01-أكتوبر-2016

بقايا مجموعة من ست عربات مدفعية ذاتية الدفع تابعة لكتائب القذافي على طريق بنغازي - أجدابيا تدمَّرت خلال الغارات الفرنسية على قوات الكتائب يوم 19 آذار/مارس. (Getty)

كان خطاب رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة انعكاسًا وفيًا للدبلوماسية التونسية التي قد لا يصحّ وصفها إلا بالبرود ولعلّ الملف الليبي يمثّل نموذجًا في هذا الجانب، وذلك بغياب الحد الأدنى من الأداء في إدارته.

رغم أن تونس هي الجارة الأقرب لطرابلس لتكون أكثر دول الجوار تضررًا من الفوضى السياسية والأمنية هناك، ورغم المكانة المحورية لليبيا في الاستراتيجية الدبلوماسية التونسية بما قد لا يحتاج تدليلًا خاصة فيما يتعلق بمسألة الأمن القومي، فإن الدور التونسي لإدارة الأزمة في هذا البلد ظلّ باهتًا وهامشيًا.

لم تظهر تونس بالنهاية إلا كمبيت للمسؤولين الليبيين الذين يفضلون الإقامة بها لدواعي أمنية وجغرافية أساسًا، غير أنها ظلت عمومًا على هامش الغرف المغلقة التي تُطبخ فيها الوصفات وتتخذ فيها القرارات

وهو ما قد عكسته استخلاصًا الكلمة الجافة للسبسي حول ليبيا في المنبر الأممي وذلك بحديث عامّ في بضع كلمات عن دعم تونس للاتفاق الأممي ومساندتها لحكومة الوفاق، وذلك دون تعرّض لتصاعد الأزمة طيلة الفترة الأخيرة مع فشل الاتفاق الأممي في تحقيق أول أهدافه الإجرائية على الأقل وهو تشكيل حكومة تحظى بموافقة البرلمان، وبالتتابع غياب الإشارة في الكلمة لشروط تجاوز الأزمة من وجهة نظر الدبلوماسية التونسية. وعلى خلاف ذلك، ركزت كلمة السيسي على ليبيا التي وصفها ابتداءً بأنها "على تماس مباشر مع الأمن القومي المصري" وذلك حينما أشار لوجود دور مصري لجمع الفرقاء الليبيين عبر استضافاتها حاليا لاجتماعات ليبية على أراضيها.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين وكوفيتها على أجندة طلبة تونس

لقد توازت هامشية الدور التونسي في ليبيا مع غياب دور عربي موحد في الأزمة الليبية سواء في إطار الجامعة العربية أو تحت عنوان جامع لدول الجوار، إذ انحصرت مجهودات حل النزاع في الإطار الأممي بصفة أساسية، وهو إطار كان يمكن لتونس كذلك أن تساهم فيه بطريقة أكثر فاعلية وتأثيرًا. فقد اكتفت الدبلوماسية التونسية طيلة الفترة الماضية بدور الطرف المبارك للمسار وآلياته دون القيام بدور تقويمي لمسار فشل في تحقيق أهدافه.

حيث لم يكن قصور مضمون الاتفاق لتحقيق الحد الأدنى من التوافقات المطلوبة بخفيّ، خاصة في ظل ضعف انخراط القوى الليبية في هذا المسار من بدايته. وفي هذا الجانب، كان يجب على تونس، بغض النظر عن مدى نفوذها على مختلف القوى المتصارعة، أن تضغط باتجاه توفير شروط نجاح الاتفاق الأممي التي لم تكن محققة حين التوقيع عليه.

وبوجود مظلة أممية بغطاء دولي، وفي ظلّ تعامل دول الجوار العربي مع الملف الليبي بشكل أحادي عدا بعض التنسيق الأمني، لم تقدر تونس، في هذا الجانب، على لعب دور فاعل في صراع المزاحمة مع جيرانها. فقد رعت المغرب في وقت سابق مفاوضات الصخيرات، فيما تلعب حاليًا مصر دورًا أكثر انخراطًا وتأثيرًا للوصول لاتفاق سياسي معدّل بعد مأزق اتفاق الصخيرات، ما زالت تونس على هامش إعداد مفاتيحه.

ولعلّه من المهمّ الإشارة إلى أن التغيير الحاصل في السلطة في تونس وتحديدًا على مستوى رئاسة الجمهورية بداية 2015، تزامن حينها مع فترة أوجّ الصراع الليبي الذي كان قد انطلق في صيف 2014 بعيد انتخابات مجلس النواب. وبينما كان يُنتظر أن يستأنف فريق الرئاسة الجديد القطار خاصة وأن الرئيس السابق المرزوقي كان يقوم في خريف 2014 بوساطات بين الفرقاء الليبيين، كانت المغرب مسرحًا للمفاوضات الذي انتهى نهاية 2015 بتوقيع اتفاقية الصخيرات، وكانت تونس على هامش إعداد مضامينه.

فلم تظهر تونس بالنهاية إلا كمبيت للمسؤولين الليبيين الذين يفضلون الإقامة بها لدواعي أمنية وجغرافية أساسًا، غير أنها ظلت عمومًا على هامش الغرف المغلقة التي تُطبخ فيها الوصفات وتتخذ فيها القرارات. وتتمثل الخشية أن تكون الدبلوماسية التونسية قد حصرت تناولها للملف الليبي فيما يتعلق بالمسألة الأمنية فقط.

وعلى أهمية هذه المسألة بل وراهنيتها خاصة في ظلّ نشاط عدد من الجماعات الإرهابية في ليبيا وهو ما قد عجّل تونس لبناء ساتر ترابي على حدودها، فإن هذه التبعات الأمنية تظلّ نتاج لأزمة أكثر تعقيدًا، تتقاطع فيها المركبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهو ما يستوجب أن يكون الدور التونسي أكثر انخراطًا في ليبيا، ذلك أن تونس تظلّ المستفيد الأوّل من تحقيق الاستقرار السياسي وبالتتابع انطلاق مرحلة إعادة الاعمار، حيث تنظر تونس لليبيا كجنة لامتصاص جزء كبير من بطالتها.

اقرأ/ي أيضًا:
فتوى تحريم الاحتجاجات العشوائية تثير جدلًا في تونس
فيلم "زيزو"... أحلام الشباب التائه