05-مارس-2020

يعرف تاريخ بايدن مواقف مثيرة للجدل (أ.ب)

"الديمقراطيون ينقلبون على (بيرني) ساندرز"، كانت هذه العبارة التي غرّد بها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الأكثر تعبيرًا عن حال المؤسسة الديمقراطية عشية الثلاثاء الكبير. بدون سابق إنذار تسارعت الأخبار الواردة عن إعلان السيناتور إيمي كلوبوشار، وعمدة ساوث بيند السابق بيت بوتجيج، لا انسحابهما فقط من سباق الديمقراطيين إلى الجولة الأخيرة من انتخابات الرئاسة الأمريكية، إنما دعمهما في توقيت واحد تقريبًا للديمقراطي الوسطي جو بايدن.

 بايدن الذي ينظر إليه الديمقراطيون على أنه المنافس المناسب لهزيمة ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، يملك الكثير من النقاط الإشكالية التي تلاحق ملفه عندما كان سيناتورًا في مجلس الشيوخ

يعتبر بايدن واحدًا من الديمقراطيين القلائل الذين انخرطوا بالعمل السياسي مبكرًا. بعد تخرجه من جامعة سيراكوس للقانون بعامين بدأ بايدن العمل السياسي بتعيينه قنصلًا لمدينة نيوكاسل في ولاية ديلاوير ما بين عامي 1970 – 1972، ويبدو واضحًا من سيرة بايدن الذاتية أن الرجل كان لديه طموحًا سياسيًا منذ تلك الفترة، فقد انتخب لأول مرة سيناتورًا في مجلس الشيوخ عن الديمقراطيين في عام 1972، ليكون حينها سادس أصغر سيناتور في التاريخ الأمريكي بعمر 29 عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: ليلة الثلاثاء الكبير.. الوسطيون يقودون بايدن لصدارة المرشحين الديمقراطيين

استمر بايدن في منصب سيناتور عن ديلاوير حتى عام 2009 حين قدم استقالته ليكون نائبًا للرئيس الديمقراطي باراك أوباما حتى انتهاء ولايته الثانية في 20 كانون الثاني/يناير 2017. ترشح بايدن خلال مسيرته السياسية مرتين لانتخابات الرئاسة الأمريكية فشل فيهما 1988 – 2008، كما أنه ترشح ستة مرات لمجلس الشيوخ فاز في جميعها، وعندما استقال من المجلس كان رابع أكبر سيناتور.

لكن بايدن الذي ينظر إليه الديمقراطيون على أنه المنافس المناسب لهزيمة ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، يملك الكثير من النقاط الإشكالية التي تلاحق ملفه عندما كان سيناتورًا في مجلس الشيوخ، حيث كان عضوًا ضمن العديد من اللجان، يمكن القول إن أطولها اللجنة القضائية، بدأها كعضو ما بين عامي 1981 – 1987، ثم عيّن رئيسًا لها ما بين عامي 1987 – 1995، قبل أن يعود عضوًا في اللجنة خلال عامي 1995 – 1997.

ولعل أولى الإشكاليات التي تلاحق سجل بايدن في مجلس الشيوخ عندما أراد ترشيح القاضي روبرت بورك لرئاسة المحكمة العليا رغم رفض الكابيتول هيل ترشيح القاضي الذي أسس مع مجموعة من الطلاب الجمعية الفيدرالية، التي يؤمن أعضاؤها بالحقوق الفردية والسلطة الفيدرالية في عام 1981، والقاضي كلارنس توماس في عام 1991.

وعلى الرغم من معارضته لحرب الخليج الثانية في عام 1991، فإنه كان من الأعضاء الذين وافقوا على تدخل القوات الأمريكية إلى جانب حلف الناتو في حرب البوسنة ما بين عامي 1994 – 1995، التدخل الذي أدى في نهاية المطاف لارتكاب الجنرال الصربي راتكو ميلاديتش مجزرة سربرنيتسا في عام 1995، حيثُ أشار تحقيق استقصائي نشر قبل أعوام في صحيفة الغارديان البريطانية إلى دور واشنطن في حدوث المجزرة، أو أنهم كانوا على علم بحدوثها على الأقل.

يمتاز الجمهوريون عن الديمقراطيين بأنهم ميالين إلى تجاوز المؤسسات الدستورية أكثر من خصومهم، كما الحال في الضربة الجوية التي استهدفت الجنرال الإيراني قاسم سليماني عندما أعطى ترامب الأمر متجاوزًا موافقة الكابيتول هيل عليها، بينما يرى الديمقراطيون أنه من المهم عدم تجاوز السلطات الدستورية التي تجيز الحروب وتشرع القوانين، فضلًا عن تمايزهم ببرنامجهم السياسي في قضايا الرعايا الصحية، تشريع السلاح، الحريات المدنية، الاقتصاد الداخلي، وغيرها من القضايا المحلية مثل الهجرة أيضًا التي تستقطب الرأي العام الأمريكي بشكل كبير.

عند النظر لتاريخ بايدن في مجلس الشيوخ نجد فارقًا كبيرًا بين برنامجه الانتخابي والقرارات التي وافق عليها أو القوانين التي حاول تشريعها، تمامًا مثل التصويت بالموافقة على الحرب الأمريكية على العراق في عام 2002، قبل أن يرفض زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق في وقت لاحق من عام 2007، إلى أنه أقر في أحد المناظرات الانتخابية مؤخرًا أن قرار التصويت على حرب العراق كان "سيئًا"، وهكذا تمامًا كانت سيرة بايدن السياسية متقلبة في مختلف مراحلها.

كان بايدن واحدًا من الأعضاء الشيوخ الذين صوتوا لصالح قانون بناء السياج الآمن في عام 2006 الذي أضاف المزيد من الحواجز على طول الحدود مع المكسيك، وشدد لأكثر من مرة على أنه يجب أن يكون لواشنطن حدود آمنة، لكنه انتقد مقترح ترامب ببناء جدار إسمنتي مع مكسيكو، ودافع لأكثر من مرة عن قرار إدارة أوباما بترحيل ثلاثة ملايين مهاجر غير شرعي من أصل لاتيني إلى بلادهم، القضية التي لا تزال تلاحقه حتى يومنا هذا.

لكن للسيناتور السابق الذي يحظى باحترام كبير في الأوساط الديمقراطية والأمريكية، محاسن في مسيرة سياسته الخارجية لا يمكن تجاهلها، كان من بينها الدور الذي لعبه في توقيع الاتفاق النووي الإيراني خلال إدارة أوباما في عام 2015، قبل أن يعلن ترامب الانسحاب أحاديًا من الاتفاق بعد ثلاثة أعوام على توقيعه، كما أنه كان من الأصوات التي عارضت شن حرب عسكرية على نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وتعارض عودة موسكو إلى مجموعة السبع بعد اقتراح ترامب عودتها.

كذلك فإن بايدن يشارك الديمقراطيين تأييدهم لاتفاقية المناخ الموقعة في باريس عام 2015 – أيضًا انسحب منها ترامب لاحقًا – لكنه يرفض تأييد الصفقة الخضراء التي من شأنها أن تؤدي لتحول جذري في الاقتصاد الأمريكي يحد من التأثير المناخي، وهو في هذا الموقف على عكس الديمقراطيين حتى أقصى اليسار الذين يؤيدونها بحسب ما يقول موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي، الذي يضيف بأن بايدن رفض الانتقادات التي تقول بأن المقترحات المقدمة في برنامجه الانتخابي الخاصة بالأزمة المناخية منسوخة من مصادر خارجية دون أن يشير إليها.

يمكن القول إن السيرة السياسية الداخلية لبايدن المولود لعائلة كاثوليكية متقلبة حسب تاريخ تطور الأفكار على المستوى العالمي، واتساع رقعة الحريات المدنية والشخصية، وما أحدثته ثورة الإنترنت من انفتاح على التجارب الحقوقية، فقد كان بايدن خلال مسيرته معارضًا للإجهاض الذي يصفه بأنه "خطأ" بدون أن يفرض رأيه على الآخرين، لكنه يؤكد على وجوب تشريعه قانونيًا إلا أنه يصر على موقفه الرافض للإجهاض المتأخر.

فعليًا تشكل قضية تشريع الإجهاض خلافًا بين الجمهوريين الرافضين لها، والديمقراطيين الذين يروون فيها حرية شخصية، وهي واحدة من القضايا البارزة التي تستقطب الناخبين الأمريكيين، وكان عدم تشريعها سببًا في تعديل موقف بايدن الذي كان موافقًا على حظر توفير الأموال الفيدرالية لعمليات الإجهاض، قبل أن يعدّل رأيه ليصبح داعمًا للتمويل الفيدرالي، كما الحال مع معارضته التاريخية لزواج المثليين، قبل أن يعلن لاحقًا عن ارتياحه لتشريع قانون زواج المثليين.

وهو مؤيد أيضًا لقرار يسمح للمتحولين جنسيًا بالانضمام للجيش الأمريكي، على عكس ترامب الذي ألغى السياسية المشرعة خلال إدارة أوباما، غير أنه كان من أبرز المشرعين الديمقراطيين الذين فرضوا عقوبات صارمة على تدخين الماريجوانا أو ما شابهها من أصناف المخدرات عندما كان في اللجنة القضائية لمجلس الشيوخ في ثمانينات القرن الماضي، ويعارض في الوقت الراهن تقنين الماريجوانا لأنه قد يكون "مدخلًا للمخدرات" رغم أنه لا توجد حقيقة ثابتة تدعم هذا التصور.

لكنه في مقابل ذلك يدعم بشدة التعليم المجاني للجامعات، وكان قد كشف عن خطة بقيمة 750 مليار دولار لدعم التعليم الجامعي مدة عامين من غير رسوم، ويريد كذلك أن يزيد الضرائب المالية على الأمريكيين الأثرياء في مجالات رئيسية، فضلًا عن مطالبته بزيادة الإعفاءات الضريبية لعوائل الطبقة المتوسطة.

اقرأ/ي أيضًا: كارولينا الجنوبية تمنح جو بايدن ثقتها قبل تصويت الثلاثاء الكبير

بناءً على هذه السيرة مع ترشيحين سابقين للرئاسة الأمريكية، كان واضحًا أن المؤسسة الديمقراطية وجدته السياسي الذي من شأنه هزيمة ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، إذ إن بايدن من أوائل الديمقراطيين الذين أعلنوا عزمهم خوض انتخابات الرئاسة الأمريكية العام الجاري، وبعد الشكوك التي أثيرت حول صحته بسبب إصابته بتمدد الأوعية الدموية الدماغية في عام 1988، أكد طبيبه الخاص كيفن أوكونور أنه "بصحة جيدة.. ومفعم بالحيوية ولائق لتنفيذ واجبات الرئاسة بنجاح" بعد إجرائه فحصًا طبيًا نهاية العام الماضي.

كان بايدن واحدًا من الأعضاء الشيوخ الذين صوتوا لصالح قانون بناء السياج الآمن في عام 2006 الذي أضاف المزيد من الحواجز على طول الحدود مع المكسيك

ورغم ذلك تبقى هناك مخاوف الوسط الديمقراطي من تأثر ترشيح بايدن بالمساءلة التاريخية التي قادها الديمقراطيون في الكابيتول هيل لعزل ترامب من منصبه، بعد ارتباطه بالمكالمة الهاتفية مع نظيره الأوكراني فولدومير زيلينسكي يحثه فيها على إعادة فتح التحقيقات بتعاملات عائلة بايدن التجارية في كييف للتأثير على حملة بايدن الانتخابية. صحيح أن التحقيقات أفضت بالنهاية لتبرئة مجلس الشيوخ للملياردير الجمهوري من التهم المنسوبة إليه، إلا أنها قد تؤثر في النهاية على أداء بايدن في الجولة النهائية من الانتخابات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 بعد فوز ساندرز بجولة نيفادا.. كيف أصبحت خريطة التنافس؟