03-ديسمبر-2016

في إحدى مدارس الجزائر (ستيفانو منونسيتي/Getty)

تخف حماسة منال دردوري، ابنة الـ16 عامًا، يومًا بعد يوم. وعلى الرغم من شغفها في الدراسة وحبها للتفوق، وسعيها لتحقيق حلمها في دخول كلية الطب، إلا أن هذا كله يتناقص، مع ما تواجهه من صعوبات في تنقلها من بيت أهلها إلى مدرستها التي تبعد 82 كيلومترًا عن قريتها "كورطو". تقول منال لـ"ألترا صوت" إن عزيمتها تتضاءل كلما تذكرت المسافة التي عليها قطعها للوصول إلى الثانوية، وبات هاجسها الأكبر هو وسيلة نقل تقلها من البيت إلى المؤسسة التربوية على مسافة ساعة مشيًا على الأقدام.

يعاني معظم تلامذة الجزائر من انعدام توفر النقل العام المدرسي ويضطر بعضهم للمشي مئات الكيلومترات

النقل المدرسي بات حلم العشرات من زملائها ومن أبناء قريتها الصغيرة الواقعة بأحد جبال منطقة العفرون. مشكلة لم تلق حلًا من قبل السلطات الجزائرية، يؤكد المعنيون في تصريحات متفرقة لـ"ألترا صوت".

وبالرغم من استفادة القرية من تهيئة مدرسة ابتدائية إلا أن العشرات من التلاميذ يجدون صعوبة في الوصول إلى المؤسسات التربوية في المراحل التعليمية الأخرى (المتوسطة والثانوية)، مشكلة تدفع بهم إلى إيجاد حلول أخرى كالنقل الخاص الجماعي أو المشي على الأقدام.

حتى النقل الخاص غير متوفر بنفس حاجة سكان المنطقة المعزولة، يقول بعض السكان. فهناك حافلات صغيرة تقوم بنقل المواطنين من القرية نحو المدينة لكنها تعمل بتوقيت لا يتناسب مع احتياجاتهم واحتياجات التلاميذ بوجه خاص. حيث يتخوف أرباب الأسر على أولادهم وخصوصًا في المساء وفي فصل الشتاء، وهو ما يجعل هؤلاء يستنجدون بسيارات تعمل خارج القانون والدفع لأصحابها مبلغًا ماليًا باهظًا.

اقرأ/ي أيضًا: أيام هادئة في الجزائر.. يوميات وطن

العشرات من القرى والتجمعات السكنية الموزعة في الولايات الجزائرية تعرف معضلة كبيرة اسمها النقل المدرسي، هذا ما يقوله عامر طيبي، العضو في نقابة عمال التربية، لـ"ألترا صوت"، مضيفًا أن تنظيم النقل الخاص بالمدارس يقع على عاتق البلديات، لكن "العشرات من القرى والمناطق النائية تعرف هذه المعضلة، وخصوصًا في مدن الجنوب، وهي المناطق التي يقطع فيها التلاميذ العشرات من الكيلومترات من أجل الالتحاق بمقاعد الدراسة"، وفق ما يقول.

وشدد الطيبي على أن العشرات من المؤسسات التربوية تعرف نفس المشكلة في المدن الكبرى والتي تحوي على تجمعات سكنية في الجبال وفي الصحاري أيضًا، لافتًا إلى أن "العديد من العائلات تنتهج مسارًا نحو فصل أبنائها من الدراسة أو اللجوء إلى تعليمهم في مستوى معين، معتبرين أن ذلك كاف".

وفي ولايات أدرار وبشار وورقلة وتمنراست بأقصى الجنوب الجزائري معاناة كبرى ومن نوع آخر يجدها التلاميذ للوصول إلى مدارسهم. عينات كثيرة تعتبرها الأستاذة في اللغة العربية بإحدى الثانويات بلدية " تيميمون" السيدة نسيمة عماري، "مجازفة يومية، خصوصًا بالنسبة للتلامذة صغار السن".

وتؤكد عماري بأن النقل المدرسي أصبح كابوسًا يؤرق التلاميذ في مختلف المستويات بالمنطقة الجنوبية، متسائلة عن "حال التلاميذ في العديد من المناطق الصحراوية التي تعيش عزلة وتهميشًا بالمقارنة مع مدن الشمال الجزائري".

يتخوف الأهالي على أولادهم من الباصات العمومية ليلًا ويضطرون لدفع مبالغ باهظة لنقل آمن

بعيدًا عن التحصيل المدرسي، يستيقظ بلال (15 سنة) من منطقة "تاغيت" يوميًا عند الساعة الخامسة صباحًا، ليتمكن من شراء تذكرة الحافلة التي تقله إلى المتوسطة بقلب المنطقة، لافتًا في مقابلة مع "ألترا صوت" أن "النقل هو همه الوحيد كل يوم. أما التحصيل المدرسي والتربوي يقع في المرتبة الثانية".

لا تتوقف معاناة بلال وغيره من التلاميذ عند الوصول إلى باب مدرسته، لأن مشوار الصباح الذي يطول على مسافة 60 كيلومترًا يختلف عن مشوار المساء ففي الكثير من الأحيان لن يجد حتى وسيلة نقل خاصة تعيده للبيت وهو ما يجعله يضطر إلى المبيت غالبًا عند أحد زملاء الدراسة يسكن في منطقة أقرب منه.

المفارقة الكبرى، أن الحكومة الجزائرية رصدت أغلفة مالية تجاوزت الـ 6 مليارات دينار جزائري أي ما يعادل 50 مليون دولار أمريكي خلال السنتين الأخيرتين من أجل توفير وسائل النقل للطلبة، وخصوصًا في المناطق النائية وعبر مختلف البلديات. لكن تظل رحلة البحث عن وسيلة نقل للوصول للمدرسة هي صداع يومي في رؤوس الآلاف من التلاميذ في المناطق المعزولة وبخاصة في الجنوب الجزائري الكبير.

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. قانون الموازنة يقسّم البرلمان؟

الآداب والعلوم الإنسانية في الجزائر.. إلى أين؟