02-فبراير-2024
المهندس يحيى عياش

ابن الضفّة الغربية الذي أرهق الاحتلال الإسرائيلي حيًّا وميّتًا

ما إن تشتعل الضفة الغربية بالمواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي حتى يعود اسم يحيى عياش يتردد على الشفاه ويطرق المسامع. فقد كان ليحيى عيّاش دور بارز في إبداع شكلٍ جديد من تكتيكات المواجهة ضدّ المحتل، قوامُه التصنيع المحلي للعبوات الناسفة وتفجيرها عبر استشهاديين. 

ونتيجة للخسائر الفادحة التي أوقعها هذا التكتيك في صفوف المحتل بات يحيى عياش المطلوب الأول لجهاز الشاباك الإسرائيلي، الذي طارد عياش لخمسة أعوام قبل أن يتمكّن من اغتياله في الخامس من كانون الثاني/يناير 1996 عبر تفجير هاتف محمول أوصله إليه العميل المدعو كمال حماد الذي استغلّ قرابته بأحد رفقاء يحيى عيّاش لتسليمه الهاتف المفخّخ.

وباغتيال يحيى عياش اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها شمعون بيريز، أنّ إسرائيل حققت انتصارًا كبيرًا، بسبب فداحة الهجمات التي خطط لها يحيى عياش، وقدرته الكبيرة على التخفي عن أعين جهاز الاستخبارات.

 

الولادة والهواية

رأى يحيى عبد اللطيف ساطي عياش النور ببلدة رافات غرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية في الـ 6 من آذار/مارس 1966، وهو أكبر إخوته مرعي ويونس. وفي بلدة رافات التحق يحيى عياش بالمدرسة الابتدائية، ومنها انتقل لإكمال تعليمه الإعدادي في مدرسة الزاوية، قبل أن ينتقل إلى قرية بديا حيث حصل على شهادة التعليم الثانوي من القسم العلمي بمعدل يربو على 92 بالمئة. وهو معدّل دفعه لمحاولة السفر إلى الأردن ليكمل دراساته العليا، إلا أن أسبابًا يقول البعض إنها أمنية والبعض الآخر بأنها اقتصادية حالت دون ذلك، ما جعله يلتحق بجامعة بيرزيت التي تخرّج منها في تخصص الهندسة الكهربائية 1993، وذلك على الرغم مما اكتنف تلك المحطة الدراسية من إضرابات وإغلاقات مستمرة للجامعة. وبموازاة دراسته للهندسة الكهربائية يؤكد والد يحيى عياش أنه درس العلوم الشرعية ونال إجازة في الحفظ من وزارة الأوقاف الفلسطينية.

وكانت ليحيى عياش هواية عرف بها في شبابه، تمثلت في فك وتركيب الأجهزة الكهربائية، فكان سكان قريته التي نشأ فيها يرسلون إليه الأجهزة المتعطلة لإصلاحها.

في نهاية العام 1991 تزوج المهندس يحيى عياش، ومن زواجه ذلك رزق بولدين هما براء وعبد اللطيف الذي سمي لاحقًا باسم أبيه تخليدًا لذكراه بعد اغتياله.

ينقل من عرفوا يحيى عياش عن قرب أنه كان ملتزمًا دينيًا منذ الصغر وكان كتومًا عميق التفكير، ويتقاسم جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" نفس التقييم، فقد قال عنه أحد المسؤولين في الجهاز بأنه "ذكي ومتملص بارع يحرص على استبدال مخبئه بوتيرة عالية، فهو كالسحر أو الكابوس كلما اقتربنا منه تنشق الأرض وتبتلعه".

 

لقب المهندس الأول

هو لقب من بين ألقاب كثيرة أطلقها الفلسطينيون على المهندس يحيى عياش إلى جانب لقب أبو الكتائب. أما الألقاب التي أطلقها عليه الإسرائيليون فأشهرها لقب الثعلب والعبقري والرجل ذو الألف وجه، ولقب أبو القنبلة البشرية.

في جامعة بيرزيت انتسب يحيى عياش للكتلة الإسلامية، وهي الجناح الطلابي لحركة حماس، وبعد ذلك التاريخ بعام ويزيد قليلًا أصبح عضوا في إحدى مجموعات الإخوان المسلمين بمدينة رام الله، وأثناء الانتفاضة الأولى 1987 انضم لكتائب القسام كأحد قادتها.

وكما هو متوقع سخّر يحيى عياش تحصيله العلمي لصالح المقاومة المسلحة فأشرف على برنامج التصنيع المحلي للعبوات الناسفة والقنابل المتفجرة، وذلك على قلة وشحّ الإمكانات ومواد التصنيع، ما دفعه إلى الاستعانة ببدائل تمثلت في المواد الكيمياوية الأولية الموجودة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية، بالإضافة لمواد أولية أخرى كالفحم والأسمدة الزراعية.

وقد نجح يحيى عياش على نحو بارز في اجتراح طرق عديدة للتفخيخ والتفجير. وتسببت العمليات التي خطط لها وأشرف عليها في إسقاط عشرات القتلى الإسرائيليين.

 

أبرز العمليات

مسؤول الشاباك عن المهندس: ذكي ومتملص بارع يحرص على استبدال مخبئه بوتيرة عالية، فهو كالسحر أو الكابوس 

حضرت بصمات يحيى عياش في العديد من عمليات التفجير ضد الاحتلال، كان أولها في مستوطنة ميحولا القريبة من مدينة بيسان في نيسان/إبريل 1993، عندما قام القسّامي ساهر تمَّام بتفجير سيارته المفخخة داخل مقهى يوجد به جنود إسرائيليون ما أوقع قتيلين في صفوفهم و8 جرحى.

وشهد تموز/يوليو 1993 عملية التلة الفرنسية التي تمثلت في محاولة يحيى عياش ورفاقه في الضفة اختطاف حافلة إسرائيلية، بهدف أخذ ركابها رهائن، من أجل عقد صفقة تبادل، لكن العملية لم تكلل بالنجاح.

العملية الثانية الناجحة التي حملت بصمة يحيى عياش وقعت بعد ذلك بعام وبالتحديد 6 نيسان/إبريل 1994 بمدينة العفولة داخل الخط الأخضر، حيث فجّر رائد زكارنة سيارة مفخخة في محطة الحافلات المركزية بالمدينة، وأدّت العملية إلى سقوط 8 إسرائيليين، وأعلنت كتائب القسام أن العملية جاءت ردًا على مجزرة المسجد الإبراهيمي.

ولم يمر أكثر من أسبوع على ذلك التفجير حتى نفّذت الكتائب، بتخطيط من يحيى عياش، عمليتين، إحداها نفذها عمار عمارنة بواسطة حقيبة مفخخة في موقف للحافلات أدت إلى مقتل 7 إسرائيليين وجرح العشرات، والثانية من تنفيذ صالح نزال في شارع ديزنغوف في تل أبيب أوقعت 22 إسرائيليًا قتلى.

وشهدت نهاية العام 1994 وبالتحديد في 25 كانون الأول/ديسمبر عملية أخرى ضد جنود في سلاح الجو الإسرائيلي، حيث قام أسامة راضي، بتفجير نفسه قرب حافلة كانت تقل الجنود، وأسفر التفجير عن إصابة 13 منهم.

في العام الموالي 1995 نفذت الكتائب في الضفة 4 عمليات، الأولى كانت بمنطقة بيت لد قرب نتانيا، حيث فجّر اثنان من نشطاء القسام نفسيهما في محطة للجنود الإسرائيليين، وأوقع التفجير 23 جنديًا إسرائيليًا وإصابة 40 آخرين بجراح متفاوتة. ونفذت العملية الثانية 9 نيسان/إبريل 1995 وتسببت في مقتل 7 إسرائيليين.

فيما كانت العملية الثالثة في 24 تموز/يوليو 1995 حيث قام قسّامي بتفجير نفسه داخل حافلة ركاب إسرائيلية في رامات غان بالقرب من تل أبيب، ما أدّى إلى مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 33.

ووقعت العملية الأخيرة التي حملت بصمة يحيى عياش في الـ 21 من آب/أغسطس 1995، وحدثت العملية في حي رامات أشكول بالقدس المحتلة، وتمثلت في تفجير حافلة للركاب، وأسفر التفجير عن مقتل 5 وإصابة أكثر من 100 إسرائيلي.

 

اغتيال يحيى عياش

باغتيال يحيى عياش اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها شمعون بيريز، أنّ إسرائيل حققت انتصارًا كبيرًا

تمكّن المهندس يحيى عياش من النجاة من عدة محاولات اغتيال، وكان بارعًا في التنكر والتخفي، ولما اشتد الخناق عليه في الضفة الغربية انتقل سرًّا في العام 1993 إلى قطاع غزة، للاختباء من ناحية، ومن أجل تدريب كتائب القسام هناك على صناعة المتفجرات من ناحية ثانية. 

جعلت إسرائيل يحيى عياش المطلوب الأول على قوائم استخباراتها، وباعتراف من أجهزتها الأمنية كانت مطاردة المهندس مرهقة لجهاز الشاباك. ومثّل الوصول إليه تحديًا أمنيًا حقيقيًا، بسبب ما بثه من رعب، جعل كثيرًا من الإسرائيليين يتخوفون من الذهاب للحافلات والمقاهي خوفًا من التفجيرات.

وأسهم في ذلك الرعب الروايات الأمنية الإسرائيلية التي أكدت أن يحيى عياش غادر قرية رافات إلى غزة متنكرًا بزي مستوطن إسرائيلي، وأشرف على إحدى عمليات التفجير متنكرًا بزي حاخام يهودي. إلى الحد الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إسحق رابين إلى التصريح قائلًا: "أخشى أن يكون عياش جالسًا بيننا في الكنيست".

كما صرّح رئيس المخابرات الإسرائيلي حينها يعقوب بيريز قائلًا: "أقر أن عدم القبض على يحيى عياش يمثل أكبر فشل ميداني تواجهه المخابرات منذ إنشاء الدولة".

 

وفي يوم الجمعة 5 كانون الثاني/يناير 1996 تمكن جهاز الشاباك من اغتيال المهندس يحيى عياش أثناء تواصله مع والده، وكان الاغتيال كما هو معروف بواسطة تفجير هاتف محمول أوصلته إليه المخابرات الإسرائيلية بمساعدة العميل كمال حمّاد خال رفيق يحيى عياش وزميله في الجامعة أسامة حمّاد. وقد برّأت المحكمة الأخير، فيما أصدرت حكمًا غيابيًا بإعدام كمال حمّاد الذي خبّأه جهاز الشاباك داخل إسرائيل.

وتخليدًا لذكرى العياش أطلقت كتائب القسام اسمه على أحد صواريخها المعروف بـ "عياش 250"، الذي استخدم في عملية طوفان الأقصى.