10-نوفمبر-2023
ملصقات تدعو إلى مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال في أزمير بتركيا

(Getty) ملصقات تدعو إلى مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال في أزمير بتركيا

لماذا أحاول أن أقاطع دائمًا؟ ما جدوى مقاطعتي للبضائع الغربية؟ هل ستحدث هذه المقاطعة أي فرق؟ ما هي العواقب المحتملة لهذه المقاطعة على الموظفين والمجتمع؟ هل أنا صادق فعلًا في مقاطعتي لبعض البضائع بينما لا أقاطع غيرها لإنعدام البديل؟

أسئلة كثيرة طرحتها على نفسي، وبحثت لها عن إجابات خلال سنوات من محاولات متكررة لجعل المقاطعة ممارسة يومية في حياتي للاعتراض والمساءلة والمقاومة.

منذ عقود ونحن نتابع مسلسل الوقاحة والإجرام الغربي، في ظل إصرار المستعمر الغربي وطفله غير الشرعي المحتل الصهيوني على خرق كل العهود والقوانين الدولية وحتى أبسط الأخلاق الإنسانية، ليس فقط مع العرب ولكن مع كل من هو ليس أبيض غربي.

طوال حياتي وانا أتابع جرائم الفرنسيين في إفريقيا، وعربدة الأمريكان وجرائمهم من العراق لأفغانستان وغيرها، وزعرنة البريطانيين من الشرق الأوسط لجزر الفوكلاند، وجرائمهم مجتمعين في فلسطين. واليوم نتسمر أمام الشاشات بينما يمضي المحتل الصهيوأمريكي في تنفيذ محرقته والإبادة الجماعية بحق الفلسطينين بلا هوادة بدعم أوروبي بريطاني، مع استمرار تخاذل أو تواطؤ بقية الأنظمة والمجتمع الدولي، وأنا والكثيرون غيري نصارع الشعور بالعجز والقهر الذي صارعناه لسنين طويلة مع كل جريمة دولية يرتكبها رعاع الأرض من الحكومات الغربية بلا رادع، بعد ان نزعت الأنظمة من أيدينا وبشكل ممنهج على مدار عقود أية أدوات حقيقية للمعارضة أو المقاومة أو المساءلة.

قد لا تقضي المقاطعة على اقتصاد العدو، ولكن المقاطعة المدروسة والجادة ستثخنه بالجراح على المدى الطويل، ليس اقتصاديًا فقط بل سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا

وعلى الرغم من سوداوية المشهد كانت المقاطعة تعود لتطفو على السطح كأداة فعالة، يمكننا استخدامها للرد على استبداد المستعمر الغربي والمحتل الصهيوأمريكي.

في البداية، أود الانتهاء من جدلية ما فائدة أن تقاطع المطاعم والمقاهي والملابس والأغذية بينما ما زلت تستخدم تقنياتهم وحواسيبهم؟ إجابتي الشخصية تكمن في قاعدة "ما لا يدرك كله، لا يترك جُلّه"، فإن لم تستطع مقاطعة كل شيء فأنت مطالب بفعل ما تستطيع لقوله تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ". فأنا أقاطع ما أستطيع مقاطعته، وأحاول قدر الإمكان أن أجد بديلًا أقل ضررًا لكل شيء آخر. كما أن المقاطعة فعل موجه فأنا فعليًا لن أقاطع الكوكب، ولكني سأحاول مقاطعة ومساءلة أقذر ما فيه، لذلك هنالك قوائم محددة للمقاطعة في كل مجال، تعرض أكبر المعتدين ومنتهكي حقوق الإنسان في العالم، وقد يتكرر ذكر الجهة الواجب مقاطعتها عدة قوائم ولكن لقضايا مختلفة، فبعض سلاسل المقاهي التي قوطعت لدعمها جرائم الاحتلال، تقاطع دوليًا منذ سنوات لاستعبادها الأطفال في مزارع القهوة.

هل المقاطعة مؤثرة؟ قد لا تقضي المقاطعة على اقتصاد العدو، ولكن المقاطعة المدروسة والجادة ستثخنه بالجراح على المدى الطويل، ليس اقتصاديًا فقط بل سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا. أول ثمار المقاطعة تكمن في رفع الوعي بالقضية ولفت انتباه الجمهور إلى مظالمنا، حتى قبل أن تبدأ هذه المقاطعة بممارسة الضغط الاقتصادي والمالي على الشركات والحكومات المتواطئة في المذبحة، الضغط الذي يمكن أن يدفعهم لتغيير إزدواجية ممارساتهم أو سياساتهم الظالمة. ولنكن واقعيين فلسنا بحاجة لدراسات وتقارير مالية لنرى أن هذه الأعمال تربح أموال قارون، وإلا لم نكن لنرى إنتشارها في بلداننا كالسرطان، ولذلك نرى الكثير منهم بعد دعمهم للعدو بدأوا بالتراجع وتغيير خطابهم في محاولة لتخفيف المقاطعة. وكفائدة جانبية للمقاطعة على الطرف الآخر فإنها تدعم البدائل الاكثر أخلاقية وتدعم الاقتصادات المحلية والمنتجات الوطنية البديلة، والتي تكون في كثير من الأحيان ذات جودة أعلى بكثير، فعل سبيل المثال ومن تجربتي الشخصية للعديد من مطاعم البرغر المحلية في الأردن، فإن شطائر أسوأها أفضل من أفضل سلسلة مطاعم أمريكية. وللخائفين على الوظائف وقد كنت أحدهم في الماضي، فعلى سبيل المثال الناس لن تتوقف عن تناول البرغر والقهوة، وبالتالي فإن المنطق يشير لأن الناس ستتحول للمطاعم والمقاهي المحلية التي ستتوسع تلقائيًا، وتزيد من الوظائف مع اختصار النسب والأموال التي كانت تدفع لأصحاب الامتياز الأمريكيين والغربيين، فرجاءً ليكف الانبطاحيون عن التباكي على الكمبرادور العربي.

وحتى لو لم يكن الأثر الاقتصادي بالحجم المطلوب فإن حملات المقاطعة الشعبية تعزز الشعور بالانتماء للمجتمع والتضامن بين الأفراد كأضعف الإيمان فإن لم نستطع نصرة إخوتنا تحت القصف، على الأقل لن نكون شركاء وممولين للجريمة، وعلى العكس سنحاول المساهمة في تشكيل الرأي العام والتأثير على السردية حول قضية فلسطين في حالتنا هذه، وفي القضايا العادلة الأخرى حول العالم سابقًا ولاحقًا.

المقاطعة عملية طويلة ومستمرة وتحتاج لجهد مستدام ليس فقط في المقاطعة، بل وفي الترويج لها وتشجيع الناس عليها، ولكن الجميل فيها أنها يمكن أن تبدأ وتستمر كفعل فردي مسؤول يعمل على تمكين الأفراد من اتخاذ موقف يسمح بأن يكون لهم تأثير مباشر على القضايا التي تهمهم، وهذا ما يشعرنا بالقوة والاعتقاد بأن العمل الفردي والجماعي المدني يمكن ويجب أن يحدث فرقًا.

ما زالت العديد من القوى الاستعمارية السابقة تحتفظ بنفوذها الاقتصادي في مستعمراتها السابقة، وأخرى وسعته ليشمل العالم من خلال الممارسات التجارية الاستغلالية، والكمبرادور المحلي، وضرب الاعمال المحلية لصالح الشركات متعددة الجنسيات التابعة لها، وسرقة موارد الشعوب الاخرى. وفي حين أن هذه أصبحت أبرز نقاط قوتها، فإنها في ذات الوقت قد تشكل نقطة ضعف يمكننا كأفراد استهدافها من خلال المقاطعة المستمرة كممارسة يومية مسؤولة وليس كفزعة مؤقتة.

في النهاية المقاطعة أو عدمها قرار شخصي، ولكن رجاءً إن قررت المقاطعة فلا تلتفت إلى المثبطين، وإجعل منها ممارسة يومية مستمرة، ولنحاول أن نتبضع بمسؤولية، فنحن نقاطع البعض لجرائمهم في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا، ونقاطعهم وآخرين لانتهاكاتهم في إفريقيا ولممارساتهم الظالمة في أمريكا الجنوبية وغيرها، نحن أولاً وأخيراً نقاطع من أجل أنفسنا ومن أجل عالم أفضل لأطفالنا، فقاطع ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.