27-يونيو-2020

ضمن مشروعه المعرفيّ والفكريّ المُتجدِّد في البحث عمّا طواه النسيان من كتب ومنشورات مفيدة قدّمتها المطبعة العربية قبل سنوات خلت، أي منذ بدأت بنشر بواكير كتب النهضة وحتّى خمسينيات القرن الشعرين وستينياته، وفي ظلّ اشتغاله على ترميم الجسور المعرفية، وردم الهوة والثغرات بين عوالم الأفكار، وإعادة الاعتبار لما نُسي منها أو كاد يُنسى؛ أعاد (المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات) إصدار كتاب السياسيّ اللبنانيّ أسعد داغر (1886-1958) المعنون بـ "مذكّراتي على هامش القضية العربية"، ليُعيده إلى المتن بعد مرور نحو ستّين عامًا على صدور طبعته الأولى عن دار (القاهرة للطباعة).

قدم خالد زيادة لمذكرات أسعد داغر تقديم الدارس المتمهل لمنجز صاحب المذكرات والعارف المتأمل بالسياق التاريخي الذي انبثقت منه تجربة صاحبها 

الكتاب الذي جاء موزًّعا على 464 صفحة موزّعة على 13 فصلًا بدورها، حقّقه المؤرّخ والمفكّر اللبنانيّ خالد زيادة، وتولّى كذلك تقديمه بقوله: "ينتمي كتاب أسعد داغر إلى مجموعة كبيرة من الأعمال والمؤلفات، التي تتراوح بين المذكرات الشخصية والدراسات التاريخية. وكما في جميع المذكرات، فإنّ المؤلف كتبها بعد مرور وقت طويل على وقوع الحوادث التي ذكرها، إلا أنه بدا لنا من خلال التحقيق أنه احتفظ بملاحظات ووثائق ومراسلات استخدمها في صوغ المذكرات".

اقرأ/ي أيضًا: "حبة قمح" نغوغي وا ثيونغو في طبعة عربية جديدة

وتوثّق مذكّرات أسعد داغر مرحلة زمنية ممتدّة على أكثر من نصف قرنٍ من الزمن، أي منذ تأسيس أوّل المنتديات في إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية آنذاك، حيث كان الكاتب اللبنانيّ يتابع دراسته في الوقت الذي أُعلن فيه الدستور العثمانيّ سنة 1908، مرورًا بالقاهرة ومن بعدها المشاركة في الحياة والنشاط السياسيّ في دمشق عقب إعلان الحكومة العربية (1918-1920)، وانتهاءً عند خمسينيات القرن العشرين.

وبين هذه التواريخ الفارقة في حياته، يروي داغر الكيفية التي عرف من خلالها أنّه عربيّ، وتفاصيل اعتناقه فيما بعد للقضية العربية، مقدّمًا وصفًا مسهبًا لتلك المرحلة التي تطوّر فيها وعيه بهذه القضية، وتنامي باستمرار عند كلّ محطّة فارقة في حياته. " نكتشف أننا إزاء شخصية نذرت حياتها لهذه القضية من دون أن يكون لديه مطمع في منصب أو نفوذ أو مجد شخصي؛ إذ كان واحدًا من أولئك الذين تكوّنت شخصياتهم وأفكارهم من خلال متابعتهم ومشاركتهم في الحوادث التي تطورت خلالها العروبة من فكرة إلى ثورة إلى حكومة، وكانت العقيدة التي بُنيت عليها الدول الوطنية التي نشأت بعد العام 1920" يقول زيادة في مقدّمته. 

وكان داغر من بين أولئك الذين انشغلوا بمسألة إقامة المملكة العربية، كما يذكر في مذكّراته التي تقول إنّ الخلافات الداخلية أعاقت تحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى المخطّطات الغربية التي دفعت المؤتمر السوريّ إلى إعلان المملكة السورية بدلًا من العربية، وانتخاب فيصل ملكًا عليها أيضًا، ليكون بعد أربعة أشهر فقط على موعدٍ مع معركة ميسلون ودخول الجيش الفرنسيّ إلى دمشق محتّلًا، الأمر الذي أنهى تجمّع العروبيين الذين كانوا قد اتّخذوا من دمشق ولمدّة عامين قلبًا للعروبة النابض.

يحسب أسعد داغر على التيار العروبي المبكر الذي سعى للوحدة والنهضة عربيًا كما رفض الاستعمار ومحاولات توظيف الأمل العربي لصالحه

هكذا، "عاد العراقيون إلى العراق خصوصًا أن الثورة اندلعت هناك ضد الاحتلال الإنجليزي. ورجع الفلسطينيون إلى بلادهم ليجابهوا الاستيطان اليهودي والاستعمار الإنجليزي. وفرّ السوريون إلى شرق الأردن، وبعضهم إلى مصر، ورجع اللبنانيون إلى لبنان أو تفرّقوا بين شرق الأردن ومصر، وعاد أسعد داغر إلى مصر التي جاء منها" يقول زيادة، ويضيف: " في الوقت الذي كانت تتبلور فيه فكرة عربية جامعة، كانت الوقائع تدفع إلى بروز الوطنيات العراقية والفلسطينية والسورية واللبنانية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "ثلاثة أيّام في كازابلانكا" لإسماعيل غزالي.. نزع حجاب المدينة

الجذور الحقيقية للتمييز الجنسي في الشرق الأوسط