03-يوليو-2018

يذخر بيت الكريتلية بقلب القاهرة القديمة بعشرات الأساطير التي تروى عنه (انفراد)

بيت الكريتلية أو الكريدلية؛ بيتٌ واحد تسكنه عشرات الأساطير، يجمع بين جدرانه العالم مُصغّرًا، بسرديته الأسطورية، وحكاياته التي اختلط فيها الخيال بالحقيقة والملحمة بالأسطورة، والتاريخ بالدين.

التاريخ يطل بوجهه القديم من قلب القاهرة

هو بيت يعود لتاجر من القرن الـ16 الميلادي، يقع في إحدى أقدم أحياء القاهرة، مجاورًا لجامع الأعاجيب والأساطير، وأكبر جوامع القاهرة، جامع أحمد بن طولون.

يعود بيت الكريتلية في قلب القاهرة، للقرن الـ16،و تحاك حوله عشرات الحكايات التي اختلطت الحقيقة فيها بالأسطورة

في عام 1930 آلت ملكية البيت إلى طبيب وجامع تحفٍ إنجليزي، يدعى جاير أندرسون، والذي أثثه وملأه بالتحف. وكان أندرسون قد عقد اتفاقًا مع الحكومة المصرية، بأن يسكن البيت دون أن يدفع أجرته، على أن تؤول ملكيته للحكومة بعد تركه، وهو ما حدث فعلًا عام 1945.

اقرأ/ي أيضًا: تعرف إلى الأصول التاريخية لأسماء بعض أحياء القاهرة الشهيرة

وفضلًا عن تأثيثه وترميم ما يحتاج إلى الترميم، وبالإضافة إلى أنه بنفسه وحياته مثّل جانبًا من حكايات البيت التي تُروى للآن؛ عمل جاير أندرسون على جمع الحكايات والأساطير المتداولة حول المنزل الذي سكنه، ودوّنها.

بيت الكريتلية الذي بات يُسمى رسميًا "متحف أندرسون"
بيت الكريتلية الذي بات يُسمى رسميًا "متحف أندرسون"

ويحكي جاير أندرسون قصة تعلقه بهذا البيت، فيقول: "عندما جئت إلى القاهرة عام 1906 لألتحق بالجيش المصري، كنت طبيبًا، ولم تمضِ بضعة أيام حتى جئت بترجمان يصطحبني لمشاهدة بعض المعالم المميزة. بدأنا رحلتنا من مقر إقامتي بفندق شيبرد، وكان من أول المعالم التي زرناها مسجد من القرن الـ19، هو مسجد أحمد بن طولون العظيم، والذي يقع في قلب القاهرة، وهي منطقة لها رمزية شعبية ودينية عظيمة ولكنها منطقة فقيرة جدًا أيضًا".

يُضيف: "عند اقترابي من المسجد انبهرت ببيت بني من الحجر، أشبه بقلعة محصنة ارتفعت أمامي و امتدت لتكون جسراً يغطي الممر المؤدي إلى البوابة الرئيسية لابن طولون. وأثارت انتباهي فتاة مصرية جميلة، ظهرت من إحدى المشربيات فجأة، مكشوفة الرأس تتمايل وتناديني، فسألت المرشد: ماذا تقول؟ فقال لي: قليلة الحياء تدعوك إلى الدخول".

نصح الترجمان جاير أندرسون بألا يدخل. لكن فضوله لم ينجح في مقاومة الدخول لصحن المنزل القديم، عبر بوابة عظيمة زُينت بزخارف ملونة منقوشة على الحجر، ملحق بها باب خشبي ضخم مطرز بالأوتاد المعدنية، ويبدو أنه لم يُغلق منذ قرون.

يصف جاير أندرسون ما رآه عند دخوله المنزل أول مرة: "كانت الأرض مغطاة بالمخلفات والقمامة من كل شكل ونوع، ويتجول بداخله الأطفال البؤساء، ودجاج نُتف ريشه، وقطتان وكبش. الجميع كانوا على قدم المساواة".

تقول الأسطورة إن جبل يشكر الذي بني عليه بيت الكريتلية، هو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح بعد الفيضان العظيم

كان بيت الكريتلية في الأصل عبارة عن بيتين على جانبي ممر يؤدي إلى جامع أحمد بن طولون. لكن هذه العلاقة المعمارية الحميمية بين البيت والمسجد لم تدم طويلًا، إذ قامت هيئة الآثار بهدم ما يتصل من البيت بالمسجد، لفصله عن محيطة.

الأساطير.. وكأن العالم كله مرّ من هنا

تتحدث إحدى الأساطير عن البيت، أن جبل يشكر، الذي بُني عليه البيت وجامع بن طولون، كان في سالف العصر أعلى جبال مصر، وأنه عليه رست سفينة نوح بعد الفيضان العظيم. وأنّه في هذه المنطقة، وفوق هذا الجبل، شهد العالم القديم أول حضارات ما بعد الفيضان الذي قضى على الأخضر واليابس.

اقرأ/ي أيضًا: شوارع وأحياء مصر.. وراء كل اسمٍ حكاية

وتزيد الأسطورة بأنّه في جوف صخر الجبل بئر محفورة، أثارت مياه الفيضان. يُطلق على البئر اليوم بئر الوطاويط، وهي نفسها البئر التي بني حولها بيت الكريتلية.

جبل يشكر نفسه له قصة أسطورية أيضًا، إذ يُعتقد بأنه الجبل الذي شهد قصة إسماعيل الذبيح الذي فداه الله بكبش، بعد أن كاد يُذبح بسكين أبيه إبراهيم امتثالًا للأمر الإلهي. عندما فُدي إسماعيل بالكبش، راح إبراهيم "يشكر" ربه كثيرًا، فسمي الجبل جبلَ يشكر.

المؤرخون، ورجال الدين المفسرون، يختلفون مع الأسطورة بالجملة، بين من يرى أن حادثة فداء إسماعيل بالكبش كانت في القدس أو ما حولها، وبين من يرى أنها حدثت في مكة.

يقال إن البئر في بيت الكريتلية مسحورة
يقال إن البئر في بيت الكريتلية مسحورة

وبيت الكريتلية وما حوله، تُنسب إليه أساطير تربط المنطقة بالمُقدّس، فقيل إن ما حول بيت الكريتلية هو المنطقة التي قابل فيها النبي موسى أعوان فرعون من السحرة.

ويروى أيضًا عن البيت، أنه إنما بني حول بئر الوطاويط، "البئر المبارك الذي كان موجودًا منذ أيام طوفان نوح"، بإشارة من أمير الجن الساكن في أعماق البئر، احتماءً بجدران البيت عن صخب العمران، لينام بأمان هو وبناته السبع الحسان وسط كنزهم المسحور!

يقال إن بيت الكريتلية بُني بإشارة من أمير الجن الذي أراد الاحتماء بجدران البيت هو وبناته السبع وكنزهم المسحور

هذه وغيرها الكثير من الأساطير المتولدة، التي تروى عن البيت العجيب، وما جاوره من مسجد له هو الآخر حكاياته الأعجب. ويضج هذا المنزل بالزوار والسياح، الذين شُغفوا بالاطلاع على ما يُروى حوله من أساطير، تلك التي دونها الخواجة أندرسون، أو التي يحكيها لهم البواب وأهل المكان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحلة في عالم طنطا.. مدينة الأسياد والأولياء الصالحين

في مصر.. أسماء قرى أغرب من "ميت بز"