05-مارس-2020

كان فوز بايدن بمثابة مفاجأة لحملة ساندرز (رويترز)

حددت انتخابات الثلاثاء الكبير التمهيدية للديمقراطيين بصورة كبيرة أسماء المرشحين الذين سيتنافسون في في ميلواكي بولاية ويسكونسن خلال المؤتمر الحزبي في تموز/يوليو القادم، لكن هذا التحديد كلفهم اتحاد قادة وممثلي الحزب في الكابيتول لترجيح كفة نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن على حساب السيناتور الاشتراكي بيرني ساندرز.

كانت عودة بايدن الثلاثاء إلى المنافسة على بطاقة الديمقراطيين بمثابة "نصر كبير"، حصل على تأييد تسعة ولايات من أصل 14 ولاية، بينهما ولايتا تكساس وماساتشوستس 

كانت عودة بايدن الثلاثاء إلى المنافسة على بطاقة الديمقراطيين بمثابة "نصر كبير"، حصل على تأييد تسعة ولايات من أصل 14 ولاية، بينهما ولايتي تكساس التي كانت استطلاعات الرأي تشير لتصدر ساندرز قائمة المرشحين فيها، ثم جاءت المفاجئة الثانية بتصدر بايدين خيارات الناخبين في ولاية ماساتشوستس التي كانت تشير التوقعات لتصدر السيناتور إليزابيث وارن نتائجها، نظرًا لأن الأخيرة تعتبر من الديمقراطيين المقربين من ساندرز أولًا، وقرب ماساتشوستس من ولاية فيرمونت مسقط رأس الأخير ثانيًا.

اقرأ/ي أيضًا: كارولينا الجنوبية تمنح جو بايدن ثقتها قبل تصويت الثلاثاء الكبير

حتى مساء الأربعاء، سجل فرز أصوات الناخبين في الولايات الـ14، تصدر بايدن النتائج بعد فوزه في تسع ولايات، فيما تشتد المنافسة في ولاية مين التي يتصدرها بايدن بفارق 0.8 بالمائة على حساب ساندرز، بخروجه في الثلاثاء الكبير منتصرًا بأربع ولايات رغم تراجع أدائه، بينها ولاية كاليفورنيا التي في حال بقيت نتائج فرز الأصوات على حالها فإنه سيكون لديه مكسب مهم يتحصل عليه من الولاية التي لديها أكثر من 400 مندوب سيتم توزيعهم على المرشحين الذين يتجاوزون نسبة 15 بالمائة في الانتخابات التمهيدية.

الأمريكيون الأفارقة.. حكمة بايدن السياسية في الثلاثاء الكبير

تشير الصحافة الأمريكية إلى أن نطاق المساحة الجغرافية في مقارنته مع انتصار بايدن كان كبيرًا، يبدأ من خليج تشيزابيك في ولاية فرجينيا، أولى الولايات التي أعلنت فيها نتائج الثلاثاء الكبير بفوز بايدن، ووصولًا إلى السهول الغربية لتكساس، فقد استطاع السيناتور السابق أن يحظى بدعم الناخبين الأمريكيين من أصول أفريقية وكبار السن الذين كان لهم دور حاسم في تصدر بايدن نتائج الانتخابات، إضافةً لحصوله على دعم النساء، بينهم المرأة الديمقراطية الوحيدة المنسحبة من الانتخابات التمهيدية إيمي كلوبوشار، بينما كانت نقاط ضعفه الرئيسية واضحة بين الناخبين الشباب والأمريكيين من أصول لاتينية.

يوضح المحلل الاستراتيجي الديمقراطي ستيف أسيف اهتمام بايدن بالناخبين من أصول أفريقية أو كبار السن، بأنه لطالما استخف المرشحون الديمقراطيون في الانتخابات التمهيدية بأصوات هؤلاء الناخبين، إلا أن "الحكمة السياسية التقليدية" التي استخدمها المرشحون الحاليون أثبتت بأنها "ليست على ما يرام".

فقد أبرز دعم الناخبين من أصول أفريقية الثابت في جميع الولايات الأمريكية تحولًا كبيرًا أشبه بـ"المعجزة" في أداء بايدن، فهو فاز في كل ولاية بأكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين من أصول أفريقية، على سبيل المثال يمكن النظر لكاليفورنيا حيث حصل على 33 بالمائة من أصواتهم، بينما في ولاية ألاباما حصل على نسبة وصلت لـ72 بالمائة، وعلى النقيض من ذلك رغم حصول ساندرز على أصوات جيدة من الناخبين من أصول أمريكية في الولايات غير الجنوبية، فإنه فشل في مقابل ذلك بتحسين أرقامه عن انتخابات 2016 التمهيدية.

أبرز العوامل التي ساعدت بايدن على الفوز

لم تكن أصوات أصحاب الأصول الأفريقية العامل الوحيد الذي ساعد بايدن على تحويل أدائه السيء إلى انتصار كبير في ليلة الثلاثاء، بل كان من أكثر العوامل أهميةً تحقيق توقعاته المطلوبة في انتخابات كارولينا الجنوبية قبل 72 ساعة على موعد الثلاثاء الكبير، عندما تصدر الانتخابات مدعومًا بـ60 بالمائة من أصوات الناخبين من الأصول الأفريقية، فضلًا عن الحملة التي قادها  أكبر نائب من أصل أفريقي في الكابيتول هيل عن الولاية جيم كليبرن في الأوساط الديمقراطية لدعم يايدن.

يصف مايكل جودوين في مقال نشرته صحيفة نيويورك بوست الأمريكية تعهد بايدن بعد انتصاره في الثلاثاء الكبير بـ"القتال من أجل الشعب" بأنه "رسالة جيدة"، رغم أنها في الوقت نفسه "رسالة خاطئة وهشة"، لأن الدبلوماسي الديمقراطي السابق لم يكن بإمكانه تحقيق هذا التقدم دون مساعدة سيناتور فيرمونت بسبب برنامجه الانتخابي الاشتراكي الذي جعل المؤسسة الديمقراطية تخاف انتصاره في الانتخابات التمهيدية.

كانت عشية الثلاثاء الكبير مفصلية عند المسؤولين الديمقراطيين بعد إعلان المرشحين المعتدلين عمدة ساوث بينت السابق بيت بوتجيج إلى جانب كلوبوشار انسحابهما من السباق الانتخابي، وتقديم دعمهما لحملة بايدن الانتخابية بعد الأداء المتراجع في كارولينا الجنوبية، في موقف يؤكد تأييد المؤسسة الديمقراطية لأن يكون بايدن مرشحهم لمنافسة ترامب.

فقد انطلق الوسطيون في المؤسسة الديمقراطية لإعداد بديل مناسب لساندرز الذي كان يتصدر المرشحين حتى ما قبل الثلاثاء الكبير، وسمح له ذلك ببناء قاعدة لحملته الانتخابية لا يمكن التغلب عليها، في ظل شكوك تساور الديمقراطيين حول إن كان ممكنًا ترشيح ساندرز ضد ترامب لانتخابات تشرين الثاني/نوفمبر القادم، ساعده على ذلك تلقي الدعم من أسماء ديمقراطية وسطية بارزة، من بينها سفيرة واشنطن السابقة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، وزعيم الأغلبية الديمقراطية السابق في مجلس الشيوخ هاري ريد.

لكن ذلك لا يعني المبالغة بالانتكاسة التي تعرض لها ساندرز في الثلاثاء الكبير، إذ إنه بحسب ما يشير موقع ذا هيل الأمريكي لا يزال يملك قاعدة كبيرة بالإضافة لقدرته على جمع التبرعات، إلا أن ذلك لا يعني أيضًا عدم مواجهة حملته الانتخابية لأسئلة خطيرة، من بينها خسارته في ولايتي مينيسوتا وأوكلاهوما اللتين فاز بهما في الانتخابات التمهيدية عام 2016، بالإضافة للضربة التي تلقاها بخسارة تكساس، وفقدانه مرةً أخرى لأصوات الأفارقة بفارق كبير.

الديمقراطيون يتحدون خلف بايدن

حتى ما قبل نتائج كارولينا الجنوبية كان المسؤولون الديمقراطيون يواجهون صعوبةً باختيار المنافس المناسب لساندرز في انتخاباتهم التمهيدية، إذ على الرغم من تصدر بايدن مجمل استطلاعات الرأي على مستوى المؤسسة الديمقراطية في الولايات المتحدة، فإن أداءه الضعيف دفع المسؤولين الديمقراطيين للتشكيك بإمكانية منافسته لساندرز، لدرجة أن أداءه كان أضعف من أداء بوتجيج، كما أنه لا يملك قدرة كلوبوشار الانتخابية أو لديه ثروة قطب الإعلام الأمريكي مايكل بلومبيرغ لتمويل حملته الانتخابية، ما جعل الديمقراطيين غير قادرين على اختيار الاسم المناسب.

غير أن كل شيء تغير بعد كارولينا الجنوبية، بعدما ساد اعتقاد واسع النطاق داخل المؤسسة الديمقراطية بأن بايدن سيكون المرشح المناسب لإيقاف تقدم ساندرز في الانتخابات، سرعان ما جرى تنفيذه على أرض الواقع بإعلان كلوبوشار وبوتجيج انسحابهما، وحصوله على الدعم من المرشح السابق بيتو أوروك، ما أعطاه زخمًا كبيرًا سمح له بتأكيد استطلاعات الرأي التي أشارت لتصدره خيارات الديمقراطيين.

تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير لها إن الصعود الذي حققه بايدن في غضون ثلاثة أيام لم يكن ليتم لولا اتحاد ديمقراطيي الوسط السريع نظرًا لعدم ميولهم لـ"الثورة السياسية"، في إشارة واضحة إلى برنامج ساندرز الاشتراكي، فإضافةً لإظهاره حجم قاعدته الشعبية المتينة بين الأمريكيين الأفارقة، كان الجميع يخبر الناخبين الذين يريدون التصويت لساندرز أنهم يخشون من أن ترشيحه لانتخابات الرئاسة يعني بقاء ترامب في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى.

وهو ما يتوافق مع تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية يورد أن فوز بايدن في كارولينا الجنوبية دفع بقادة الحزب الديمقراطي في جميع أرجاء البلاد لتوجيه بوصلة الدعم صوب حملته الانتخابية، فقد كان الديمقراطيون بالأساس منقسمين فيما بينهم على اسم المرشح المناسب لمنافسة ترامب، لكن بعد تصويت الأمريكيين الأفارقة في كارولينا الجنوبية تجمع قادة الحزب حول بايدن.

كان بايدن خلال الأشهر السابقة محط الكثير من الجدل بالنسبة لكثير من القادة الديمقراطيين، فقد وصفه الممثل أوروك بأنه يمثل "العودة إلى الماضي"، أما نائب الكابيتول هيل عن ولاية أوهايو تيم ريان فقد شكك بصحته الجسدية بقوله إنه "لا يملك الطاقة الكافية" ليكون رئيسًا، إلا أن الرجلين أظهرا دعمهما الثلاثاء لحملة بايدن الانتخابية، وهو ما تراه نيويورك تايمز بأنه يصب في خانة "المفاجآت القليلة" عند الديمقراطيين.

هل انحصرت المنافسة بين بايدن وساندرز؟

الآن بعد الاقتراب بشكل كبير من معرفة هوية المرشحيّن اللذين سيستمران في السباق الانتخابي إلى نهايته، تبقى الأسئلة تحوم حول مستقبل حملة إليزابيث وارن، بعد إعلان بلومبيرغ انسحابه من السباق بناءً على تصريحات صادرة عن رئيس حملته، وتغريدة النائبة إلهان عمر التي دعت فيها وارن للانسحاب من أجل توجيه قاعدتها الشعبية لدعم ساندرز الذي يحظى بدعم عمر.

وفقًا لتقارير الصحافة الأمريكية فإن الديمقراطيين يمكنهم الاستفادة من حملة بلومبيرغ الانتخابية بطريقة أخرى. صحيح أنه وفقًا لنظام تمويل الحملات لا يمكنه التبرع بأي مبلغ مالي لحملة بايدن، إلا أنهم يمكنهم الاعتماد على العديد من موظفيه على تسجيل أسماء الناخبين، أو حتى مساعدة الحزب على هزيمة ترامب من خلال سيطرته على منصات إعلانية في مناطق هامة.

أما بالنسبة لوارن فإن الأمور أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة لها، نظرًا لعدم إمكانيتها تنظيم حملة انتخابية فيها الكثير من الموظفين الذين يدعمهم المانحون والناخبون أنفسهم، لذلك فإن أكثر الخيارات التي تتحدث عنها الصحافة الأمريكية تنصب في إطار انسحابها من السباق الانتخابي مع تقديم الدعم لساندرز، وهو ما سيمنحها مكانًا في البيت الأبيض في حال فاز ساندرز بانتخابات الرئاسة، قد يكون من بينها منصب نائب الرئيس أو رئاسة مكتب حماية المستهلك الذي تفضل أن تشغله.

ويشبه موقع The bulwark عملية إيقاف الديمقراطيين لصعود بيرني في انتخاباتهم التمهيدية بأسرع وقت ممكن بأنه "كي للجرح"، فهو رغم أنه مؤلم إلا أنه لا يخلو من الخطورة لأنك إذا قمت بذلك بطريقة خاطئة قد تؤدي إصابة الجرح للموت، مضيفًا أن خسارة ساندرز للانتخابات بـ"شرف" لن يقنع الديمقراطيين المتشددين الذين يعتقد الكثير منهم أن كل شيء كان "مزورًا" ضد ساندرز.

لذلك فإن نتيجة الثلاثاء الكبير أدت في النهاية بحسب ما ترى مجلة تايم الأمريكية إلى معركة ضارية بين مرشحين مختلفين بشكل واضح، وبينما يحظى بايدن بدعم واسع من الديمقراطيين المعتدلين أو المسؤولين الأمريكيين الأفارقة أو المسؤولين الديمقراطيين، فإن سيناتور فيرمونت يملك جيشًا شعبيًا مستقلًا قام ببناء قاعدته على أصوات الأمريكيين اللاتينيين التي شهدت تقدمًا في الانتخابات الحالية قياسًا بالانتخابات السابقة.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| دان لابوتز: اليسار أقوى الآن ويمكن التغلب على ترامب

على الرغم من أن أداء بايدن اللائق في المناظرات التلفزيونية إلا أنه لم يكن متساويًا، وكانت حملته الانتخابية تواجه خطر الإفلاس بإجمالي مبلغ لا يزيد عن 60 مليون دولار، ما جعل الحملة غير قادرة على تحمل تكلفة شراء الإعلانات، لكنها في مقابل ذلك استفادت من أحداث غير متوقعة، كان من بينها الأداء السيئ لبلومبيرغ في المناظرة التي استبقت انتخابات نيفادا، فضلًا عن تقدم ساندرز السريع في الوقت الذي كان الديمقراطيون فيه يبحثون عن مرشح وسطي لمنافسة ترامب.

 سجل فرز أصوات الناخبين في الولايات الـ14، تصدر بايدن النتائج بعد فوزه في تسع ولايات، فيما تشتد المنافسة في ولاية مين التي يتصدرها بايدن بفارق 0.8 بالمائة على حساب ساندرز

وخلال الأيام الثلاثة اللاحقة لانتخابات كارولينا الجنوبية تمكنت حملة بايدن من جميع تبرعات بقيمة 15 مليون دولار، وبدأ موكب الديمقراطيين والمسؤولين المنتخبين بالسير خلف حملته الانتخابية، إلا أن ذلك لا يقلل من قاعدة ساندرز الشعبية القوية، غير أنه يعطي صورة واضحة عن انتخابات الديمقراطيين المتقلبة، فإذا كان شهر شباط/فبراير بمثابة العاصفة المثالية لساندرز، فإن شهر آذار/مارس سيكون العاصفة المثالية لبايدن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 بعد فوز ساندرز بجولة نيفادا.. كيف أصبحت خريطة التنافس؟