03-ديسمبر-2020

لوحة لـ باية/ الجزائر

مرآة:

آلافٌ من النّحلات يحملْن صوتكِ

كطلع وحيٍ إلى زهرات سمعي

اللّواتي تفتّحْن كسرّة بطنِ حاملٍ من ملاك

فأصغي كنجمةٍ لانعكاسها في قطرة سمٍّ

تعلقتْ بشعركِ، كمنارةٍ في عيونِ بحّارةٍ

سفينتُهم سمكةٌ ينظِّفُ البحرُ بصاريتها مياهه الحادّة

كالعشق بعد مائدة الحنين.

أصيخ السّمع إلى وحيكِ

كنبيٍّ فَضّ عذريّتَه نكاحُ السّماء

متلمّسًا قماشة أخطائه

فيمسح ما سال من دمِ المتعة والرّهبة على رمش الهواء.

يا صوتكِ،

يا دالًّا تنزّه عن دلالاته

واستوى على عرش الصّدى

ساكبًا مقلتيه عسلَ ضوءٍ في شمع السّماء.

*

 

أنا، أيّتها النّحلاتُ

لستُ دبًّا بنيًّا يحبّ العسل

فيخرّب رفّ كتبٍ من أجل أقراص الشّهد.

أنا أيّتها النّحلات؛ أنا انتحارٌ في لوحة لفان كوخ 

يصرخُ: تبًّا للمنظور.

*

 

لم أُحدِّث الغيمَ القديم عنكِ

بقي بيتي قميصًا من غبار.

صافيتا (1) ترفل بالبلل

الأرصفة تنظّف أسنانها المصفرّة من كثرة الخادرات.

الشّرفات تنزع حمالات صدرها

تُعهّر أثداءها لشمس المطر

تترك حلماتها تساوم قرنفلًا يزدهي بسمرة فضيّة.

بيتي غريبٌ لا يفكّ عجمة البلل

يرطن، يُهلوس بأنهارٍ نسيتْ تبلبلَ ألسنتها

فأنكرتها الضّفافُ

وأنا منذ خلعتُ قبلتكِ أوّل مرّة

صار ظلّي فوبيا (2) الماء.

كلّ غرقٍ

ليس في سرابكِ، محضُ ضلال.

كلّ غرقٍ

لا يلفظني على شاطئكِ الصّخري

أزرقَ كإله، كهذا المطر الّذي يسحّ الآن.

*

 

الهواءُ يشي بالبرودة

البرودةُ تشي بالمطر

المطرُ يشي بصوت خطواتكِ؛

مجروحٌ هوائي مضمّدٌ بغيمة غياب.

*

 

تمدّ الرّيحُ ساقيها كلسان أفعى

كياسمينةٍ تلقي بعقبِ عمرها عن كتفِ الشّرفة

التي يدلّيها شغفُ عاشقين

فتستدير أصابع قدميها كفراشة الماء

وتهمس لغيمة: جميل هو الحنّاء.

*

 

انعكاس:

البعدُ ظرف زمانٍ لامتناع المكان

فيما النّحلات يتهرّأن كسمع بتهوفن

فليس من قِدْرٍ أَطبخ به عدسَ النّبوّة (3)

وأسرق بُكوريّة الذّاكرة.

الوحي يسْكَر في الحانة

يرمي دنانير الشِّعر على الغانيات

ونابُ الدّبِّ البنّي معلّقٌ كمسمارٍ في الحائط

تتدلّى منه الدّلالات، لوحات بيضاء عمياء.

*

 

الشّرفةُ التي عُلِّق عليها الأصيص؛

سيجارة بين لهبين.

الأصيصُ حدقةٌ بيضاء

بؤبؤها موشور.

الياسمينة لسانٌ

حدّد سمت (4) النّظر.

الحدقة تتكسّر

لم تعد الرِّياح تضرب بعصاها برزخ الهروب

السّيجارة ترسِل دخانها كساق نبيّ

تتعطّفين عليّ، وتمجّين زهرة سيجارتي،

أصرخ:

أيّها المطر العنين

الحبّ قاتلٌ، يظلّ يحوم حول مكان جريمته.

 

هوامش

  1. مدينة الشّاعر.
  2. الرهاب والخوف.
  3. إشارة إلى قصة عيسو ويعقوب في التوراة عندما عرض عيسو الولد البكر ليعقوب على أخيه التوام، أن يعطيه البكورية والنبوة مقابل صحن من العدس المطبوخ.
  4. في علم الفلك: النُّقْطَةُ الَّتِي تَقَعُ فَوْقَ رَأْسِ الْمُشَاهِدِ عَمُودِيًّا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تُخرج من حقيبتها ظلًا

أعيشُ كي لا أوجد