01-أبريل-2021

احتمالات محدودة أمام إدارة بايدن للرد على تصعيد كوريا الشمالية (Getty)

في خطوة تمثل تطورًا جديدًا للأزمة الدبلوماسية في شرق آسيا بين كوريا الشمالية من جهة، والولايات المتحدة من جهة مقابلة، ردت شبه الجزيرة الكورية على تحذيرات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي أكد فيها أن واشنطن "سترد على أي تصعيد" بشأن اختبارات الصواريخ الباليستية التي يجريها الشمال، ووصفتها بأنها "انتهاك لقرار الأمم المتحدة"، مشددةً في نبرة تهديدية على استعدادها لمواصلة تطوير ترسانتها العسكرية.

في خطوة تمثل تطورًا جديدًا للأزمة الدبلوماسية في شرق آسيا بين كوريا الشمالية من جهة، والولايات المتحدة من جهة مقابلة، ردت شبه الجزيرة الكورية على تحذيرات الرئيس الأمريكي جو بايدن

الشمال يرسل تهديدات لواشنطن

عاد الخطاب التصاعدي إلى واجهة الأزمة الدبلوماسية في شرق آسيا، بعدما أجرت بيونغ يانغ تجربة جديدة لبرنامج الصواريخ الباليستية قصيرة المدى في بحر اليابان، والتي تعمل على تطويرها بشكل منتظم منذ استلام كيم يونغ أون للسلطة في عام 2011، ووصف الشمال التجربة الباليستية الجديدة بأنها "مقذوفًا تكتيكيًا موجهًا" جديدًا، وما كان لافتًا في عملية الإطلاق أنها جاءت بالتزامن مع إطلاق مسيرة شعلة أولمبياد طوكيو المؤجل من العام الماضي بسبب فيروس كورونا الجديد حتى الصيف المقبل، بحسب ما أكدت الولايات المتحدة بالاشتراك مع حلفائها كوريا الجنوبية واليابان.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو اندلعت الحرب ضد كوريا الشمالية؟.. سيناريو مُتخيّل لكارثة محتملة

فعليًا، كان الأسبوعان الماضيان مثالًا على محاولة بيونغ يانغ اختبار موقف الإدارة الأمريكية الجديدة في البيت الأبيض، فيما يخص برنامج تطوير ترسانتها العسكرية، فقد سجل في هذا الخصوص إطلاق مجموعة صواريخ كروز قصيرة المدى قبالة الساحل الغربي، بعد أربعة أيام من المناورات العسكرية المشتركة التي كانت تجري بين الجيشين الكوري الجنوبي والأمريكي معًا، في خطوة وصفها الرئيس الأمريكي بأنها "عمل اعتيادي".

في التطورات اللاحقة للتجربة الصاروخية الأخيرة التي أجرتها بيونغ يانغ، وتعتبر الأولى من نوعها منذ تولي إدارة الرئيس بايدن مهامها رسميًا في البيت الأبيض، رد بايدن على تجاربة الصاروخيّن الباليستييّن مشيرًا إلى أن بلاده تقوم بالتشاور مع حلفائها، قبل أن يضيف محذرًا من وجود رد أمريكي إذا ما اختار الشمال التصعيد، دون أن يقفل باب المفاوضات الدبلوماسية مع شبه الجزيرة الكورية شريطة أن تكون مرتبطة بالنتيجة النهائية لجهود نزع السلاح النووي.

وكما كان متوقعًا ردت بيونغ يانغ على تصريحات بايدن في بيان صدر عن المسؤول العسكري الذي أشرف على إطلاق الصاروخين ري بيونغ شول واصفًا تصريحات الرئيس الأمريكي بكونها "تعديًا واضحًا على حق دولتنا (كوريا الشمالية) في الدفاع عن النفس واستفزازًا لها"، وأضاف في نبرة تهديدية محذرًا من أنه "إذا واصلت الولايات المتحدة تعليقاتها المتهورة بدون التفكير في النتائج، فيمكن عندها مواجهتها بشيء غير حسن"، لافتًا إلى أن الشمال على أهبة الاستعداد لمواصلة تعزيز قدراته العسكرية.

وكان مجلس الأمن قد تبنى قرارًا بالإجماع يوم الجمعة الماضي، ينص على تجديد التفويض الخاص بخبراء الأمم المتحدة الذين يعملون على مراقبة العقوبات الأممية المفروضة على كوريا الشمالية، وذلك على خلفية الاجتماع الذي عقد بين الدول الأعضاء لمناقشة أحدث تجارب بيونغ يانغ للصواريخ الباليستية.

أمام الإدارة الأمريكية ثلاثة خيارات للرد

على الرغم من الموقف المتشدد لواشنطن اتجاه بيونغ يانغ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فضلًا عن فشل مفاوضات نزع السلاح النووي الشمالي، مرفقًا بالعقوبات الأممية التي أثرت سلبًا على اقتصاد بيونغ يانغ، فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بادر بمحاولات دبلوماسية لإعادة إحياء مسار المفاوضات مع يونغ أون بدون أن يتوّصل الطرفان لاتفاق واضح، وهو ما دفع بالشمال للعودة إلى التجارب الصاروخية مجددًا.

وينقسم الخبراء فيما يخص التوقعات المرتبطة بأزمة الصواريخ الكورية الشمالية، إذ يرى  القسم الأول أن الاختبارات الصاروخية التي أجراها الشمال مؤخرًا لا تشير إلى إغلاق المسار الدبلوماسي بين واشنطن وبيونغ يانغ، بقدر دلالتها على التهديدات التي تشكلها ترسانة الشمال العسكرية، الأمر الذي يعطيها قدرة تفاوضية محتملة في حال استئنفت المحادثات بين البلدين.

في مقابل ذلك يقول قسم ثانٍ من الخبراء إنه من الخطأ أن تتجاهل واشنطن التجارب الصاروخية قصيرة المدى التي يجريها الشمال، وخصيصًا بعدما أعلن يونغ أون أن بلاده أصبحت تمتلك تكنولوجيا لتصغير الرؤوس الحربية النووية ووضعها على صواريخ تكتيكية، بينما ربط فريق ثالث من الخبراء مراجعة إدارة بايدن لسياستها اتجاه كوريا الشمالية بأنها ستكون متعلقة باستراتيجيتها الخاصة بالصين، الحليف الرئيسي الوحيد لكوريا الشمالية.

وخلال الأسابيع الماضية برزت تطورات جديدة فيما يخص المفاوضات الكورية الشمالية – الأمريكية التي انهارت أساسًا منذ القمة الثانية التي جمعت ترامب بنظيره يونع أون في شباط/فبراير في العام 2019، بعدما رفضت واشنطن تخفيف العقوبات المفروضة على الشمال في مقابل استغناء الأخيرة عن برنامجها النووي، ولاحقًا وضع الشمال شرط تخلي واشنطن عن "سياستها العدائية" حتى يعود إلى طاولة المفاوضات.

وقبل أكثر من عشرة أيام هاجمت الشقيقة الصغيرة للزعيم الكوري الشمالي كيم يو يونغ المناورات العسكرية المشتركة بين سيول وواشنطن بوصفها "بروفة غزو" لبلادها على حد تعبيرها، وبحسب ما نقلت صحيفة رودونغ سينمون الكورية الشمالية الرسمية فإن شقيقة يونغ أون التي توصف في بلادها بـ"الشقيقة القوية" حذرت إدارة بايدن من أنها إذا ما أرادت أن تمضي فترة ولايتها بهدوء خلال السنوات الأربع القادمة، فإنه من "الأفضل من البداية عدم التسبب بأعمال تجعلكم تصابون بالأرق".

الجميع ينتظر إدارة بايدن لمراجعة سياستها اتجاه الشمال

بالعودة إلى التجربة الصاروخية الأخيرة، فقد قلل كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية من أهمية ما وصف بـ"الأعمال الاستفزازية" التي يمكن أن يقوم بها الشمال، مشيرين إلى أن التوقعات تدل منذ وقت طويل على أن يونغ أون سيحاول إرسال رسالة لإدارة بايدن يعكس فيها أهمية الشمال في شرق آسيا، فقد اعتبر مسؤول أمريكي كبير أن التجربة الصاروخية الأخيرة للشمال لن تكون سببًا في عرقلة المفاوضات الدبلوماسية في حال اتفق البلدان على عقدها مستقبلًا.

وفيما قلل كبار المسؤولين في إدارة بايدن من أهمية التجارب الصاروخية، فإنهم أكدوا كذلك على أن القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة في حالة تأهب قصوى دائمة، حيثُ تملك بيونغ يانغ سجلًا حافلًا من الاختبارات الصاروخية التي تجريها عند حصول انتخابات رئاسية في كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة، كما الحال مع تجربتها الصاروخية عند تولى دونالد ترامب مهامه رسميًا في كانون الثاني/يناير 2017، وكذلك أيضًا مع الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن الذي تولى مهامه رسميًا في أيار/مايو من العام عينه.

في غضون ذلك، تتحدث تقارير أمريكية عن انتظار أعضاء مبنى الكابيتول بالإضافة لحلفاء واشنطن إعلان إدارة بايدن عن سياسته التي سينتهجها اتجاه بيونغ يانغ، وسط ترجيحات بأن يتم الإعلان عن تفاصيلها خلال الأسابيع القادمة، بعد انتهاء الإدارة الأمريكية من مراجعتها، والتي تتخللها مشاورات مكثفة مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته ترامب، والتي وصفتها إدارة بايدن بأنها "مفيدة للغاية"، وأرجعت إدارة ترامب توقف المفاوضات مع الشمال للعديد من الأسباب، بما في ذلك جائحة فيروس كورونا الجديد، وإعادة تقييم كوريا الشمالية لنتائج المفاوضات.

لكن ماذا عن رد الشمال على سياسة إدارة بايدن؟

ليس واضحًا أن السياسة التي ينتهجها يونغ أون من الممكن أن تؤتي ثمارها باتفاق يرضي جميع الأطراف الفاعلة في أزمة الصواريخ الكورية الشمالية، فقد أكد زعيم كوريا الشمالية قبل عشرة أيام من تولي إدارة بايدن مهامها رسميًا على مضي بلاده في توسيع ترسانتها النووية وتعزيز قدراتها العسكرية، وأضاف مشددًا على أن أنشطة بلاده يجب أن ينصب تركيزها في السياسة الخارجية مستقبلًا على "إخضاع الولايات المتحدة" بوصفها "العقبة الأساسية والعدو الأكبر" الذي يقف في وجه "التطور الثوري" للشمال، مطالبًا مسؤولي الشمال بـالسعي الحثيث لبناء طاقة نووية.

ويرى الخبراء أن رغبة الشمال في الجلوس على طاولة المفاوضات تتمثل برفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والسماح لها كذلك بالاحتفاظ بترسانتها النووية، غير أن صعوبة تحقيق هذين المطلبين قد تدفع ببيونغ يانغ لاختيار نهج أكثر استفزازًا، مثل أن تقوم بإجراء تجربة صاروخية بعيدة المدى أو إجراء تجربة لصواريخ محملة برؤوس نووية، نظرًا لانتهاجها سياسة في الوقت الراهن تقوم على استراتيجية الخطاب التصعيدي بالتزامن مع إجراء تجاربها الصاروخية قصيرة المدى.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد كشف عن تواصل الإدارة الأمريكية الجديدة مع بيونغ يانغ لإعادة إحياء مسار المفاوضات الدبلوماسية بين البلدين في شباط/فبراير الماضي، غير أن الدعوات الأمريكية قوبلت بتجاهل من الجانب الكوري الشمالي، وردت النائبة الأولى لوزير خارجية كوريا الشمالية تشوي سون هوي على الدعوات الأمريكية مؤكدة على استمرار الشمال في تجاهل مثل هذه العروض الأمريكية بسبب ما وصفته بـ"العداء الأمريكي".

وينظر الخبراء إلى عملية الإطلاق الأخيرة بأنها ترجمة لتهديدات الزعيم الكوري الشمالي الذي حذر واشنطن من أنها "لا يمكنها أن تنام بسلام" إذا ما رُفضت مطالب بلاده، ويضيف الخبراء مستبعدين أن تقوم إدارة بايدن بتقديم أي تنازلات لمواجهة التجارب الصاروخية قصيرة المدى التي يجريها الشمال دوريًا، فضلًا عن ذلك فإن التوقعات لا تدل على دخول الطرفين في مفاوضات فردية إذا لم تقدم كوريا الشمالية تعهدات بنزع سلاحها النووي.

أمام الموقف الأمريكي الأخير الذي رد عليه الشمال بالاختبارات الصاروخية التي أجريت الأسبوع الماضي، فإن التوقعات تتحدث عن تحول في نهج بيونغ يانغ قد يتمثل بعودتها لإجراء اختبارات صاروخية 

وأمام الموقف الأمريكي الأخير الذي رد عليه الشمال بالاختبارات الصاروخية التي أجريت الأسبوع الماضي، فإن التوقعات تتحدث عن تحول في نهج بيونغ يانغ قد يتمثل بعودتها لإجراء اختبارات صاروخية بعيدة المدى أو حتى نووية، في ظل مزاعم يونغ أون من امتلاك بلاده قدرات صاروخية يمكنها من خلالها الوصول إلى البر الرئيسي في الولايات المتحدة، وفي حال أقدمت بيونغ يانغ على مثل هذه التجارب فإن الرد الأمريكي بالاشتراك مع حلفائها سيكون في إطار فرض المزيد من العقوبات الأممية على الشمال، غير أن هذا الرد قد يصطدم بالحليف الصيني الذي يتمتع بحق النقض (الفيتو) داخل مجلس الأمن.