20-مارس-2017

معدات تصوير (Getty)

يخوض الفيلم المصري مغامرة بدءًا من "الفركش"، التي يطلقها المخرج إيذانًا بانتهاء الفيلم، وحتى يصل إلى الجمهور على سي دي، أو موقع إلكتروني أو عبر شاشات إحدى القنوات مقرصنًا، ومسروقًا من السينما، وأحيانًا قبل مرحلة مروره بدور العرض. يخسر المنتج، تضيع الملايين التي دفعها للممثلين والمصورين والمعدات ومواقع التصوير، وينتهي الفيلم بالفشل. لذلك، ولأسباب أخرى -ليست بعيدة- فقدت مصر عشرات الأفلام، وأصبحت السينما في خطر.

يروي مصطفى. ش، 28 عامًا، من القاهرة قصة تسريب الأفلام في مصر.

جنَّد مصطفى، طوال فترة عمله التي امتدّت لخمس سنوات، عشرات العمَّال والأشرجية والموظفين في دور سينما بجميع مناطق القاهرة

جنَّد مصطفى، طوال فترة عمله التي امتدّت لخمس سنوات، عشرات العمَّال والأشرجية والموظفين في دور سينما بجميع مناطق القاهرة. كان يدخل الفيلم للمرة الأولى وبعد خروجه يعرض على أحدهم سيجارة، ويبدأ إغراءه بمنحه فرصة لتصوير الفيلم بكاميرا ذات جودة عالية مقابل مبلغ مادي معتبر، يتراوح ما بين ألفين وخمسة آلاف جنيه مصري (متوسط 200 دولار). غالبًا، يوافق الشخص، وإذا رفض، هناك غيره. لا ينشغل مصطفى بهمّ رفض أحد العمال: "هو الخاسر الوحيد، سيرفض ويفقد وظيفة صورية توفِّر له مالًا أكثر من وظيفته".

بكل سهولة، يستحوذ مصطفى على الفيلم كاملًا بصورة نقية تقترب إلى الـDVD. إذا كان الفيلم أجنبيًا، تبدأ المرحلة الثانية، يمنحه لأحد المترجمين ليضع عليه الحوار مترجمًا. وبعد الترجمة، أو إذا كان الفيلم عربيًا من الأساس، تبدأ رحلة تسويق الفيلم المسروق، الاقتصاد السري الموازي لبيزنس منتجي السينما، ويبيع المنتج للمنتدى أو الموقع الذي يعرض أعلى سعر، والسعر -غالبًا- حسب أهمية الفيلم، ومدى انتشاره، وجودة التصوير والترجمة.

من أين يحصِّل الموقع أو المنتدى الثمن؟

أغلب المصادر تقول إن "جوجل أدسنس" يوفِّر لها غطاء ماليًا لا ينقطع، خاصة أن المنتج خاص وحصري ولا يعرض على أي من المواقع المنافسة. بعض المواقع ترفع الفيلم على موقع يوتيوب، ومن خلال إعلاناته، تحصل على العائد المادي. أمَّا المصدر الثالث، فهو متوفر فقط للمنتديات القديمة، التي تضمن أرضية من الجمهور والزوَّار الدائمين، ما يوفِّر لها أصحاب شركات وأعمال خاصة يعرضون وضع إعلاناتهم على صفحاته بمقابل مادي.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Fences".. لعبة البيسبول الثقيلة

لماذا تفشل شركة الإنتاج في حذف الفيلم طبقًا لحقوق ملكيتها؟

لا يضع مصطفى، أو زملاؤه من مديري منتديات القرصنة الشهيرة تلك المسألة في حساباتهم: "أغلب السيرفرات المرفوعة عليها الأفلام أجنبية، لا أحد من المنتجين المصريين يستطيع أن يصل لها، وبالتالي فالفيلم لا يمكن حذفه". ويضيف ساخرًا: "لو أراد المنتج مقاضاتنا فليذهب إلى المحكمة الدولية".

التجارة مربحة، والمنتجون -مهما تعرَّضوا للقرصنة- يكسبون ملايين، هكذا يوضَّح مصطفى سر امتهانه سرقة أفلام السينما. كان عمره 23 عامًا حين بدأ يسجل بكاميرا الموبايل خفية ويبيعها بـ300 جنيه ثم احترف تسريب الأعمال بالاتفاق مع موظف بالسينما، ووصل ذات مرة إلى حد أخذ نسخة طبق الأصل من شريط الفيلم المعروض، لكن ذلك لم يدُم طويلًا، فما جرى تم كشفه، وفصل الموظف المسؤول.

يرفع مصطفى سرعة الإنترنت دائمًا وبانتظام حتى يتمكن من رفع قدر أكبر من الأفلام، فتجارته قائمة على شيئين، الكاميرا والإنترنت

وبسبب الجودة العالية، التي ترجع إلى الكاميرا، وصل أجره عن فيلم واحد ذات مرة إلى عشرة آلاف جنيه: "كان فيلم حلاوة روح بطولة هيفاء وهبي، ومن إنتاج السبكي، وفي خضم المعركة التي اشتعلت حوله، سرَّبته لإحدى القنوات غير المرخصة فكان له أجر خاص". في المقابل، ربحت القناة أضعاف ذلك المبلغ، ففي تجارة القرصنة، لا أحد يخسر. منتج الفيلم هو الخاسر الوحيد.

يرفع مصطفى سرعة الإنترنت دائمًا وبانتظام حتى يتمكن من رفع قدر أكبر من الأفلام، فتجارته قائمة على شيئين، الكاميرا والإنترنت، هما سرّ البركة. لم يفكر في ملاحقة الأمن له، لأن رجال الأمن "يلاحقون تجار المخدرات، ولا وقت عندهم لمطاردة موزّعي الأفلام"، وفق قوله.

ويضيف: "عقوبة تسريب الفيلم، في أقصى تقدير، عشرة آلاف جنيه وفقًا للقانون المصري.. لو قبضوا عليّ، سأدفع وأخرج لأسرب عشرات الأفلام الأخرى وأستردّ الغرامة، وأتمم رسالتي في الحياة".

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "A Monster Calls" فانتازيا حقيقية
أفلام عدي رشيد.. ترميم العراق بما تيسر