08-يوليو-2019

جورج حبش (Getty)

السؤال الأوّل الذي يتبادر سريعًا إلى ذهن قارئ التقرير الملفّق والمُفبرك الذي نشرته جريدة "الأخبار" في لبنان صباح اليوم بعنوان "عزمي بشارة على خطى السعوديين: إغراء للاستحواذ أو الذم والتشهير/قطر تستهدف إرث جورج حبش"؛ هو: كيف توصّل كاتب المادة، (أو كتبتها) الذي لم يذكر اسمه/هم، خجلًا على الأغلب من سخافتها، إلى خلق علاقة بين عزمي بشارة ومسألة خاصة بين عائلة تملك حقوق سيرة وذكريات شخصية سياسية، وناشر السيرة بين عائلة جورج حبش وناشر سيرة حياة المناضل الراحل؟ بأي عقل أو خيال توصّل إلى هذا الربط العجيب مع عزمي بشارة. ثم سؤال بديهي عن "فريق التحرير" أو العاملين في "الجريدة" الذين رأوا كل هذا الاصفرار ولم يفكروا لوهلة بأنه مكشوف حتى بالنسبة لصحف صفراء.

لا حاجة لقارئ متمعن حتى يفهم ألا علاقة لعزمي بشارة بالأمر البتة. ولا صلة له لا من قريب ولا من بعيد برسالة زوجة جورج حبش وقصتها مع مركز دراسات الوحدة وسيف دعنا

جاءت الأسطر التي نشرتها "الأخبار" خالية من أي معايير مهنية، غير آبهة بأي من شروط الموضوعية، بعد يومين من حديث السيدة هيلدا حبش، زوجة المناضل الراحل جورج حبش، عن عملية قرصنة تعرّضت لها، مُتعلّقة بنشر مركز دراسات الوحدة العربية لمذكّرات زوجها. ذكرت حبش أنّها أرسلت مذكّرات الراحل إلى الكاتب سيف دعنا لقراءتها وتقديمها، ولكنّها تفاجأت باستيلائه عليها، وادّعاء إعدادها وتحريرها، مؤكّدة أنّ مركز الدراسات شارك سيف دعنا في عمليته هذه التي وصفتها بـ "مصادرة لحقوق أدبية ومعنوية وتاريخية"، مُغفلًا حقوقها.

اقرأ/ي أيضًا: المركز العربي للأبحاث..الأكاديميا الحرة في مواجهة البروباغندا والاستبداد

لا حاجة لقارئ متمعن حتى يفهم ألا علاقة لعزمي بشارة بالأمر البتة. ولا صلة له لا من قريب ولا من بعيد برسالة زوجة جورج حبش وقصتها مع مركز دراسات الوحدة وسيف دعنا. لكنّ "الأخبار"، وفي تنافس وتماثل مع صحف وإعلام أبوظبي والرياض وتوابعهما، وبأساليب لا تحترم أدنى موجبات العمل المهني أو حتى العقلي السليم، اختلقت امتدادًا للقصة وألّفت علاقة بهلوانية تبلغ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لتهاجم عزمي بشارة.

تدعي "الجريدة" عبر تلفيقها وبدون أية أدلة أو شواهد أو حتى تفاصيل، أنّ هناك حملة تستهدف مركز دراسات الوحدة العربية ومعه سيف دعنا. وبسردية مخابراتية تشبه منطق مموليها، تدّعي أنّ المفكّر العربيّ عزمي بشارة يقف خلف هذه الحملة، لا بل يديرها بنفسه أيضًا، من خلال استخدامه لجريدة القدس العربي لتمرير بيان تقول "الأخبار" إنّه "منسوب لعائلة حبش". وعلى رأي ابنة المناضل جورج حبش، لمى، فليس غريبًا أن تخرج "الجريدة" غدا لتؤكّد أنّ العائلة التي أعادت اليوم نشر بيان السيدة هيلدا، بجميع أفرادها، هي كذلك عائلة منسوبة لجورج حبش.

 

ولعل من المفارقة، أو التهوّر الكاشف لصفرة "الجريدة"، أنها وهي المعروفة بالتصرف وكأنها ناطق باسم الجبهة الشعبية في أكثر من مناسبة وموقف، تصنف بيان زوجة حبش على أنه مما "لم يتسن التأكد من صحته"! ألم تجد الصحيفة طريقة للتواصل مع عائلة حبش للتأكد منها؟ أليس هذا إخراسًا متعمدًا ووقحًا لصوت زوجة مؤسس الجبهة الشعبية، وإهانة وإساءة فجة إلى عائلته؟ أم أن الرغبة في التساوق مع السعودية في الهجوم على المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والدكتور عزمي بشارة، أكبر من أي رادع أخلاقي تجاه زوجة جورج حبش واستعمالها في تهجمات مؤامراتية مختلقة بتعنّ واضح؟ ثم وبعد تصريحات العائلة المستمرة ضد مادة الأخبار وكل ما فيها من تلفيق وأكاذيب، هل ستعتذر "الجريدة" وتحاسب من نشر تلك السطور؟ أم أن قرار النشر ليس فرديًا بل يمثل "الجريدة" كلها، لتتركه دون اسم أو توقعه باسمها، وهما سيّان في عرف الصحافة؟ ومن يمتلك الجرأة على تمرير هذه الترهات باسم "الجريدة" كلها لتصير معبّرة عن مستوى ومهنيّة كل موظف فيها وإساءة لكل صحفي يعرف من الصحافة ألفها وباءها وحسب؟

بيّن وواضح أن "الأخبار" لا تريد من هذا السجال شيئًا عدا الهجوم الاعتباطي على عزمي بشارة، مُظهرةً كمية انحطاط باتت غير معقولة إطلاقًا، مُبتعدة عن القصّة الأساسية، ومستخدمة إياها في الوقت نفسه، لتمرير أكاذيب وافتراءات وادعاءات مختلفة. عدا عن حرف مسار القصّة وربطها به دون أن يكون على دراية بها من الأساس. والأظرف من ذلك أنّها ذهبت، كخطوةٍ نحو زيادة مصداقية تقريرها، كما توهّمت طبعًا، نحو عباراتٍ وجُمل مُكرّرة مئات بل آلاف المرّات في صحف الرياض وأبوظبي ومن يتبعهما، كـ "مستشار أمير قطر"، وغيرها من العبارات التي تُكتب وتُطرح رغم نفسها مرارًا، علمًا أن بشارة وفي أكثر من مناسبة أكّد أنّه مفكر ولا مسمى سياسيًا لديه في قطر ولا غيرها.

تؤكّد الأخبار بتقريرٍ مفبرك كهذا وبلغة ومضمون لا يختلفان عن صحف الإمارات والسعودية سوى في مصدر التمويل، المستوى المنحدر من البروباغاندا الذي تتبناه. كما تبين المنطق الملفق، الذي غالبًا ما تنبني عليه الحملة ضد المركز العربي للأبحاث، وضد بشارة شخصيًا. أما بعيدًا عن التمويل، فإنها، جميعها، في خندقٍ واحد، أو حفرةٍ واحدة، تناصر فيها الاستبداد وتصفّق له. جوقة عميان متأهّبين دائمًا لمهاجمة أي مشروع عنوانه تحرير الإنسان العربيّ واسترداد كرامته.

المركز العربي للأبحاث يرد

وفي رده على الواقعة، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بيانًا شجب فيه افتراء "الجريدة"، معتبرًا أنها "قامت بزج اسم المركز واسم مديره في خبر لا يتعلق بهما، وليست له أي صلة به على الإطلاق، وتحويل مسألة قانونية وحقوقية قائمة بين طرفين محترمين هما العائلة والناشر إلى مزادٍ رخيصٍ تحولت معه الجريدة إلى مباءةٍ لاختلاق الأكاذيب المحضة وفبركتها، مستهترةً بأبسط القواعد المهنية ومواثيق أخلاق العمل الإعلامي المتعارف عليها. ومن نافلة القول، إن هذه المسألة القانونية تهم طرفيها وليس المركز العربي".

كما أكد البيان أن "مدير المركز العربي الدكتور عزمي بشارة ليست له أية صلة مباشرة أو غير مباشرة بجريدة القدس العربي التي تصدر في لندن، وكذلك لا يعمل مستشارًا لأي مسؤول سياسي، وهذا نوع من الافتراءات الرخيصة ... وهو باحث معروف بمؤلفاته المرجعية ومنشغل بمشاريعه البحثية التي تستنزف وقته وجهده، ومع ذلك، فقد تخصصت بعض الأبواق السعودية والإماراتية والإسرائيلية بربطه بشؤون لا تهمه ولا شأن له بها، وقد انضمت هذه الصحيفة إلى هذا النادي غير المحترم".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يزعج عزمي بشارة إعلام السيسي.. إلى هذا الحد؟

كما شدد البيان على أن المركز العربي أصبحت له مكانته المعتبرة في العالم الأكاديمي عربيًا ودوليًا. وهو ليس بحاجة إلى أن يقتطف من هذه المؤسسة أو تلك باحثًا بعينه لأغراض تلفّقها جريدة "الأخبار"، بهدف التجهيل بالمركز وبوزنه في الحياة الأكاديمية العربية والعالمية. وتابع: "إنّ هذه الادعاءات من قبل صحيفة صفراء تعتبر مسيئة لمؤسسات بحثية شقيقة وامتهانًا للعاملين فيها".

بيّن وواضح أن "الأخبار" لا تريد من هذا السجال شيئًا عدا الهجوم الاعتباطي على عزمي بشارة، مُظهرةً كمية انحطاط باتت غير معقولة إطلاقًا، مُبتعدة عن القصّة الأساسية

 أخيرًا اختتم البيان بتأكيد أن "التزامنا العلمي الأكاديمي بموضوعية البحث لا يتعارض مع انحيازنا الأخلاقي للغاية العليا من العلوم الاجتماعية وهي الحرية. وذلك من خلال انحيازه إلى قضايا المواطن العربي وعلى رأسها القضية الفلسطينية والكرامة والحرية والمواطنة التي تعاديها هذه الصحيفة حين يتعلق الأمر بما يخالف أجنداتها السياسية وارتباطاتها الإقليمية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إعلام إسرائيل الحاقد على عزمي بشارة

اقتحام الوكالة الفرنسية العلني لحقل "البروباغندا".. سقطة المؤسسة بألف