26-نوفمبر-2022
gettyimages

تحتدم الصراعات داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني (Getty)

تُظهر متابعة عمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، انقسامات سياسية طاغية، تلقي بظلالها على عمل مجلس القيادة الرئاسي، والذي يُفترض بأنه يدير المرحلة الانتقالية في اليمن.

تُظهر متابعة عمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني انقسامات سياسية طاغية تلقي بظلالها على عمل مجلس القيادة الرئاسي

وتشير الشواهد إلى تعثر عمل المجلس منذ تأسيسه في إدارة شؤون الدولة في 7 نيسان/ أبريل 2022، بسبب الخلافات والتباينات داخله، فالمجلس يضم في صفوفه مكونات متباينة، وكل منها يحمل أجندة مضادة، كما أن هناك أطرافًا من داخل المجلس عملت على عرقلته وضربه من الداخل منذ البداية، وشنت هجومًا عليه، وشككت في الأجندة التي يعمل وفقها.

وعلى الرغم من استناده إلى الشرعية، وفق إعلان نقل السلطة الذي تنازل بموجبه الرئيس عبد ربه منصور هادي عن سلطته للمجلس، إلّا أنّ تقاسم السلطة وفق المحاصصة السياسية والمناطقية على حساب الكفاءات، عمق الخلافات داخله، ويهدد مسيرة المجلس.

وفي هذا الإطار، اتهمت قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتأجيج الخلافات في المجلس، والعمل على تفكيكه وإبقائه معطلًا، وبحسب تلك القيادات الانتقالية لم يكتف العليمي بشل فاعلية المجلس الرئاسي، وإدخاله في حالة موت سريري، بل يعمل على وقف نشاط وعمل واجتماعات بعض اللجان التابعة للمجلس الرئاسي، وبالذات لجنة التشاور والمصالحة، وهددت قيادات الانتقالي بالعودة إلى ما كان يعرف بـ"الإدارة الذاتية" لمحافظات الجنوب التي أُعلن عنها في نيسان/ أبريل 2020، وتم التخلي عنها بعد أشهر في تموز/ يوليو من العام نفسه.

ولم يقتصر هجوم الانتقالي على رئيس المجلس، بل تبادل الانتقالي والحكومة التي يرأسها معين عبدالملك، الاتهامات بالتورط بملفات فساد مالي، على الرغم من من وجود عبد الملك لفترتين على رأس الحكومة، وعلاقته الجيدة مع الانتقالي سابقًا. فيما تظهر أن الخلافات تأتي في سياق الخلاف على المحاصصة داخل مؤسسات الدولة اليمنية، خاصةً في الوقت الذي ينقسم فيه المجلس الانتقالي، في اختيار مرشحيه للوزارات والمحافظات.

getty

وفي نفس السياق، اتهم أبرز قيادات المجلس الانتقالي ورئيس وحدة شؤون المفاوضات ناصر الخبجي، في مقابلة تلفزيونية بثتها قناة عدن المستقلة، رئيس الوزراء معين عبدالملك بأنه "المعرقل الأساسي لتنفيذ اتفاق الرياض، ووقف حجر عثرة أمام الكثير من بنوده السياسية، والاقتصادية وحتى العسكرية والأمنية"، كما شن الخبجي هجومًا ضد عضو المجلس الرئاسي ومحافظ مأرب سلطان العرادة، ووجه له اتهامات، أبرزها رفضه التخلي عن منصبه كمحافظ لمأرب، أسوة بمحافظ حضرموت الذي سلم المحافظة ومنصبه في المنطقة العسكرية الثانية عقب تعيينه في مجلس الرئاسة، بالإضافة لرفضه توريد إيرادات المحافظة الغنية بالنفط إلى خزينة البنك المركزي في عدن، كما طالب الخبجي بإجراء هيكلة سريعة في أجهزة الدولة، وتفعيل بعض المؤسسات في المحافظة الجنوبية تحت إشراف المجلس الانتقالي.

في المقابل، سربت أوساط قريبة من الحكومة معلومات تفيد بأن محافظ عدن العاصمة المؤقتة للبلاد أحمد لملس، والذي يشغل كذلك منصب الأمين العام للمجلس الانتقالي، استحوذ على 30 مليار ريال وهو ما يعادل 26 مليون دولار أمريكي تقريبًا. وشبهات الفساد التي طالت قيادات في الانتقالي دفعت المتابعين للشأن اليمني، للقول إن المجلس الانتقالي يتصرف كأنه بمعزل عن مشروع الدولة اليمنية، حين  يستولي على أموال المحافظة، ويعتبرها من حقه.

إلى ذلك، نشرت وكالة الصحافة اليمنية تقريرًا يكشف عن ما وصفته بـ"المال مقابل الطاعة العمياء"، فقد أشار التقرير للولاء المالي والسياسي الذي يقدمه المجلس الانتقالي لـ "الوحدة الخاصة" الإماراتية، التي تستخدمها أبوظبي لإدارة كل أدواتها في جنوب اليمن، وقال التقرير إن الانتقالي يعمل "سمسارًا" لتنفيذ أجندتها، من خلال نشر الفوضى في محافظات جنوب اليمن، وإضعاف سلطة الحكومة، وما يدل على ذلك ما حصل مؤخرًا من أحداث في محافظة شبوة، والتي أدت إلى هزيمة القوات العسكرية التابعة للحكومة، وإخراجها من المحافظة.

كما أن الخلافات لم تقتصر على المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي، بل دخل قائد "المقاومة الوطنية" وعضو المجلس الرئاسي العميد طارق صالح ابن أخ الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، على الخط، حيث يبحث قائد الحرس الرئاسي السابق عن التموضع داخل المحافظات الجنوبية، ويضع شروطا من ضمنها نشر قوات تابعة له في عدد من المحافظات الجنوبية، إضافة إلى لواء في عدن، وكتيبة داخل قصر معاشيق، حيث مقر المجلس الرئاسي.

من جهة أخرى، يحتدم الصراع بين  طارق صالح وعضو المجلس الرئاسي وأحد قادة المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، بشأن ميناء رأس العارة في محافظة لحج، حيث يسعى طارق صالح لتجهيز الميناء على الرغم من الخلاف مع المجلس الانتقالي، حيث يرفض المجلس عملية الاستحداثات في الميناء، كونه يسمح  لنفوذ عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح بالتوسع، فقد وجهت قيادة الحزام الأمني إحدى أذرع مليشيا المجلس الانتقالي بتوقيف أي أعمال أو وصول معدات إلى ميناء رأس العارة البحري.

يحتدم الصراع بين  طارق صالح وعضو المجلس الرئاسي وأحد قادة المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي بشأن ميناء رأس العارة في محافظة لحج

ولعل الموقف الهجومي للمجلس الانتقالي، والخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي، ومحاولات تموضع طارق صالح، تكشف كلها عمق الأزمة بين مكوّنات المجلس الرئاسي، وتُبرز في الوقت نفسه مدى تدخل القوى  الخارجية الفاعلة على الساحة اليمنية والمتحكمة في سلطة القرار، وهو ما يُحجم من دور المجلس الرئاسي ويجعل من عمله محدودًا، وهذا ما ينبئ بأن عمره بصيغته الحالية لن يدوم طويلًا.