25-فبراير-2020

لا يمكن تجاوز تعقيدات المتوسط في فهم الأزمة الليبية (Getty)

تستصعب دراسة الأزمة الليبية، وبالخصوص في علاقة بخلفيات العنصر الخارجي متعدد الأطراف، بتجاوز المجال المتوسطي، إذ تمتد سواحل ليبيا على طول 1935 كم لتكون من أطول سواحل دول الحوض، لتحلّ منصّة تربط بين أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا، ورقعة تتلاطمها الأمواج بين دول مشرق الحوض من جهة ومغربه من جهة أخرى، عدا عما تكتنزه البلد من ثروات طبيعية ضخمة. ولعلّ لا أدلّ من محورية العنصر المتوسّطي في الأزمة الليبية الراهنة مما أثاره اتفاق ترسيم الحدود البحرية المبرمة بين حكومة الوفاق الوطني وتركيا، الذي يقوضّ مشاريع استراتيجية وينشئ أخرى في علاقة بإمدادات الغاز، من معارضة حاسمة بالخصوص من دول شرق المتوسط، تحديدًا مصر وقبرص واليونان.

​تستصعب دراسة الأزمة الليبية، وبالخصوص في علاقة بخلفيات العنصر الخارجي متعدد الأطراف، بتجاوز المجال المتوسطي، إذ تمتد سواحل ليبيا على طول 1935 كم لتكون من أطول سواحل دول الحوض

في هذا الجانب، تناولت ندوة دولية نظمها المركز الاستراتيجي حول المغرب العربي، مقرّه تونس، بالتعاون مع جمعية قدماء ضباط الجيش التونسي، موضوع "المتوسط، عقدة متجددة في الصراع الدولي"، بحضور أكاديميين ومسؤولين سابقين، تناولت في جلستين القضايا المتعلقة بالمجال المتوسطي في الجانب المغاربي من جهة والجانب الشرق أوسطي من جهة أخرى، وحلّت ليبيا كقاطرة، مجاليًا واستراتيجيًا، بين الجانبين، فهي تتوسط ضفتي البحر الأبيض ليتعدد الفاعلون الخارجيون شرقًا (مصر وتركيا بالخصوص) وغربًا (تونس والجزائر جنوبًا وإيطاليا وفرنسا شمالًا)، لتكون بذلك ليبيا إحدى أهم عقد المجال المتوسطي بالخصوص طيلة السنوات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: الغارات المصرية على ليبيا.. بعيدًا عن داعش وفي خدمة حفتر

الصراع الليبي ضمن أزمة المتوسّط

ربط وزير الخارجية التونسي الأسبق وأستاذ العلاقات الدولية أحمد ونيّس، في مداخلة بعنوان "تراكم الأزمات والعقدة الاستراتيجية"، بين احتدام الأزمة الليبية وضعف فاعلية العنصر المغاربي، ويقدّر أن حالة الاحتراب الأهلي في ليبيا لما كانت أن تبلغ هذه الدرجة لو كانت الدول المغاربية موحّدة وفعّالة مما جعل دول المشرق تتزاحم في الساحة الليبية بشدة متزايدة.

ويشير إلى ما يشهده الحوض المتوسطي من تراكم الأزمات وامتدادها ما يجعل البحر المتوسط مشهدًا مشحونًا بتعدد الأزمات. ويعرض عوامل لأزمات المجال المتوسطي يحصرها في انعدام مؤسسة مرجعية تربط بين دول الحوض، مشيرًا، في هذا السياق، إلى فشل مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط، إضافة لعامل مؤجج آخر هو نكران صفة الدولة عن شعبين في الحوض المتوسطي وهما الشعب الفلسطيني والشعب الكردي.

ويتعرض، في ذات الإطار، لمسألة تفاوت الموازين الاستراتيجية بين الدول القائمة، ويربطها بعامل آخر هو اشتداد التفاوت الاستراتيجي مع امتلاك الكيان الصهيوني للسلاح النووي خارج إطار المعاهدات الدولية وذلك في ظل رفض التزام الدول الكبرى أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي. ولم يفت ونيسّ، في هذا الإطار، تجاوز عامل الاستعمار بين ضفتي المتوسط مع عدم طيّ هذه الصفحة الاستعمارية ومثاله بالخصوص احتلال الكيان الصهيوني.

وقدّم وزير الخارجية الأسبق، في المقابل، ما وصفها بحلول لتجاوز أزمات المجال المتوسطي أولها التفتح الثقافي والحضاري ودعم المنظمات الإقليمية عبر العمل الجماعي، ولكن يدعو بالخصوص للاستناد لنظام عالمي صلب يقوم على قواعد ثابتة ومشتركة، معتبرًا أن النظام الأممي غير متواصل وغير كوني بل بات مهددًا منذ صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليدعو، من هنا، لبعث عالم متعدد الأقطاب منه بالخصوص قطب إستراتيجي أوروبي دون المرجعية الأطلسية، وهو يعتبر أن المتوسط أصل الحضارات وفق تعبيره، ويشدد بأن الوحدة الأوروبية ليست إلا إفرازًا لتاريخ المنطقة.

من جانبه، قدم الباحث المختص في الملف الليبي رافع الطبيب في مداخلته عرضًا للتطورات الميدانية في ليبيا، مستذكرًا مقولة السياسي الفرنسي اليساري جون لوك ميلونشون بأنه "إذا أردت فهم الحرب في ليبيا تتبع خطوط الأنابيب"، في إشارة لتمحور الصراع الخارجي حول الثروات الطبيعية.

وبيّن في هذا الموضع، أن الثروة النفطية والغازية تتركّز ليبيًا في منطقة أوباري والهلال النفطي، مشيرًا إلى أن مؤتمر برلين ركّز ضمن نقاطه على مسألة فتح الإمدادات وحمايتها. واستطرد أن الصراع الإيطالي الفرنسي هو "ًصراع مستعمرين" يتمحور حول نقطتين هما ضخ النفط والغاز إضافة لاعتبار ليبيا منطقة لاحتجاز المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء.

واستعرض 5 سيناريوهات للأزمة الليبية هي الحرب الشاملة، والتوافقات القبلية، والانتخابات، وتقسيم الدولة مشيرًا إلى التقسيم الواقعي الحالي رغم الوحدة المؤسساتية، إضافة للسيناريو الخامس وهو الاتفاق الشامل معتبرًا أن دول المنطقة لها أن تلعب دورًا في ذلك.

مخرجات مؤتمر برلين تحت المجهر

من جانبه، قدم الأكاديمي طارق الكحلاوي، وهو المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية التونسية، مداخلة بعنوان "هل فشل مؤتمر برلين؟"، تناولت مخرجات مؤتمر برلين المنعقد في شهر يناير/كانون الثاني المنقضي والذي جمع القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة الليبية. وتحدث، في بداية مداخلته، عن ما وصفه بإثقال المؤتمر بالبنود التي بلغت بالنهاية نحو 50 بندًا، مبينًا أن الكواليس تنقل أن الجانب الفرنسي استقصد ذلك.

وأوضح أن المؤتمر يشمل 3 مسارات أولها المسار المتعلق بوقف إطلاق النار، وهو المعطّل حاليًا بسبب استمرار القصف على العاصمة طرابلس، وبعد انسحاب ممثلي حكومة الوفاق من اللجنة الخماسية، فيما لا زال المسار السياسي غير واضح المعالم باعتبار أنه من المفترض أن ينطلق نهاية شباط/فبراير الحالي، ولكن لم يتم حتى الساعة إعلان معايير اختيار المشاركين.

وبخصوص المسار الثالث المتعلق بالجانب الاقتصادي، أوضح الكحلاوي الاهتمام الأنغلوسكسوني بهذا الملف، عبر بريطانيا والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن المسار يشمل ضمان تدفق النفط وشفافية المحافظ المالية النقدية، وهو لا زال في بدايته لم يشهد تقدمًا بعد.

ولكن حمل مؤتمر برلين نقطتين إيجابيتين، وفق تقديره، وهما أولًا وجود معطى ألماني سيؤمن المتابعة، وثانيًا إرجاع الملف الليبي تحت سقف الأمم المتحدة. ويشدد، في هذا الإطار، أن الحديث عن الحسم العسكري الميداني هو حديث سوريالي.

وحول التعاطي الأمريكي، يبين الكحلاوي، وهو كان أستاذًا مقيمًا في جامعة روجرز لمدة 6 سنوات، أن الملف الليبي حاليًا ليس من اهتمامات فريق الأمن القومي، وليس من أولويات إدارة دونالد ترامب، وهو محل متابعة من وزارتي الخارجية والدفاع ويتم التعامل معه ضمن قواعد المؤسسة "الاستيبلشامنت" مع الثوابت التقليدية للسياسة الأمريكية، وبالخصوص الحد من التدخل الروسي وضمان تدفق النفط وهو ما يفسّر التواجد الأمريكي في المسار الاقتصادي لمؤتمر برلين.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يريد حفتر من حملته العسكرية على طرابلس؟

وبخصوص الفاعلين في الأزمة الليبية، اعتبر أن اختلاف الرؤى بين الأوروبيين لدرجة تصل إلى التناقض أدى إلى عجز في الموقف الأوروبي وإلى اللاإنجاز، وهو ما يعني فراغًا تعمل كل من تركيا وروسيا على ملئه رغم علاقتهما المتذبذبة أحيانًا، مشيرًا إلى أن تونس والجزائر بإمكانها أيضًا ملء الفراغات خاصة مع تأكيدهما المشترك على ضرورة الحل الليبي الليبي.

من الجيف النظر لحكومة الوفاق في ليبيا لمجرّد أنها حكومة تضم إسلاميين فقط والحال أنها ذات تركيبة فسيفسائية

ويشير الكحلاوي، في ختام مداخلته، أن خليفة حفتر يمكن اعتباره كمخلب قط لقوى أجنبية، مبينًا أن تقرير صدر مؤخرًا من "نيويورك تايمز" الأمريكية أكد وجود مليشيات قبلية مسلحة تقوم باحتجازات في بنغازي، بمعنى أنه من التعسف الحديث عن مليشيات في طرابلس فقط، عدا أن مشروع حفتر يضم متشددين إسلاميين والحديث بالأساس عن السلفية المدخلية الداعمة له، في المقابل من الجيف النظر لحكومة الوفاق في ليبيا لمجرّد أنها حكومة تضم إسلاميين فقط والحال أنها ذات تركيبة فسيفسائية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

برود الدبلوماسية التونسية في الملف الليبي

معارك الهلال النفطي..الأزمة الليبية باقية وتتمدد