13-يونيو-2017

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

عقب تأسيسه سنة 2010، تطورت الأحداث بسرعة في المنطقة العربية واندلعت احتجاجات شعبية وثورات غيّرت المشهد العام كليًا، فكان عليه أن يلعب دوره كمؤسسة بحثية، فكرية، ملتزمة بقضايا الأمة العربية تشخص أوضاعها وتطرح التحديات التي تواجهها وتُعنى بعلاقاتها مع محيطها. نتحدث عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وهو المركز الذي طالما أثار النقاشات حوله، ليس فقط حول أبحاثه ومخرجات دراساته وندواته بل أيضًا بسبب التشويه الذي طالما طاله.

يتعرض المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لحملات تشويه لا تعكس متابعة للعمل البحثي الضخم على مستوى المركز

إشاعات ومزاعم لا تستند إلى أي أسس أو أدلة ولا تعكس متابعة للعمل الضخم على مستوى المركز، هي فقط من أطراف لا تنظر بعين الرضا لعمل المركز الدؤوب وتعتبره مجرد خلية فكرية للتنظير للثورات العربية وتشجيع الربيع العربي ودعم استحقاقات الشعوب وهذا ما يخيفها، في الحقيقة، ويجعلها مستعدة لتصديق وحتى الترويج لما لا يصدق. في هذا التقرير، نقدم فكرة عن أهم هذه المزاعم والمغالطات في حق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والحقيقة التي يسعى الكثيرون لطمسها.

اقرأ/ي أيضًا: ما وراء حملة الإعلام الإماراتي والسعودي ضد عزمي بشارة؟

من بين المغالطات التي تروج لها مؤسسات إعلامية، إماراتية وسعودية ومصرية بشكل خاص، أن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يختص في نقد الجيوش العربية ومهاجمة المؤسسات العسكرية، وهو معطى غير صحيح، فالمركز الذي دأب على عقد مؤتمرات دورية حول مختلف قضايا الوطن العربي، عقدَ في تشرين الأول/ أكتوبر من السنة الماضية، مؤتمرًا أكاديميًا بحثيًّا عن أدوار الجيوش في المراحل الانتقالية عنونه "الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، وامتدت أعماله لثلاثة أيام في معهد الدوحة للدراسات العليا بمشاركة أكثر من 60 باحثًا من المؤسسات الجامعية والبحثية في الوطن العربي وخارجه. وقدم الدكتور عزمي بشارة محاضرة في افتتاحية المؤتمر ضمنها تحليلًا لما هو قائم من علاقة بين الجيش والسياسة "ليس بوصفها خطأً، أو عارضًا من عوارض الابتلاء العربي، بل نتاجًا لمراحل تاريخية، وطبيعة الدولة العربية وصيرورة نشوئها وبنيتها، والبنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافة" كما ذكر، وتمت معالجة الموضوع في إطار الدراسة والتمحيص، لا النقد والتجريح كما تروج بعض الأصوات.

والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هو مؤسسة بحثية مستقلة، ويُعتبر الأول في العالم العربي حاليًا، وهو مؤسسة أكاديمية تعتبر مشروعًا نهضويًّا، تنويريًّا وعربيًّا رائدًا. وقد تميز بعقده مؤتمرات دورية حول مختلف قضايا الوطن العربي.

ومن المزاعم التي تروجها بعض أبواق البروباغندا والدكتاتورية أن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يركز على قضايا الأقليات وعلى وجهة نظرها فقط وبالتالي يدعم الطائفية، لكن المركز عقد مؤتمرًا أكاديميًا للتصدي لآفة الطائفية وعملية صناعة الأقليات واستغلالها للتدخل في الشؤون العربية، وهذا عكس الادعاء تمامًا. وكان ذلك في أيلول/ سبتمبر 2014، وانتظم المؤتمر في الأردن تحت عنوان "المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير". وأكد المدير العام للمركز الدكتور عزمي بشارة في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر حينها أن "الطائفية السياسية هي تقويض لبناء الدولة الوطنية والديمقراطية معًا"، وكان رئيس مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور طاهر كنعان قد أشار إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها "تنظيم المركز العربي لهذا المؤتمر في السياق العربي الحالي الذي يشهد صعودًا للطائفية على نحو يهدد بتحويل المنطقة إلى دويلات فاشلة". والمطلع على مضمون هذه المؤتمرات البحثية الضخمة لا يمكن أن يروج لخرافة دعم الطائفية.

لم تتوقف المزاعم عند هذا الحد إذ روج البعض أن المركز مقرب من تيار الإخوان المسلمين ويروج لهم، مستدلين ببعض المواضيع التي تعرض لها والتي كانت تندرج في سياق علمي أكاديمي، تتطلبه المرحلة ومنها حكم الإخوان المسلمين لجزء من المنطقة العربية إبان الثورات. يتعلق الأمر مثلًا بندوة علمية في تشرين الأول/ أكتوبر 2012 حول "الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي في المرحلة الانتقالية للثورات العربية"، مع العلم أن هذه الندوة مثلًا تعرضت لتيارات إسلامية أخرى غير الإخوان كالسلفية وغيرهم.

ورغم تركيز المركز وباحثيه على ندواتهم وإصداراتهم، إلا أن البعض الآخر اختص في تنويع المزاعم والتشويه ومن ذلك القول إن المركز العربي يؤدي دورًا مشبوهًا في الإضرار بالمصالح الخليجية، وفي استقطاب عناصر تهاجم الدول الخليجية، مستدلين بالدورة الثانية من منتدى دراسات الخليج والذي يقولون إنه شهد تهجمًا على السعودية خاصة.

اقرأ/ي أيضًا: اختتام مؤتمر "العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات"

لكن في حقيقة الأمر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هو مركز أبحاث أكاديمي مرموق ومحترم، يقع مقره في دولة خليجية ملتزمة بمبادئ مجلس التعاون وبالتالي فرضية التوجه للهجوم على دول خليجية غير مطروحة بالمرة. أما عن منتدى دراسات الخليج فدوراته تعقد سنويًا لمعالجة تحديات العمل الخليجي المشترك. ويشارك في هذا المنتدى نخبة من الأكاديميين المعروفين والمرموقين في دول الخليج. وقد جاءت الدورة الثانية منه بعد المصالحة الخليجية، وتميزت بمشاركة واسعة من جل الأكاديميين الخليجين بمن فيهم القائمين على مراكز دراسات قريبة من صناع القرار السعودي.

يقع مقر المركز العربي للأبحاث في دولة خليجية ملتزمة بمبادئ مجلس التعاون ونشاطه أبعد ما يكون عن الإضرار بالمصالح الخليجية

كيف تأسس المركز العربي وفيما تتمثل أهم أنشطته؟

عن قصة تأسيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحدث مديره العام المفكر عزمي بشارة في برنامج "وفي رواية أخرى" على قناة التلفزيون العربي قائلًا: "في 2010، كان لدي قناعة أنه يجب طرح مسألة النظام السياسي العربي والديمقراطية والمجتمعات العربية ونقاشها بشكل واسع، وجهت رسالة في بداية تلك السنة لحوالي مئتين مثقف عربي وتلقيت ردودًا من معظمهم باستعدادهم للمشاركة في شبكة تتباحث هذه المشاغل، وبعد التفكير في الشكل الأنسب، اتفقنا أن يكون مركز أبحاث". ويضيف: "مراكز الأبحاث، خاصة في مجال البحوث الإنسانية والاجتماعية، تحتاج تمويلاً ولا توفر موارد ويكون تمويلها عادة من قبل دول، توجهت للشيخ تميم الذي تحمس للفكرة وساعد في تسهيل تراتيب تأسيس المركز".

ويوضح بشارة: "بدأ المركز بميزانية متواضعة لكن في تلك المرحلة عربيًا كان من الواضح أن هناك حاجة له وما يميز المركز العربي أنه لم يتلق دعمًا أمريكيًا أو أوروبيًا بل هو من تمويل عربي، وهو تمويل، على عكس الكثيرين، يترك لك حرية أكاديمية كاملة، تمويل غير مشروط على الإطلاق".

يذكر أن المركز ينتج أبحاثًا بصيغة أوراق وتقارير، ويدير عدّة برامج مختصّة، ويعقد مؤتمراتٍ وورش عمل وتدريب وندوات موجّهة للمختصّين، وللرأي العامّ العربي أيضًا، وينشر إصداراته باللغتين العربيّة والإنكليزية ليتسنّى للباحثين من غير العرب الاطّلاع عليها.

يصدر المركز كتبًا ودوريات محكّمة في العلوم الاجتماعية والإنسانية والثقافة والفكر والعلوم السياسية. كما يعمل على ترجمة كتب أكاديمية من اللغات الأجنبية، وإصدارها. ومن ضمن مشاريعه الرئيسة الكبرى مشروع معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية والإنسانية والإدارة العامّة، وكذلك مشروع المعجم التاريخي للّغة العربية.

ختامًا، التشويه لم يطل فقط المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بل طال مراكز أبحاث جدية أخرى تدعمها قطر ومنها مركز الجزيرة للدراسات، كالقول بإن هذا الأخير "تحول إلى أداة لتحقيق بروباغندا غير رسمية لجماعات حزبية تشكل تهديدًا لأمن المجتمعات"، بينما مركز الجزيرة، هو مؤسسة بحثية، يتناول قضايا مختلفة، وباستثناء تأييد الربيع العربي، عالج المركز جميع القضايا الأخرى بما فيها اليمن وإيران ضمن الإجماع الخليجي والعربي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة: "الإجابة لا تزال تونس"

عزمي بشارة.. الحفر في الثورة المصرية (1- 2)