22-سبتمبر-2015

يُقدر الغرب كفاءات الطلبة العرب ويوفرون الظروف لتألقهم(Getty)

منذ سنوات، تعتبر هجرة العقول العربية إلى الدول المتقدمة أزمة حقيقية تستنزف قدرات العالم العربي، فبالنظر إلى الإحصاءات العديد من الجامعات العربية والمراكز البحثية، إضافة إلى تقرير منظمة اليونيسكو الخاص بالبحث العلمي، نتبين أن نسبة هجرة العقول في تزايد خطير، مع تواصل عجز الحكومات العربية عن اتخاذ أي خطوات للحد من ذلك. وتكلف هجرة العقول العالم العربي حوالي 200 مليار دولار سنويًا.

تشير إحصائية قامت بها "المؤسسة الدولية للمعلومات" إلى أن 60 في المئة من اللبنانيين هاجروا إلى دول متقدمة أو يرغبون بالهجرة ما إن تسمح الظروف بذلك، وذلك على الرغم من إمكانية إيجادهم فرص عمل في بلدانهم.

60 في المئة من اللبنانيين هاجروا إلى دول متقدمة أو يرغبون بالهجرة

وفي تونس، يعتبر أصحاب الشهادات العليا، الفئة الأكثر معاناة من البطالة، ويعود ذلك إلى كون المستثمر العربي يستهدف أساسًا اليد العاملة الرخيصة، وبذلك يجد أصحاب الشهادات أنفسهم في مأزق وأمامهم حل وحيد وهو الهجرة إلى البلدان الغربية. كما أن نسبة الإنفاق على البحث العلمي في تونس تقدر بحوالي 1.25 في المئة من ميزانية الدولة التونسية، والتي لا يُعرف بالتحديد أين وكيف تنفق هذه الأموال.

أما في الأردن، وبحسب دراسة أجراها أنور البطيخي، رئيس الجمعية الأردنية للبحث العلمي، كانت أكبر هجرة لأساتذة الجامعات بين سنتي 2007 و2009. وقدرت بحوالي 20 في المئة من نسبة أساتذة الجامعات وتوجه أغلب الأساتذة المهاجرين إلى أوروبا الغربية وكندا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية.

وبحسب نفس الدراسة، حوالي 100 في المئة من المبعوثين من الجامعات الأردنية لمواصلة دراسة الدكتوراه في مجال الحاسوب لا يعودون إلى وطنهم الأصلي. وفي دراسة أخرى، أجراها فيضي عمر محمود، رئيس اتحاد الأطباء العرب في ألمانيا، ونشرت عام 2012، يذكر أن 54 في المئة من الطلبة العرب الذين يسافرون للدراسة بالخارج لا يعودون مرة أخرى إلى أوطانهم.

العرب و الغرب في الإنفاق على البحث العلمي

يرى الكثيرون أن الأمر يتعلق بقضية أولويات وأسلوب إدارة سياسية في المقام الأول وذلك بالنظر إلى حجم إنفاق العرب على السلاح، يقارب 100 مليار دولار، في حين لا يتجاوز حجم الإنفاق على البحث العلمي نصف مليار دولار فقط.

كما أن الجامعات العربية لا تنفق إلا 1 في المئة من ميزانيتها على البحث العلمي، فيما تنفق الجامعات الأمريكية 40 في المئة من ميزانيتها. وبشكل عام تشكل ميزانيات البحث العلمي 3.5 في المئة من الناتج القومي للدول الغربية، بينما لا تشكل في الدول العربية سوى نسبة 0.116 في المئة من الناتج القومي.

لا يتجاوز حجم الإنفاق العربي على البحث العلمي نصف مليار دولار

ويرى البطيخي، رئيس الجمعية الأردنية للبحث العلمي، أن "الولايات المتحدة تنفق حوالي 1000 دولار سنوياً على المواطن الأمريكي بهدف تطوير البحث العلمي، أي بمعدل 300 مليار دولار سنويًا، في حين تنفق الصين 50 دولار على المواطن الصيني الواحد أي بمجموع 50 مليار دولار سنويًا، أما الدول العربية فهي تنفق 4 دولارات فقط سنويًا".

وبالنسبة لبراءات الاختراع، فبحسب النسبة السنوية التي تصدرها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، يتضح أن الفرق شاسع بين البلدان العربية والغربية المتقدمة. في عام 2008، سجلت الدول العربية مجتمعة 173 براءة اختراع في حين سجلت تركيا 367 براءة اختراع، كوريا الجنوبية 7908 براءة اختراع، الصين 6089 براءة اختراع، والهند 766 براءة، وهذا دون المقارنة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، التي سجلت وحدها 200 ألف براءة اختراع.

نماذج للعقول العربية المهاجرة

تتعدد النماذج العربية التي هجرت وطنها الأصلي وأثبتت إمكانياتها بالخارج ولكن أبحاثهم ونتاج عملهم لم يعد ينسب لدولتهم الأم وإنما للدولة التي عملت على بناء شخصياتهم وحصلوا على جنسياتها ومنهم أحمد زويل، وهو أمريكي الجنسية مصري الأصل، اشتهر بكيمياء الفيمتو والفيمتوثانية، وابتكر نظام تصوير الليزر لرصد حركة الجزيئات عند نشوئها والتحامها، وورد اسمه في المرتبة التاسعة بين أفضل 29 شخصية من بين علماء الليزر في أمريكا.

ومن الكفاءات المهاجرة، مايكل إلياس دبغي، لبناني الأصل وحاصل على الجنسية الأمريكية، وهو طبيب جراح، ابتكر في سن الثانية والثلاثين مضخة القلب الدوارة، وهي أداة أصبحت جزءًا أساسيًا من آلة القلب والرئة وجراحة القلب المفتوح. ويعتبر دبغي أول من قام بجراحة تخطي الشريان الإكليلي، وفي عام 1953 كان رائدًا في تطوير القلب الصناعي وفي استعمال مضخة القلب الصناعية، ثم أصبح أسلوبه في ترقيع الشرايين أساسيًا في جميع العمليات الجراحية بالعالم.

ومن المبدعين العرب المهاجرين أيضًا نور الدين مليشكي، وهو أمريكي من أصل جزائري، بروفيسور وعالم فيزياء سجل 14 براءة اختراع لأجهزة وألياف متطورة، كما ابتكر اختراعات في علم الهندسة المدنية وله مساهمات في تطوير التقنيات البصرية الحساسة للكشف المبكر عن السرطان، وساهم مليشكي بشكل كبير في إنجاح مهمة مسبار الفضاء "كيوريسيتي" على سطح المريخ.

العودة إلى الديار.. ممكنة؟

غالبًا، لا ينوي الطلبة العرب، الذين يدرسون بالخارج، العودة إلى بلدانهم نتيجة إهمالها لكفاءاتهم وللبحث العلمي بصفة عامة، إلا أن بعض المهاجرين قرروا العودة إلى أوطانهم الأصلية، في محاولة منهم لإفادة أبناء بلدهم.

ولكن سرعان ما يعود أغلبهم من جديد إلى بلد الهجرة. فعلى سبيل المثال عاد فاروق الباز، مدير مركز أبحاث الفضاء في جامعة بوسطن الأمريكية، أكثر من مرة إلى مصر، ولم توفر الدولة له في المقابل أي دعم تجاه مشاريعه، وأبلغوه بالاكتفاء بتدريس الكيمياء بالمعهد العالي في السويس، ما اضطره للانتظار بمصر 6 أشهر دون عمل ومن ثم 6 أشهر أخرى قام خلالها بأعمال حرة، قبل أن يعود للولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى.