تصاعدت حدة المواجهات في فرنسا لليلة الثالثة على التوالي، بين الشبان الغاضبين على مقتل الصبي نائل (17عامًا)، من أصل جزائري على يد شرطي فرنسي، في عدد من المدن الفرنسية.
قالت الأمم المتحدة، إنه "يجب فتح تحقيق بجميع مزاعم استخدام القوة المفرطة خلال الاحتجاجات في فرنسا"، مضيفةً: "حان الوقت لفرنسا للتعامل بجدية مع قضايا العنصرية العميقة والتمييز في أجهزة إنفاذ القانون"
ومع تواصل قمع السلطات الفرنسية للمظاهرات وحشد كميات كبيرة من الشرطة في المدن الفرنسية، استمرت الاحتجاجات الغاضبة، حيث اندلع حريق كبير في مستودع لحافلات النقل العام بضاحية أوبيرفيلييه شمالي العاصمة الفرنسية، وانتقلت المواجهات إلى ليل في شمال فرنسا، ومرسيليا جنوبًا، كما شهدت مدينة نانت في الجنوب الغربي مواجهات.
اجتماع طارئ للحكومة
وغادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، عاد إلى فرنسا، من أجل عقد اجتماع طارئ مع مجلس الوزراء، فيما أشار بيان الإليزيه إلى أن "الرئيس الفرنسي مستعد لاعتماد آلية للحفاظ على الأمن دون محاذير".
وأكد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، اعتقال 667 شخص خلال مواجهات الليلة الماضية، فيما قالت وكالة "رويترز" للأنباء أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيعقد اجتماعًا طارئًا للحكومة في وقت لاحق من يوم الجمعة لبحث الاضطرابات التي تشهدها فرنسا.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد عقد أمس الخميس، اجتماعًا لخلية أزمة بعد تصاعدت الاشتباكات وأعمال الشغب في عدد من المدن الفرنسية، وندد ماكرون، في افتتاح الاجتماع، بما وصفها "مشاهد عنف لا يمكن تبريرها ضد المؤسسات والجمهورية"، وفق زعمه.
ومع موجة الاحتجاجات الغاضبة، أعلن الادعاء العام الفرنسي، أمس الخميس، عن فتح قضية "قتل عمد بواقعة مقتل مراهق برصاص الشرطة الفرنسية"، وقال المدعي العام باسكال براش، خلال مؤتمر صحفي، إن الشروط القانونية لاستخدام السلاح في إطلاق النار على الصبي نائل "لم تتحقق"، وكشف المدعي العام عن إحالة ضابط الشرطة المتهم للتحقيق بتهمة "القتل العمد".
من جهته، دافع الضابط المتهم بعملية القتل عن نفسه، وبرر فعلته بأنه كان يريد منع الشاب من الفرار مجددًا، بعدما رفض الامتثال لدورية مرورية في ضاحية نانتير، وفق زعمه.
Tensions erupt in Paris suburb of Nanterre where youngsters were protesting death of Naël, 17, who was killed by police
📸 Umit Donmez pic.twitter.com/upgrBw1Hzv
— Anadolu English (@anadoluagency) June 27, 2023
وخرجت أمس الخميس، مسيرة شارك فيها الآلاف من المتظاهرين مطالبين بـ"العدالة لنائل"، وارتدت والدة نائل، قميصًا كُتب عليه "العدالة لنائل"، واستقلت حافلة صغيرة، وخلفها آلاف من المشاركين الذين حملوا لافتات تحمل الشعار نفسه ولافتات أخرى كُتب عليها "لن نقبل بتكرار ذلك أبدًا".
من جانبها، قالت الأمم المتحدة، إنه "يجب فتح تحقيق بجميع مزاعم استخدام القوة المفرطة خلال الاحتجاجات في فرنسا"، مضيفةً: "حان الوقت لفرنسا للتعامل بجدية مع قضايا العنصرية العميقة والتمييز في أجهزة إنفاذ القانون".
مواقف القوى السياسية الفرنسية
سياسيًا، طالب زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري جان لوك ميلانشون، بالعدالة للصبي نائل، وبمحاسبة الشرطي وشريكه ومعاقبتهم، داعيًا في الوقت نفسه للهدوء.
كما دعا السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي فابيان روسيل، إلى الهدوء والتعبئة السلمية القوية لكشف الحقيقة كاملة حول تصرفات رجال الشرطة الذين يقومون بالتفتيش، ولا سيما من أطلق النار، وتحقيق العدالة لنائل.
بدوره، أصدر الحزب الاشتراكي الفرنسي، بيانًا، اعتبر ما حدث "أمرًا مفجعًا"، وقال الحزب: " لا يمكن للمرء أن يعتقد بشكل مشروع أن الأكاذيب التي تتهم نائل بالعنف ضد الشرطة كانت ستستمر".
وأوضح الحزب أن "هذه المأساة تسلط الضوء على الحاجة المطلقة للتشكيك في استراتيجية السيطرة على السكان، ولكن أيضًا لتدريب ومراقبة عناصر الشرطة. النقطة هنا ليست إرباك مؤسسة تقوم في الغالبية العظمى من الحالات بواجبها بأفضل طريقة ممكنة، ولكن لتقييم الإطار والظروف التي تحكم هذا العمل".
هذا، وخرجت زعيمة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان عن صمتها إزاء الأحداث الجارية، بعد أن قال مرافقوها في وقتٍ سابق أنها لا تملك المعطيات الكافية عن ما حدث، وقامت بتوجيه انتقادها بشكل مباشر للرئيس ماكرون، قائلةً: "التصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية مفرطة للغاية، وأجدها غير مسؤولة"، وأضافت "أعتقد أنه كان على الرئيس أن يتحلى بالحكمة بالسماح للعدالة بالقيام بعملها، كما يقتضي منه الدستور"، وتابعت لوبان برسالة دعم للشرطة، جاء فيها: "لم يعد للشرطة أدنى سلطة في عدد من الأحياء اليوم، فهذا يعرض أرواحهم للخطر" ،متابعةً زعمها، بالقول: "أنا مع فرضية الدفاع عن النفس لعناصر الشرطة".
من جهته، لم يخفي المرشح السابق للرئاسيات الفرنسية اليميني المتطرف إريك زيمور مواقفه العنصرية والمعادية للمهاجرين، وقال خلال استضافته في لقاء مع راديو "أوروبا 1"، صباح اليوم الجمعة، أن موت شاب حزين دائمًا مهما كان. لكنه لم يكن "ملاكًا" كما يقول كيليان مبابي، هو في سن الـ 17، وكان لديه بالفعل سجل إجرامي كبير للغاية، وفق مزاعم اليميني المتطرف.
وفي تصريحاتٍ سابقة، اعتبر زيمور، أن الأحداث التي تشهدها فرنسا، هي مقدمات لحرب أهلية، مشددًا على أن الأمر يتطلب شخصًا حازمًا، مشيرًا لو أنه كان في السلطة، لأوقف ذلك فورًا، مذكرًا بمقترحاته خلال الانتخابات الرئاسية بوقف لم شمل الأسر، و"طرد المجرمين بعد نهاية فترة عقوبتهم، والعاطلين عن العمل لأكثر من 6 أشهر".
مذكرة استخباراتية تحذر من دور "اليسار المتطرف" في الأحداث
وفي نفس السياق، نشر موقع "ميديا بارت" الاستقصائي الفرنسي مذكرة استخباراتية، مخصصة لردود الفعل في الأحياء الشعبية في فرنسا، بعد مقتل الصبي نائل، تم التطرق فيها إلى المخاطر التي يزعم جهاز الاستخبارات الفرنسي أنها ناتجة عن دعوات بسيطة، بما في ذلك تعليقات نجم كرة القدم الفرنسية كيليان مبابي، أو نجم السينما الفرنسية حاليًا عمر سي.
J’ai mal à ma France. 💙🤍💔💔💔
Une situation inacceptable.
Tout mes pensées vont pour la famille et les proches de Naël, ce petit ange parti beaucoup trop tôt.— Kylian Mbappé (@KMbappe) June 28, 2023
الموقع الفرنسي أشار إلى تصريحات رئيس المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE)، برنار إيمييه يوم الأربعاء الماضي، لمجلة "لوبوان"، والتي شدد فيها على أن الغرض من جهاز المخابرات هو إعلام صنّاع القرار السياسي بمخاطر الاحتجاج العنيف في البلاد.
معدّو المذكرة الاستخباراتية توقفوا عند الوضع في الأحياء الحساسة، وطبيعة الخطر الذي تتعرض له الجمهورية الفرنسية بعد مقتل الصبي نائل في ضاحية نانتير الباريسية، وتقول إنه من المرجح أن يؤدي وجود نشطاء "يساريين متطرفين" في مختلف المظاهرات إلى وقوع حوادث.
ووفق موقع "ميديا بارت" تسلط المذكرة الضوء على النشاط في الشبكات الاجتماعية حول رغبة الجماعات "اليسارية المتطرفة" في "تلاقي النضالات، مع قاسم مشترك هو عنف الشرطة".
وكانت المذكرة مخصصة بشكل أكبر لليمين المتطرف، الذي يؤيد الشرطة ويعتبر وفق تعليقات العديد من المنتمين إليه، أن عملية إطلاق النار على الصبي نائل "تعتبر شرعية ضد ’الحثالة’"، بحسب ما جاء في الموقع الفرنسي، فإن حركة الاحتجاج "اليسارية المتطرفة" حظيت بصفحة كاملة من هذه المذكرة الاستخباراتية المعنية المكونة من تسع صفحات.
We congratulate our black grassroots in France for inspiring the world into what anti-colonial struggle looks like in the ‘west’. Here our sisters stand united & militant against racist police brutality. #JusticePourNael pic.twitter.com/uLxBTInvaR
— Malcolm X Movement (@mxmovement) June 30, 2023
ووفقًا للمذكرة، فإن نشر صور للمراهق الذي قُتل على يد شرطي، بالإضافة إلى صور توضيحية لحرائق القمامة، يولد خطابًا مناهضًا للشرطة، حيث انتشرت شعارات مثل: "أطفالنا ليسوا لعبة للشرطة"، وهو شعار يثير قلق المجلس الأعلى للقضاء الفرنسي.
وأوردت المذكرة مجموعة من التغريدات تصب في هذه الخانة، مثل "المرء يمكن أن يموت من تفتيش على جانب الطريق"، و"الشرطة تكذب"، كما تم استخدام كلمة ضاحية نانتير، في أكثر من 80 ألف تغريدة على تويتر، وتمت إعادة التغريد حوالي 400 ألف مرة، وبحسب أجهزة الاستخبارات الفرنسية، يقف وراء ذلك الجماعات اليسارية المتطرفة، وحركات الاحتجاج البيئي. لكن أيضًا كان لتفاعل شخصيات معروفة، كنجم كرة القدم الفرنسية كيليان مبابي، أو الممثل الفرنسي عمر سي مع الحادثة، دورًا في الموضوع.
كما تطرقت المذكرة لفئة تم تجاهل وجودها حتى الحين في تقارير الأجهزة المعنية، وهم "المؤثّرون الإسلاميون"، مع اتهامهم بالترويج لفكرة "إسلاموفوبيا الدولة"، و"العنصرية المتكررة من قوات الشرطة"، بالإضافة إلى نشطاء وصحفيين، حيث أوردت الوثيقة إشارة إلى صحيفة تعمل في مكتب وكالة الأناضول التركية في باريس.