30-يونيو-2017

من موقع بنك المعرفة المصري

تتباهى الحكومة المصرية بأن لديها واحدة من أكبر المكتبات الرقمية، والتي يمكن لكل المصريين الولوج إلى محتواها ببطاقة الرقم القومي "الهوية". عند دراسة بعض جوانب المشروع، طرحنا بعض الأسئلة حول جدواه "لكل المصريين" وحقيقة اهتمام الحكومة المصرية، صاحبة المبادرة، بالباحث المصري فعلًا ومدى حقيقة "حاجة الباحث المصري" للمشروع، ومدى ضرورة وجوده في اللحظة الراهنة في مصر.

تتباهى الحكومة المصرية بأن لديها واحدة من أكبر المكتبات الرقمية لكن تمويلها الضخم يطرح أسئلة حول حجم الاستفادة الحقيقية منها

مشروع بنك المعرفة المصري هو أكبر بوابة إلكترونية تمثل "بنكًا رقميًا للمعرفة" حول العالم، كما يقدمها المشرفون عليها، هدفها الأول إتاحة مصادر المعرفة المحلية والدولية بشكل رقمي على الانترنت لجميع المصريين. وهو نتاج مبادرة أطلقتها الحكومة المصرية عام 2014 بهدف "بناء مجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر". وقد افتتحه عبد الفتاح السيسي في كانون الثاني/ يناير عام 2016.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبات الجامعة.. كتب بلا قرّاء

لمن أُنشئ بنك المعرفة المصري؟

السؤال جدلي. ولكن الإجابة موجودة عند "بنك المعرفة" المصري نفسه وهو أنه اُنشئ "لأجل كل المصريين". البيانات المطلوب إدخالها للدخول إلى محتوى الموقع، هي بيانات شخصية عادية تتمثل في اسم الفرد ورقم الموبايل والبريد الالكتروني والرقم القومي وبكبسة زر على الموافقة على شروط الاستخدام يصبح للفرد القدرة على الدخول إلى المحتوى "العظيم" للمشروع، الذي يضم شراكات متميزة مع أكثر من 30 مؤسسة ودار نشر عالمية من بينها ناشونال جيوجرافيك وقناة ديسكفري وجامعة كامبريدج وغيرها. ولكن يبقى السؤال الأهم.. هل المجتمع المصري وحتى الباحثون بحاجة إلى بنك المعرفة المصري أم لمسائل بسيطة أخرى؟

ذكر تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي نشرت الجريدة الرسمية الأهرام بعضًا من تفاصيله: أن "نسبة الأمية لإجمالي الجمهورية بين الأفراد (10 سنوات فأكثر) بلغت 20.9٪ (للإناث 27.3٪ مقابل 14.7٪ للذكور). إذن سوف يُحرم من القدرة على استخدام المشروع و الولوج إلى محتواه الضخم حوالي ثلث المصريين غير القادرين على القراءة والكتابة، فهل لا يزال المشروع أولوية؟

الباحث الأكاديمي في مصر: كفاح من أجل أبسط الحقوق

وفقًا لتصريحات الدكتور طارق شوقي، أمين المجالس التخصصية ورئيس المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي، فإن تكلفة مشروع بنك المعرفة المصري تعد "ضئيلة نسبيًا في مقابل الخدمات التي يقدمها"، حيث قال "مصر كانت تنفق 13 مليون دولار على الاشتراكات و18 مليون دولار على الكتب الانجليزية في أقسام اللغات بالجامعات المصرية، وأكثر من 20 مليون دولار على الكتب الانجليزية في التربية والتعليم، وكل هذه النفقات في مقابل الحصول على 20% من المحتوى الذى حصلنا عليه".

لكن أحدًا لا يشير على وجه الدقة كم تكلفة مشروع بنك المعرفة المصري بالأرقام. وعلى أي حال فإذا كانت الدولة تصرف "بالعملة الصعبة" على الكتب الإنجليزية وعلى الاشتراكات في وزارة التربية والتعليم، فهي لا تفعل ذات الشيء مع الباحث الأكاديمي.

نذكر الأزمة التي مر بها الباحثون الأكاديميون من حملة رسالة الماجستير والدكتوراه الذين اضطروا إلى تنظيم عدة وقفات احتجاجية للمطالبة بتعيينهم في الوظائف الحكومية. وكيف تعاملت معهم قوات الأمن، التي قامت بضربهم بالعصي واعتقالهم عام 2015 لرفضهم فض مظاهراتهم، ربما كان الأولى توجيه مصاريف بنك المعرفة لمساعدتهم وغيرهم من الباحثين الشبان.

اقرأ/ي أيضًا: عن مجانية التعليم في مصر وعوالم موازية

"نحو مجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر".. هل هذا صحيح؟

يتساءل عديد المصريين إن كان مشروع بنك المعرفة ليس إلا ديكورًا لإنجازات الحكومة الوهمية، التي تغيب عنها الرؤية في تحديد الأولويات

إذا كان الهدف من مشروع بنك المعرفة المصري هو خلق مجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر، فكيف يستطيع هذا المجتمع أن يبتكر وهو لا يشعر بالأمان، وغير قادر على الحصول على أدنى حاجاته كمواطن؟.

المادة 23 من الباب الثاني للدستور تقول: "تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 1% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي".

فإذا كان الدستور المصري يعطي الأولوية لرعاية "الباحث الأكاديمي"، وتعطيه الحق في المساهمة في نهضة البحث العلمي، فهل يقع بنك المعرفة المصري، بما يكلفه للدولة من أموال، في إطار الحاجة الملحة لدعم الباحث العلمي في مصر، الذي يتحمل كافة نفقات رسالته العلمية و مصروفات الجامعة المفروضة عليه من أجل استكمال رسالته؟

هل بنك المعرفة المصري في النهاية، يقع ضمن خارطة الديكور الخاصة بإنجازات الحكومة المصرية، التي تغيب عنها الرؤية في تحديد الأولويات، وعدم وجود استراتيجية معينة للتنسيق بين الأبحاث هائلة العدد، التي يقوم بها الباحثون على مستوى الجمهورية؟

تظل القيمة الحقيقية لبنك المعرفة المصري محصورة بكونه أداة إلكترونية جديدة للحصول على المعرفة إلى جوار أدوات أخرى موجودة بالفعل، مثل المكتبة المركزية لجامعة القاهرة، ومكتبة الكونجرس، ومكتبات أخرى إلكترونية توفر ما يحتاجه الباحث من مصادر معلومات، بينما تبقى أولويات أخرى للباحث غائبة عن التمويل، مثل حاجته أولًا وأخيرًا إلى مراكز بحثية وطنية تدفع له وتأمن له معيشته، وتستفيد من خبراته البحثية والأكاديمية وتخلق بالفعل مجتمعًا باحثًا ومفكرًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المعلم العربي على مذبح أخلاقيات العلم

هجرة العقول العربية..النزيف متواصل