25-سبتمبر-2017

أغلب المسلمين يتعاملون بانتقائية مع السيرة النبوية (فيصل خان/ الأناضول)

حين ينتبه المسلمون إلى أنهم يركزون على الحدث، في تعاطيهم مع سيرة الرسول محمّد، منها هجرته من مكّة إلى المدينة، وليس على روح الحدث؛ وقتها يستطيعون أن يستفيدوا من كونهم مسلمين، ذلك أن التركيز على الحدث يثمر الانتباه إلى الشكليات، فيمنحها سلطة على حساب سلطة الجوهر، وهذا ما كرّس مفارقة مزعجة هي أن مسجدًا واحدًا في عهد الرسول، استطاع أن يشعّ على العالم، بينما عجز 25 ألف مسجد في الفضاء الجزائري وحده، عن حمايته من أمراض كثيرة، مثل السرقة والكذب والغشّ والتصالح مع الوسخ، بكل تجلّياته ومفاهيمه.

أغلب المسلمين انتقائيون في التعامل مع السيرة النبوية، فيأخذون منها ما يوافق هواهم ونزعاتهم القبلية والبدوية المتكلسة

يهمّنا كيف كان يأكل، ونحرص على أن نأكل مثله، لكن لا يهمّنا لماذا كان يمارس فعل الأكل ومتى، وهل كان طعامه مستوردًا كله؟ يهمّنا أن نلتزم بالبسملة عند الشروع في الأكل، لكن لا يهمّنا أن يكون طعامنا صحيًا! فنحن نستهلك من القهوة على الخواء، والهريسة والمشروبات الغازية، ما يجعلنا نصاب بأمراض المعدة في عزّ الشباب. والحديث قياس على أفعال كثيرة.

اقرأ/ي أيضًا: الحداثة والقرآن.. تمرحل النصّ

ثم إنه علينا الاعتراف بأننا انتقائيون في تعاملنا مع السّيرة النبوية، فنأخذ منها ما يوافق هوانا، أقصد ما يوافق نزعتنا القبلية والبدوية المتكلّسة، إذ تعاني الأحاديث المتعلّقة بالجنس، مثلًا، تعتيمًا رهيبًا، حتى أننا نكبر محرومين من أجسادنا، ولا نكتشفها إلا عن طريق الاحتكاك بالبورنوهات القادمة من الفضاء الغربي، فنتعاطاها مع جرعة مشوّشة من تأنيب الضمير، على أساس أن استكشاف الجسد مخلّ بالحياء والدّين معًا، بينما هو غير ذلك تمامًا.

في حديثٍ عن الرسول الكريم، أورده أبو حامد الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين، يقول: "لا يقعنّ أحدكم على زوجه كما تقع البهائم. ولكن ينبغي أن يكون بينهما رسول. قالوا: وما الرسول يا رسول الله؟ قال القبلة والكلام".

يُضعف البعض ويشككون في صحة الحديث، رغم أنه حديث، يُمكن وصفه بأنه دلالة علم ومعرفة بطبيعة النفس البشرية، بل بمثابة تهذيب لها في ممارسة مقدسّة في الإسلام، وتصل لدرجة العبادة، وهي ممارسة الجنس في إطار الزواج. ومع ذلك بات لا يُعتد بهذا الحديث، في حين فعل بنا فعلته حديث آخر من قبيل: "إذا كنت تصلّي، فعبر أمامك كلب أسود أو امرأة، فأعد صلاتك"! 

أحيانًا يقف الواحد محتارًا مع بعض الأحاديث التي تضرب بذوق الرسول وإنسانيته عرض الحائط، ويجد نفسه مخيرًا بين أن ينتصر لذوق وإنسانية الرسول أو للصحابي الذي رواها.

العديد من الأحاديث تحمل صفة "الصحيح" لكنها تتعارض مع روح القرآن نفسه وتضرب في ذوق الرسول وإنسانيته

يسمّى علم تصحيح الحديث النبوي وتضعيفه علم "الجرح والتّعديل"، أي أن نجرّح في نزاهة الرّاوي أو نعدّلها بأن ننسب العدل إليه، بناء على سلوكه، وقد بُذلت في هذا جهود عظيمة ومثيرة للدهشة. لكن ألم يحن الوقت بعد، لأن نغربل الرصيد النبوي من الأحاديث، داخل مخبر جماعي يضمّ ألسنيين ومؤرخين وأنثروبولوجيين وفقهاء واقتصاديين وعلماء نفس وطب واجتماع ولغة؟ ذلك أن هناك أحاديث تتعارض مع روح القرآن نفسه، لكنها تحمل صفة "الصحيح". لماذا يعادي رجال الدين هذه العلوم؟ هل لأنها تملك الأدوات المنهجية القادرة على الفرز، فيخسرون بعض سلطتهم المستمدّة من نصوص نبوية وضعت لأغراض قبلية وسياسية؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

من فقه الثواب إلى فقه العقاب

هل نقرأ التاريخ؟