19-أكتوبر-2016

صورة أرشيفية لموقع هجوم إرهابي على نقطة للجيش المصري في سيناء (أوريل سيناي/Getty)

في 25 حزيران/يونيو 2006، شنت ثلاثة من فصائل المقاومة، هي كتائب القسام ومجموعة تطلق على نفسها جيش الإسلام هجومًا نوعيًا كبيرًا على موقع لجيش الاحتلال في معبر كرم أبو سالم. نتج عن ذلك الهجوم قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأسر رابع يدعى جلعاد شاليط (20 عامًا) بعد جرحه في الاشتباكات العنيفة التي استشهد فيها فلسطينيان. انزعج الرأي العام الإسرائيلي من مشاهد "أسر" الشاب جلعاد الذي كان عمره وقتها لا يجاوز السبعة عشر عامًا، وهو الشاب النحيل الأبيض ذو الابتسامة الواسعة. انزعجوا لأن الكاميرا التي كانت على معبر كرم أبو سالم صورت أصدقاءه وهم عاجزون عن الدفاع عنه، خوفًا من القناصة أو خوفًا من القنابل التي قد يكون المهاجمون قد زرعوها في المعبر إثر الهجوم لإنجاح عملية الأسر.

هل يدرب الجيش المصري أبناءه على حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم؟ أم يقدمهم لقمة سائغة للإرهابيين على الحدود؟

بعد مدة استُبدل العسكري شاليط بـ1027 أسير فلسطيني تم تحريرهم في صفقة تبادل للأسرى في 18 تشرين الأول/أكتوبر عام 2011. أما في مصر وبعد أن قامت أسطورة الرئيس ذي الخلفية العسكرية على أنه "الحامي" واستمد شرعيته من "عسكرية انتمائه"، ومن المؤسسة "الأقوى في البلاد"، التي من أهم مهامها الحراسة الأمنية لحدود البلاد، وتشمل مهامها أيضًا الحفاظ على أرواح مجنديها. ولكن الواقع دومًا منفصل عن "المفروض" في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: هل يشكل "تنظيم الدولة" في سيناء خطرًا على إسرائيل؟

فقد قُتل في هذا الشهر 15 جنديًا مصريًا وأصيب 6 آخرون ونحن نتحدث عن عام 2016، وفي عام 2015 هاجم مسلحون يُعتقد انتماؤهم لتنظيم "ولاية سيناء"، كمينًا للجيش المصري في جنوب الشيخ زويد، في محافظة شمال سيناء وقالت وقتها صحيفة الشروق إن عدد القتلى من الجيش المصري قد بلغ 65 من قوات الجيش. أما عام 2014 فقد كان عام كرم القواديس الذي راح فيه ضحية الهجوم الإرهابي في سيناء والشيخ زويد 33 جنديًا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي تفعله الدولة التي تصدّر نفسها لأهلها وللعالم منذ عامين على أنها تحارب الإرهاب؟ وما الذي فعله "النظام" الذي يحارب الإرهاب لكي يحافظ على أبنائه من الإرهابيين؟ هل يدرب الجيش المصري أبناءه على حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم؟ أم يقدمهم لقمة سائغة للإرهابيين على الحدود؟ وكيف يلتقط الإرهابيون أماكن الجنود بهذه السهولة، وكيف يقع أبناؤنا لقمة سائغة لهؤلاء؟

السيئ في الأمر أن صورة الجندي الذي لا يعرفه المصريون تتصدر الصحف والجرائد المصرية طالما كان ميتًا وموضوعًا في تابوت وملفوفًا بعلم مصر، أما وهو حي يرزق فهو جسد بلا قيمة؛ موضوع على الحدود لكي يكون الهدف القادم للانتهاك طالما أنه لا صوت له ولا قيمة له في دوائر بعينها؟

لماذا يجب أن يموت أحدهم ليطير الجيش فوق رؤسهم؟ هل تدخل هذه الضربات تحت بند الدعاية؟

ما الذي يحدث إذن؟ إذا كان الميت إنسانًا وليس كلبًا رخيصًا فلماذا يكون موته أهم من حياته؟ ولماذا يتم استثمار مقتلهم لمزيد من الابتزاز والعنترية التي يقوم بها الإعلام الرسمي للرأي العام؟

والسؤال الثاني هو: إذا كان الجيش بعد كل عملية يستشهد فيه الجنود في سيناء يقوم بالطيران فوق رؤس أهداف معينة وقصفها؛ فلماذا يجب أن يموت أحدهم ليطير الجيش فوق رؤسهم؟ هل تدخل هذه الضربات تحت بند الدعاية؟

حين تقرأ وتسمع وتشاهد ما يحدث لهؤلاء الجنود المساكين لا تشعر أنك تسمع عن جنود بواسل استشهدوا في معركة بل عن عناصر ضعيفة كانت في صفقة النظام وأن الطرف الآخر للصفقة هو الإرهاب.

الأول يبيع للعاديين قصص هؤلاء ليستمد شرعيته التي يعرف جيدًا أنها آخذة في التآكل، والثاني "الإرهاب" يستمد قوته من ضعف الجيش واستهلاكه في مساحات أخرى لا يُفترض أن يكون فيها.

الناتج العام المحلي: شريط أسود تم لصقه على شاشات الإعلام البيرواقراطية الرخيصة، وأمهات ثكالى، وتعويضات، وجنازات، وملف مطوي يُستخدم وقت اللزوم. وكأن الميت كلب وليس إنسانًا هو أغلى ما سنملك طوال الوقت وهو أسهل ما نفقد طوال الوقت!

اقرأ/ي أيضًا:

سيناء..الأسئلة المحرمة!

استراتيجية داعش للتجنيد..الشباب أولًا