل منذ نحو ربع قرن، في السر والعلن، وانطلقت المنامة التي تعد البوابة الخلفية ووكيل الأعمال السري، للرياض، تلهث وراء تل أبيب، ترغب في التقارب بشكل سري، عبر قنوات تواصل قادها وكلاء، ومندوبون ورجال الموساد، حتى ظهر الأمر للنور وأصبح تبادل الوفود، دون خجل، أمرًا طبيعيًا، ووصل الأمر بالتواصل على أعلى المستويات بين البلدين.

لم يكن تبادل التصريحات والإعجاب المتبادل بين قادة تل أبيب والمنامة، خلال الشهور الماضية مجرد حدث عابر، ولكنه أمر استمر تدبيره ربع قرن

لم يكن تبادل التصريحات والإعجاب المتبادل بين قادة تل أبيب والمنامة، خلال الشهور الماضية مجرد حدث عابر، ولكنه أمر استمر تدبيره سنوات طويلة نحو 25 عامًا، دافعت فيه المنامة عن تل أبيب، وسعت لرضاها بكافة السبل، وقربت مندوبين إسرائيلين للملك واستحدثت مستشارين في القصر الملكي في المنامة. كل ذلك وأكثر كشف عنه تحقيق نشرته القناة 13 التلفزيونية الإسرائيلية، تناول العديد من محاولات التقارب البحريني الإسرائيلي، الذي تولي تطويره والعمل عليه كل من "شعبة العلاقات الخارجية" في الموساد ووزارة الخارجية.

اقرأ/ي أيضًا: البحرين وإسرائيل.. تطبيع بالعلن تحت غطاء التسامح الديني

يأتي التحقيق ضمن سلسلة حلقات من المفترض أنها ستكشف خفايا تطور العلاقات بين إسرائيل ودول خليجية، بدأتها بالبحرين ومن المتوقع أن تطول دولًا أخرى في الخليج، ومن المعروف أن العلاقات البحرينية الإسرائيلية ظهرت علنًا بعد صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الأمر الذى دفع صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن تطلق على البحرين لقب "رأس الحربة الخليجية" للتطبيع مع إسرائيل.

علاقات تطبيعية متطورة

في شباط/فبراير 2017، أرسلت البحرين رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تسلمتها تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة، من وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليف، على هامش لقاء جمعهما في المؤتمر الأمني في ميونيخ. كان ملخص الرسالة أن ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، "بات معنيًا" بتقارب العلاقات مع تل أبيب، وأن البحرين تريد دفع علاقاتها مع إسرائيل.

 وفقًا للتحقيق المتلفز، نقلت ليفني التي اشتهر عنها القدرة على محاورة الدبلوماسيين العرب وسارت من قبل شائعات عن لقاء جمعها ببعضهم في نيويورك عام 2014، الرسالة إلى نتنياهو، لكنها رفضت خلال التحقيق التطرق إلى اللقاء مع الوزير البحريني ومضمونه، فيما أبدت ارتياحها للبحرين، وقالت "إن البحرين دولة متميزة وكانت لديهم سفيرة يهودية في واشنطن. وهم مهذبون جدًا. وهم معتدلون في المسألة الدينية وكذلك تجاه دولة إسرائيل".

يكشف التحقيق التلفزيوني أيضًا كيف عملت إسرائيل على فتح قنوات اتصال مع الجانب البحريني، واستخدمت كل من "شعبة العلاقات الخارجية" في جهاز الموساد وكذلك وزارة الخارجية الإسرائيلية لتطوير العلاقات مع البحرين، وحول استخدام الموساد في أمر دبلوماسي، يقول المحامي دوف فايسغلاس، مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أريئيل شارون، خلال التحقيق إن "الموساد يستخدم كوزارة خارجية إسرائيلية في العلاقات مع جميع الدول التي لا توجد لإسرائيل علاقات دبلوماسية معها". فيما استطاعت وزارة الخارجية الإسرائيلية العمل على الأرض بشكل أكثر دبلوماسية وعهدت إلى دبلوماسي مخضرم مهمة فتح قنوات اتصال مع الجانب البحريني، رفضت وزيرة الخارجية السابقة ليفني، ذكر اسمه، لأنه وفقًا للتحقيق، من المحظور تداول اسمه أو صورته، باعتبار أنه جزء من اللعب تحت الطاولة.

عمل ذلك الدبلوماسي كمبعوث إسرائيلي في البحرين، وقالت ليفني عنه: "تحرك بسرية، لكن بحرية مطلقة في البحرين، ومثّل ذراعًا طويلة وقوية لإسرائيل هناك، بسبب نجاحه الكبير في تكوين علاقات شخصية مع كبار قادة الحكم"، وأكدت ليفني على قدرة الدبلوماسي المحظور اسمه من التقارب لدوائر الحكم في المنامة، وهو ما كلله بترتيب لقاء سري جمع الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز وملك البحرين في 2009.

تشير بعض الشواهد بينها وثائق "ويكليكس"، والصحافي الإسرائيلي بن كاسبيت ولم يذكرها التحقيق، إلى أن ذلك الدبلوماسي هو "بروس كشدان"، الذي يوصف بمهندس العلاقات السرية بين دول خليجية وإسرائيل، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أصدر قرارًا بفرض رقابة على المعلومات التي تخص العلاقات الإسرائيلية البحرينية ولكنه في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، عمل على رفع الرقابة التي تخص تحسين العلاقات، في خطوة تؤكد أن نتنياهو يرغب بتطبيع العلاقات مع البحرين بشكل معلن.

شبه علانية

يُعد اللقاء السري بين الملك والرئيس، من أبرز المحطات في العلاقات بين البلدين، وشهدت بعده العلاقات تطورًا ملفتًا، مهد لمرحلة من شبه العلانية في العلاقات البحرينية الإسرائيلية. وعقب اللقاء الثنائي في 2009، نشرت صحيفة واشنطن بوست في تموز/يوليو نفس العام، مقالًا لسلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد البحرين، وطالب فيه باتباع سياسة تعليمية تساعد في التوجه نحو السلام مع إسرائيل، كما حث الساسة والمثقفين العرب على الانفتاح على الإعلام الإسرائيلي لنقل رسائل للرأي العام الإسرائيلي بشكل مباشر، تؤكد اختيار طريق السلام خيارًا استراتيجيًا من قبل التيار المركزي في العالم العربي. وأشار التحقيق إلى أن نتنياهو علق بعد عدة أيام على المقال وأشاد بالرسائل التي تضمنها. وينقل التحقيق أيضًا أن جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للمنطقة في تلك الفترة، لم يصدق ما سمعته أذناه عندما التقى ولي العهد البحريني، بعد أن قال له الأخير: "نحن العرب نطالب بتهدئة مخاوف الإسرائيليين وأن نتحدث إليهم بشكل مباشر، وهذا سيسهل على نتنياهو مهمة إقناع الرأي العام لديه بالسلام".

كان العام 2011، أحد اسباب "العلاقة الغرامية" بين تل أبيب والمنامة، خاصة بعد دفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن النظام البحريني، فيما يخص قمع المعارضة

أما الحاخام مارك شناير مستشار ملك البحرين، الرجل المثير للجدل، فينقل التحقيق أنه شخص لا يتم التعاطي معه بجدية في الولايات المتحدة بسبب بعض أفعاله، ويُعد قصة رئيسية للصحف الأمريكية المهتمة بالفضائح، ولكنه في ذات الوقت ينشط أحيانًا في مجال تقريب وجهات النظر بين أتباع الأديان المختلفة، وعمل بشكل كبير على تقارب العلاقة بين البحرين وإسرائيل. يقول شناير في التحقيق التلفزيوني عن علاقته بالملك حمد بن عيسى، إنني "أعرف ملك البحرين منذ 2011، حيث كان أول لقاء جمعني به في قصره بالمنامة، لقد كان الحاكم الأول في الخليج الذي تحدث ضد إيران وأنشطتها الإرهابية". ونقل شناير عن ملك البحرين قوله إن "الشرط الأوحد لضمان بقاء الصوت العربي قويًا ومعتدلًا في الخليج يتمثل في أن تبقى إسرائيل قوية".

كان العام 2011، وفقًا للتحقيق أحد اسباب "العلاقة الغرامية" بين تل أبيب والمنامة، خاصة بعد دفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن النظام البحريني، فيما يخص قمع المعارضة أثناء المظاهرات التي عمت أرجاء البلاد. وخلال مقابلة أجرتها شبكة "سي.إن.إن" مع نتنياهو، في آذار/مارس 2011، دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن النظام البحريني، واتهم إيران بالوقوف وراء المظاهرات، ونقل تحقيق القناة الإسرائيلية عن الحاخام مارك شناير، المقرب من ملك البحرين، أن الأخير قاد دول الخليج للإعلان عن حزب الله كمنظمة إرهابية. وبحسب شناير، فإن إقامة علاقات بين تل أبيب والمنامة مسألة وقت، حيث إن "ملك البحرين مثابر حيال رغبته بإقامة علاقات مع إسرائيل. وإذا كانت هناك دولة بنى زعيمها القاعدة والأسس للعلاقات مع إسرائيل فهي مملكة البحرين".

العلانية الصريحة

بعد سنوات من التصريحات والتلميحات بدأت العلاقات التطبيعية بين البلدين في أخذ منحى جديد علني، بداية من أيلول/سبتمبر 2016، عندما أرسلت البحرين مندوبًا لحضور جنازة الرئيس الإسرائيلي بيريز، ونعى وزير الخارجية البحريني الرئيس الإسرائيلي، قائلًا "ارقد بسلام الرئيس شيمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلام لا يزال صعب المنال في الشرق الأوسط". وفي أيلول/سبتمبر 2017، أعلن ملك البحرين خلال لقاء مع منظمات يهودية في لوس أنجلوس، أنه "يشجب مقاطعة الدول العربية لإسرائيل وأنه سيسمح لمواطني البحرين بزيارة إسرائيل قريبًا.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2017، زار وفد بحريني القدس بعد إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، وفي حزيران/يوليو الماضي، استضافت المنامة وفدًا إسرائيليًا رفيع المستوى، شارك في اجتماع لجنة التراث العالمي. وبعد القصف الإسرائيلي للأراضي السورية، في أيار/مايو 2018، أعلن وزير الخارجية البحريني دعم الجانب الإسرائيلي وتأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وقال إنه "طالما أن إيران اخلّت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها ، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر". ووصف أيوب قرا، وزير الاتصالات الإسرائيلي، هذا الموقف بـ"الدعم التاريخي".

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي رحبت البحرين بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمسقط، وعقب تعليق نتنياهو على أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وتأكيده على ضرورة بقاء السعودية مستقرة، أبدى وزير الخارجية البحريني سعادته من تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقال خالد بن حمد: "رغم الخلاف القائم، إلا أن لدى السيد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل موقف واضح لأهمية استقرار المنطقة ودور المملكة العربية السعودية في تثبيت ذلك الاستقرار".

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل والبحرين.. التقاء حقيقي للأفكار والانتهاكات

وخلال زيارة للرئيس التشادي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، غرد نتنياهو على حسابه الخاص باللغة العربية: "قلت للرئيس التشادي ديبي سأقوم قريبًا بزيارات أخرى إلى الدول العربية".

بعد سنوات من التصريحات والتلميحات بدأت العلاقات التطبيعية بين البحرين وإسرائيل في أخذ منحى جديد علني، بداية من أيلول/سبتمبر 2016

 وحدثت حالة جدل كبير حول حقيقة زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للبحرين وتصاعدت الانتقادات ضد المنامة، لينتهي الأمر بنفي كلا الطرفين الزيارة، بينما دافعت المنامة في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن نقل أستراليا سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وقال خالد بن أحمد وزير الخارجية إن موقف أستراليا لا يمس المطالب الفلسطينية المشروعة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية تستأنف رحلة تطبيعها الكامل مع إسرائيل.. تل أبيب محبوبة "العرب"!

تيران وصنافير في الصحف الإسرائيلية: "السعودية ملتزمة بمصالح تل أبيب"