30-أبريل-2019

عززت الثورات العربية من صورة المرأة المناضلة كأيقونة (تويتر)

في كتابه المهم عن الأيقونات في الثورة الفرنسية، يقوم ريتشارد كلاي بمحاولة دحض الارتباط الحادث في السردية التاريخية بين الأيقونة والتخريب، التي ابتليت بها هذه السرديات التي تناولت الأيقونية كفعل دال. يجادل أيضًا كلاي بشكل مقنع بأن غالبية الباريسيين في فرنسا في القرن الثامن عشر لم يتفاعلوا مع الصور والأشياء على أساس جمالي في المقام الأول، لكنهم فهموها رغم ذلك على أنها تمتلك قيمًا سياسية أو طقوسية عميقة.

عقب الانتفاضات العربية في موجتيها الأولى والثانية، بدت الثورات العربية وكأنها تعيد إنتاج أيقوناتها الخاصة، التي تعلن بشكلِ حازم ومهم فكرة التمرد وكسر التابوهات السياسية والدينية والاجتماعية

في عالمنا العربي وعقب الانتفاضات في موجتيها الأولى والثانية، بدت الثورات العربية وكأنها تعيد إنتاج أيقوناتها الخاصة، التي تعلن بشكلٍ حازم ومهم فكرة التمرد وكسر التابوهات السياسية والدينية والاجتماعية، وتعيد طرح نفسها ليس كبديل لكل تقليد صلب أو متزمت فقط، بل أيضًا كسؤال واقعي يوجهه الشباب لمجتمعاتهم ومؤسساتهم الدينية والسياسية والرسمية.

اقرأ/ي أيضًا: ما يجب أن يقال في يوم المرأة

الكنداكة التي أُعيد لها مجدها!

وقفت إحدى الفتيات في ساحة مفتوحة في إحدى الاعتصامات في السودان، تغني "حبوبتي كنداكة" دون أن يفهم معظم الجمهور العربي ترجمة معاني كلمات الأغنية، لكن المشهد اللافت للفتاة، التقطته عين الرسام والأيقوني، وتحول إلى رمز فوري، فرُسمت تارة بتجريدية تجعلها وحدها بطلة المشهد، وتارة وحول رأسها هالة وكأنها العذراء تخطب في الناس، أو بمنظور ثوري مع اقتباس من هتافها مع الحشود "النار ما تحرق يحرق سكوت الزول".

أما الكنداكة التي أعادت الثورة السودانية إحياءها، فهي من مجيدات التاريخ اللاتي طواهن النسيان، نظرًا لجهل الناس بالثقافة النوبية التي غُيبت وطمست مع سبق الإصرار في الثقافتين المصرية والسودانية.

الكنداكة هو لقب أطلق على الملكات النوبيات اللاتي ملكن زمام السلطة في التاريخ واللاتي يقدر التاريخ عددهن بـ11 ملكة من أصل 49 أشهرهن على الإطلاق الكنداكة "أماني ريناس" و"شانا داخت".

كانت أماني ريناس مجيدة بقدر سلطة الملكة حتسبشوت في مصر القديمة، لكنها لم تضطر لأن تكون رجلاً مثلها لتحكم، وكانت الكنداكة ريناس زوجة لأمير مملكة "نبتة" السودانية، ثم تولت هي زمام المُلك بعد وفاة زوجها. وعنت كلمة كنداكة الزوجة الأولى، إلا أن اللقب في عهدها تحول إلى وصف الملكة العظيمة، خاصة عندما تصدت الملكة الكنداكة أماني ريناس للرومان وأخضعتهم حين طمعوا في ملكها، بعد حرب رجحت كفتها كملكة، وأجبرتهم على إبرام صلح معها.

حمالة الصدر: أيقونة انتهاك أو أيقونة رفض؟

في الثورة المصرية وفيما عُرف بأحداث مجلس الوزراء، ضُربت فتاة بعنف من قبل قوات الأمن المصرية حتى تم تعريتها وظهرت حمالة صدرها الزرقاء. كانت تلك الحادثة من أكثر الحوادث إيلامًا للمصريين، لأن الانتهاك كان مصورًا وعنيفًا ومتجاوزًا لكل الأعراف والقيم، ولأن ضرب الفتاة بهذا العنف وتعريتها  في الشارع اُعتبر إهانة موجهة للمرأة المصرية بشكل عام.

تداولت الصحف العالمية الواقعة وسُميت الفتاة محليًا بـ"ست البنات"، بينما سمتها وسائل الإعلام العالمية "الفتاة ذات الحمالة الزرقاء".

التقطت عيون الشارع الحساسة المشهد بسرعة، ووضعته على كل حائط، أيقونة رفض أو سخرية من المعتدي، أو أيقونة للانتهاك وتعبير عن التحدي، حتى تحولت حمالة الصدر الزرقاء إلى أيقونة ثورية في مجتمع محافظ.

اللمحة الصوفية في الأيقونات: المرأة الأنموذج

في سياق تناول المرأة كأيقونة ثورية يورد علي زيعور، في كتابه الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم، أن المرأة كأيقونة تعادل دومًا الأرض، من حيث كونهما مصدرًا للحياة والخصوبة، وترتبط في هذا ارتباطًا استثنائياً بها، وتأخذ من قداستها، وهي أيضًا في الفعل الصوفي بطلة، وشفيعة للفقراء والمعذبين، ورمز للأم الحامية حارسة الأرض، وهي في المعتقد الصوفي رمز للاكتمال، وهي القطاع النفسي الذي يوجد ذلك التكامل بين الوعي واللاعي.

اقرأ/ي أيضًا: نضال المرأة الفلسطينية.. جهد مركب على جبهات متعددة

أيقونات ثورية عربية: نساء منحن الثورة بريقًا

هناك أيقونات ثورية عربية لا يمكن الحديث عن الانتفاضات دون المرور عليها. أسماء كبيرة ليس فقط لأنها رفضت بل لأنها دفعت الفاتورة كاملة، مثل الفنانة السورية مي سكاف التي توفيت العام الماضي، بشكل سبب صدمة كبيرة لمحبيها وأقاربها، وفي نعيها كانت سكاف توصف دومًا بأنها أيقونة الثورة السورية. كان معها طل الملوحي، شرارة الثورة، التي غيبها النظام في أقبيته حتى انتشر نبأ وفاتها عام 2015.

المرأة كأيقونة ثورية، عول عليها التاريخ كثيرًا من حيث كونها المثال للأصل، أو الأصل النبيل للأرض الحاضنة، أو الحارسة المقدسة التي تقتل الثعبان الكامن في البلاد كما في الرواية الصوفية، التي أبدعت جنبًا إلى جنب مع نظيرتها الفنية في تمجيد صورتها على الحوائط والجدران واللوحات.